المحتوى الرئيسى

الأشياء الأخرى فى شارع شريف - منطقتي

02/15 15:55

من هنا بدأ نجيب محفوظ مشواره ليس ككاتب بل كموظف عتيد، من المبنى المهيب لوزارة الأوقاف صعد السلّم موظفا بإدارة التفتيش، المبنى المصمم قبل مئة عام على الطراز الإسلامى لا يعطى وجهه لشارع شريف ولا لهدى شعراوى بل يغلق أبوابه الخلفية فى وجهى الشارعين ويشرع بوابته على «صبرى أبوعلم»، لكن زاويته الجانبية المزخرفة التى تحتل نواصى الشوارع الثلاثة، تصلح كعلامة هائلة تميز بداية شارع شريف باشا، وتعبّر عنه أيضا، فهو الشارع العتيق المهم النادر فى استقامته بين شوارع وسط البلد الدائرية، لكنه، تماما كما فعل معه مبنى الأوقاف، لا يحظى بشهرة ورواج طلعت حرب، ربما كان هذا من حسن حظه، إذ لا يحظى بزحامه وباعته الجائلين أيضا.

ربما حظ شريف أفضل من «حميه» والد زوجته سليمان باشا الفرنساوى، الذى استولى طلعت حرب على اسم شارعه، على الأقل فإن اسم شريف ظل على شارع –المدابغ سابقا- إلى اليوم.

على الخريطة يبدو شارع «شريف» موازيا تقريبا لطلعت حرب، لكنه فى الواقع مثل سهم مستقيم، جعلته استقامته أقصر من نظرائه الدائريين، مستقيم وفى استقامته كما لو كان يقف حاجزا بين عالمين لوسط البلد، عالم طلعت حرب التجارى، وعالم عابدين الشعبى، وتخترقه بين هذا وذاك شوارع وممرات تعبر بين العالمين، تبدأ بشارع صبرى أبو علم الذى ينتهى على تخوم عابدين، ثم شارع «رشدى» العابدينى بوضوح، ثم قصر النيل الذى يصب فى ميدان مصطفى كامل، ثم عبد الخالق ثروت وعدلى المنتهيان عند حدود العتبة، 5 شوارع رئيسية تقطع شريف ولا تمزقه، يبقى صارما مستقيما، يبدأ بين طرفى باب اللوق وهدى شعراوى، وينتهى بصراحة فى 26 يوليو.

وإذا كان شارع «طلعت حرب» وأشباهه، هى شوارع الملابس والمطاعم والمقاهى، فإن شريف هو شارع كل الأشياء الأخرى، شارع التنوع التجارى المدهش، بدءا من «مركز الصيد والغطس»، إلى محلات الخزنات المالية، ومن المكتبات المشهورة لأدوات ومعارض الرسم والهندسة، ولوحات البورتريه المرسومة سلفا أو على الهواء حسب الطلب، إلى متاجر معدات الإضاءة ومستلزمات النظارات الطبية، ومحلات «الأكل البيتى» المختفية فى ممرات عمارة الإيموبيليا ببرجيها الهائلين، العمارة التى ازدانت يوما بسكنى ليلى مراد وأنور وجدى الريحانى وأشهر فنانى النصف الأول من القرن العشرين، واليوم يعرض مدخلها لافتات تعلن عن المزاد تلو المزاد، لبيع الشقق والتحف والمعدّات، وليس باقيا من عزها القديم سوى المدخل المهيب، وأصص زرع تتوسط مدخلها كحديقة صغيرة تتضائل بين البرجين.

وعلى عكس نوع سكان الزمن القديم فى «الإيموبيليا»، ربما يكمن سر الهدوء النسبى لشارع شريف، فى أنه لا يضم دار سينما واحدة، لا شتوية، ولا حتى صيفية –فى أزمنة السينما الصيفية، الشاشة السينمائية الوحيدة هنا، هى فى العمارة رقم 36 شارع شريف، فى مركز الثقافة السينمائية التابع لوزارة الثقافة، وهي- بالطبع – شاشة ندوات لا شاشة جماهير.

مستقيم، متنوع، هادئ، حتى تصل إلى نهايته فى شارع 26 يوليو، هنا فقط، حيث محلات الحلويات يسارا، والأحذية يمينا، هنا فقط ، يبدأ «شريف» فى التشبه بـ «طلعت حرب».

تأخر الشرق طويلا جدا فى منع العبودية، لكنه حين استجاب أخيرا، طوعا أو كرها، كان شريف باشا هناك، ناظرا للخارجية المصرية، وموقعا عن مصر معاهدة منع تجارة الرقيق سنة 1877.

يصعب حصر مناصب الحياة المهيبة لمحمد شريف باشا، ليس فقط لأنه تولى تشكيل أربع وزارات، ولكن لأنه أشرف فى عهده على تأسيس مجلس النواب المصرى 1881 ووضع نظامه الدستورى، كبديل وخطوة متقدمة عن مجلس شورى النواب (1866 )، قبل أن يفسد الاحتلال الإنجليزى ( 1882) والخديوى توفيق محاولات التحديث الدستورى، بإلغاء «شورى النواب» واستبداله بـ»شورى القوانين» الذى يهيمن عليه الخديوى ويختار حوالى نصف أعضاءه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل