المحتوى الرئيسى

قيام وانهيار سينمات وسط البلد - منطقتي

02/15 15:45

حتى منتصف الخمسينات كان بناء أو شراء أو استئجار قاعة سينما في منطقة وسط البلد، استثمارًا ناجحًا وجاذبًا للأجانب من كل الجنسيات.. عرب وأوربيين. بالأساس أغلب دور العرض السينمائية والمسرحية في القاهرة الخديوية أقامها أجانب من جنسيات مختلفة في عقدي الثلاثينات والأربعينات.

ذلك أن القاهرة آنذاك كانت مدينة كبيرة، ويتطلع سكانها من الشرائح التي تتمتع بفوائض مالية نسبية إلى عيش حياة الأثرياء، كذلك مع غياب التليفزيون الذي عرفته البلاد عام 1960، كانت السينما هي المقصد الأساسي والوحيد لدخول عالم السحر والخيال.

استمر الأمر كذلك، حتى رحيل الأجانب عن مصر بداية من منتصف الخمسينات، وزيادة عدد الأفلام المنتجة وارتفاع الاستثمارات العربية في الصناعة، حتى مر عقد كامل على دخول التليفزيون أغلب المنازل في بداية السبعينات وتراجع الإنتاج السينمائي، فاختلف الحال وعرفت دور العرض في وسط البلد الكساد لأول مرة منذ إنشائها، حيث لم يعد يرتادها الكثير إلا فى الأعياد والمواسم، وبرغم ذلك كانت تلك الفترة على التراجع الذي شهدته تعد من بين فترات الازدهار بالنسبة لدور السينما مقارنة بما حدث بعد ذلك! وإذا كان القائمون على دور السينما آنذاك كانوا يتهمون التليفزيون بأنه السبب وراء “وقف حالهم” حيث كان يعرض الأفلام بعد عرضها في دور السينما بعامين وأحيانا أكثر، فقراصنة الأفلام يعرضونها الآن على الانترنت قبل أن تعرض في دور السينما أصلا!

مع منتصف الثمانينات بدأت دور عرض كانت شهيرة جدًا تغلق دون أن يشعر بها أحد، وزاد العدد أكثر فأكثر في فترة التسعينات والألفية، ومع زيادة عدد دور السينما في المولات الكبرى تراجعت قاعات وسط البلد وقُسمت وصغُرت الدور الضخمة، واختلفت نوعية روادها تماما!

في هذا الملف عن سينما وسط البلد، يقدم “منطقتي” جزءًا من تاريخ دور السينما في القاهرة الخديوية، وحكايات أشهرها، بالإضافة إلى معلومات تفصيلية عن كل سينما بداية من عدد مقاعدها وحتى الجهة المالكة لها.

في سبعينات القرن الماضي افتتح أحمد أحمد الحاروفي متعهد الأفلام اللبناني الأصل سينما “القاهرة” بشارع عماد الدين، أمام سينما كوزموس، بواجهة من الأشجار الخشبية ومجسمات لقرود تتسلق تلك الأشجار عند مدخلها.

يقول مصطفى محمود صاحب محل فواكه “لبنان للعصائر”، المحل الأقدم المجاور للسينما، إن “الحاروفي” كان يعمل متعهدًا للأفلام والحفلات مثل حفلات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وحين اشترى مقر السينما قرر بناء “كباريه”، وبعد عدة سنوات قام بتحويله لدار عرض سينمائية مكونة من قاعة واحدة كانت تسع عددًا كبيرًا من المقاعد، واشتهرت السينما حينها بعرض الأفلام الهندية وأفلام الأكشن مثل أفلام “بروس لي” وغيرها ولم تكن أسعار التذاكر حينها تتعدى السبعين قرشًا، وبعد وفاة “الحاروفي” توقفت السينما وطالها الإهمال والخراب الشديد، حتى إن أحرف لافتتها تساقطت، ومرت سنوات قليلة ليستأجر السينما مجموعة مستثمرين حولوها إلى “كوفي شوب” لم يستمر العمل فيه سوى شهرين، ومنذ نحو عامين قرر ورثة “الحاروفي” بيع السينما إلى مجموعة مستثمرين، يسعون حاليا بتحويلها إلى محال تجارية ومكاتب إدارية.

ويضيف صاحب “فواكه لبنان” إنه في فترة عمل سينما القاهرة كان يلتقي العديد من نجوم الفن أصدقاء الحاروفي، وكانوا يأتون إلى محله لشرب العصير في أوقات الاستراحة أو عقب انتهاء عرض الفيلم.

 أنشئت سينما مترو عام 1938، وهي من أقدم دور السينما في وسط البلد. أسستها شركة “مترو جولدوين ماير” العالمية لإنتاج وتوزيع الأفلام، وافتتحتها بعرض الفيلم الشهير “ذهب مع الريح”، وتأممت السينما بعد حركة الضباط المباركة في يوليو 1952.

للسينما العريقة تاريخ من الحرائق، حيث تعرضت لحادث تفجير اتهمت به جماعة الإخوان المسلمين في 6 مايو 1947 (الموافق ذكرى يوم جلوس الملك فاروق على العرش) ثم تعرضت للاحتراق ضمن 40 دار عرض أخرى أثناء حريق القاهرة (26 يناير 1952)، بعدها تعرضت لحريق آخر جزئي عام 2008 بسبب ماس كهربي. وتعتبر “مترو” أول سينما مكيفة في مصر، وفي عام 2006 قامت الشركة العربية للإنتاج السينمائي باستئجار الشركة بموجب عقد مدته 25 عامًا.

وفور استئجارها للسينما، قامت الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي بتقسيمها إلى أربعة قاعات، لتواكب الاتجاه الجديد الذي يفضل القاعات الصغيرة المتعددة عن القاعة الكبيرة الواحدة و أصبحت “مترو” السينما المعتمدة لعرض أفلام “السبكي” في الأعياد.

وفي السنوات الماضية  ارتبط اسم سينما مترو بحوادث التحرش، وذلك منذ حادث العرض الخاص لفيلم «عليا الطرب بالتلاتة» ولذلك تشهد السينما الكائنة بشارع طلعت حرب تواجدًا شرطيًا مكثفًا حولها في الأعياد خصوصا من عناصر الشرطة النسائية.

عام 2013 استطاعت شركة “دولار فيلم” تأجير سينما كريم من نقابة السينمائيين بعد مفاوضات استمرت قرابة العامين، بعقد ينص على إدارة السينما بنظام حق الانتفاع لمدة خمس وعشرين عاما تنتهي عام 2037، كما يقول “محمد النادى” المدير بسينما كريم.

وبعد حصول “دولار فيلم” على حق إدارتها زودتها بأحدث أنظمة وماكينات العرض، فتحولت من “35مم” إلى استخدام أنظمة عرض رقمية DCP لتواكب التطورات العالمية.

ويضيف النادي “دور السينما بوجه عام تشهد تراجعًا في الفترة الأخيرة نظراً للأوضاع الاقتصادية، إلى جانب سرقة الأفلام على الإنترنت، بالتزامن مع أول يوم للعرض وهي مشكلة كبيرة تهدد الصناعة كلها”

ويلتقط أطراف الحديث محمد جباس، مدير السينما مؤكدا أنه رغم ذلك مازال لدور السينما “زبونها” ومهما شوهدت الأفلام سواء على الانترنت أو الفضائيات فإن متعة المشاهدة في السينما لها مذاق خاص. ويضيف جباس :”معظم السينمات لجأت إلى تقسيم القاعات الكبيرة إلى أكثر من قاعة لتنافس “سينما المول” بزيادة عدد الشاشات فى محاولة لجذب عدد أكبر من الرواد”.

وتضم سينما “كريم” قاعتين للعرض تحتوى الأولى على 430 كرسى والثانية 130على  كرسى. ويعمل بها نحو خمسة وعشرين موظفا مقسمين إلى 6 فى إدارة، و 12 أبلاسير  و4 ميكانيكى، و 3 خدمات، إضافة إلى موظف الشباك.

انشئت سينما «كريم» عام 1984، وتتكون من مجمع يضم  صالتي عرض، كريم 1 وكريم 2، وتملكها نقابة المهن السينمائية.

فىي فبراير 86 كانت الدار هدفاً لنيران الإرهاب، حيث تعرضت لحريق اتهمت بتنفيذه إحدى الجماعات الجهادية المنشقة عن جماعة «طه السماوى»، وهي الجماعة التى كانت تستهدف ضمن  أندية الفيديو والمسارح والسينمات ومحلات الخمور والكازينوهات في سنوات الثمانينيات.عادت “كريم” للعمل في أوائل التسعينات بعد  ترميمها، حتى توقفت عن العمل عام 2009.

يعود تاريخ سينما قصر النيل إلى العام 1954، حين استأجرتها شركة “إخوان جعفر” من “ليفي دي بانجيو” مالك الأرض، وافتتحها الرئيس جمال عبد الناصر في نفس العام، ثم في عام 1989 استأجرتها شركة أفلام محمد فوزي التي أضافت إليها المسرح.

يقول عماد عبد العزيز مدير السينما، في البداية كان مبنى السينما مكونًا من قاعة واحدة كبيرة مقسمة إلى ثلاثة أماكن تدريجية تسع نحو ألف كرسي، عبارة عن سينما ومسرح، ثم تحولت “قصر النيل” للعرض المسرحي فقط بسبب ضعف الإنتاج السينمائي، فقدمت مسرحيات الفنان محمد صبحي، مثل مسرحية “ماما أمريكا” التي ظلت تعرض لمدة خمس سنوات، ومسرحية “عائلة ونيس”، كما تم تأجير المسرح لعرض مسرحيات الفنان سمير غانم، ومنها مسرحية “أنا ومراتي ومونيكا”، بالإضافة إلى عرض مسرحية “شارع محمد علي”، وكانت أسعار التذاكر تتراوح بين 50 و 75 و 100 و 150 جنيه.

ويضيف مدير السينما “استمر تقديم العروض المسرحية حتى ثورة 25 يناير ولم يعد هناك منتجين للمسرح فقلت العروض المسرحية، ولكن لم تتوقف بشكل نهائي، ولم تغلق السينما أبوابها، فلا زال متاحاً عرض الأفلام والمسرحيات بـ”قصر النيل” متى كانت هناك عروض مناسبة”.

سينما “قصر النيل” كانت تعرف قديماً بـ”سيما الباشوات” الذين كانوا يتوافدوان عليها لحضور حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، وهي تشدو على خشبة مسرحها بروائع “فات الميعاد”، و”دارت الأيام” و”هذه ليلتي” و”ألف ليلة وليلة”، وكذلك حفلات العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، ومحمد عبدالمطلب، ووردة، ومحمد فوزى، وغيرهم، وقد شهد مسرح دار سينما قصر النيل، الكثير من الأحداث الفنية، ففي عام 1973 وقفت وردة الجزائرية تغني أغنيتها “مالى وأنا مالى” من كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدى، وذهب إليها العندليب مهنئا إياها، وقدم لها باقة ورد وصفق لها، وسط صيحات الجمهور وهتافاتهم للعندليب، الذي اضطر لمغادرة السينما حتى يستمع الجمهور لوردة.

عام 1997 تعرضت سينما “ليدو” لحريق هائل أغلقت على إثره لسنوات طويلة حتى عام 2009، لما قررت وزارة الثقافة ممثلة في شركة مصر للصوت والضوء والسينما تجديد وتطوير السينما، ولكن عملية التطوير والتحديث قوبلت بالعديد من التعقيدات الخاصة بإصدار التراخيص اللازمة من محافظة القاهرة، ثم في عام 2014 استطاعت الشركة التغلب على تلك الصعوبات وقامت بأعمال تجديد شاملة للسينما تكلفت نحو تسعة ملايين جنيه، وشملت تلك التجديدات تقسيم قاعة السينما الكبيرة إلى أربعة قاعات صغيرة تعمل وفق أحدث النظم الخاصة بالصوت والصورة والكراسي والإضاءة بمصابيح “الليد”.

يشير عمرو خليفة مدير سينما ليدو إلى أن تلك التجديدات ترتب عليها إلغاء البلكون وتقليص عدد المقاعد لتصبح أربعمئة وثمانين مقعدًا (300 بالقاعتين في الدور الأرضى، و 180 بالقاعتين في الدور الأول)، وهو نظام مميز حيث يمكن تشغيل الفيلم على أكثر من قاعة بدلاً من قاعة واحدة وبالتالي تحقيق إيرادات كبيرة، كما أتاح هذا النظام حرية الاختيار بين أكثر من فيلم.

ويضيف “خليفة” أن سرقة الأفلام وعرضها على الانترنت أثرت بشكل كبير على تحقيق إيرادات للأفلام، كما أنها تهدد صناعة السينما ككل، فالأفلام أصبحت تعرض مباشرة على القنوات التليفزيونية الجديدة دون رقابة، في الوقت الذي تفرض فيه المصنفات الفنية قيودًا كبيرة على إدارة السينما قبل عرض الأفلام بها.

لسنوات عديدة ظلت الشركة العربية للإنتاج الإعلامي والثقافي “شعاع” وهي الشركة المستأجرة لسينما ميامي بشارع طلعت حرب منذ عام 1999، تسعى لتقسيم قاعة السينما إلى عدة قاعات، حيث أن هذا النظام هو المتبع حالياً والأكثر جدوى من الناحية التجارية والجماهيرية، وحتى تستطيع السينما منافسة سينما المولات التي تستقطب عددًا كبيرًا من الرواد، إلا أن كل محاولاتها باءت بالفشل، كما يقول شريف مختار نائب مدير سينما ميامي، وذلك بسبب بعض التعقيدات في إصدار التراخيص من الجهات المعنية، إضافة إلى ارتفاع تكلفة تنفيذ المشروع في ظل الحالة الاقتصادية العامة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل