المحتوى الرئيسى

خالد عمر يكتب: الإنسان مخير ونحن مسيرون | ساسة بوست

02/14 21:57

منذ 4 دقائق، 14 فبراير,2017

أكل آدم من الشجرة، قتل قابيل هابيل، ليبدأ فصل جديد من الحكاية، ولتبدأ معه المعركة الملحمية بين الخير والشر داخل الإنسان، لتتحول بعد ذلك لأرض الواقع حتى يومنا هذا. فإلى أي جانب أنت؟! ماذا ستختار؟! وهل باختلاف ظروف المعركة، تتوقع أن تكون كما أنت الآن؟!

في تجربة أجراها العالم جون كالهون على مجموعة من الفئران، قام خلالها بدراسة سلوكها والتطور الذي يطرأ عليه خلال عملية بناء مستعمرة خاصة بهم، حيث قامت الفئران في البداية بالتكاثر الطبيعي واستغلال جيد للموارد المتاحة، حتى بدأت أعدادها تتضاعف ليبدأ معها صراع البقاء، ونشوء حوادث عنف عشوائية داخل المنظومة، واستغلال غير جيد للموارد المتاحة، فانتهى الحال بموت كافة سكان المستعمرة، ومن نجا منهم لم يستطع التأقلم في محيط جديد، واحتفظ بالسلوكيات الشاردة نفسها في البيئة الجديدة.

وبالنظر إلى التاريخ، سنجد أننا مجموعة من الفئران، نتأقلم ثم نتضاعف ثم يقتل بعضنا بعضًا، وإذا قدر لنا النجاة نعيد الكرة مرة تلو الأخرى، في جوهر أحداث واحد بأعراض مختلفة، والهدف هو البقاء على قيد الحياة بقدر الإمكان. فهل سننقرض يومًا ما؟! وهل نحن مجبرون أن نكون كما نحن؟! وهل تحدد اختياراتنا أقدارنا نحن فقط، أم تساهم في تحديد أقدار الآخرين أيضًا؟! وما الذي يحدد اختياراتنا؟!

القدر عبارة عن نظام ديناميكي، يتفاعل ويتغير مع المؤثرات الخارجية، حيث إن الأحداث الصغيرة قد ينتج عنها في المدى البعيد أحداث كبيرة فارقة في هذا النظام، لذلك يعد القدر بناء تراكميًا لتصرفات البشر على مدار التاريخ مع بعض اللمسات الطبيعية الإلهية، فلو لم يأكل آدم من الشجرة، لما هبط إلى الأرض وأنجب قابيل ثم هابيل، ليقتل الأخ الكبير الصغير، وينجب ذرية تعيث فسادًا في الأرض، ليأتي في النهاية هتلر، فيقوم هذا الأخير بقتل ملايين اليهود الأبرياء، ليتعاطف كثيرون معهم ويساندوهم في بناء دولة إسرائيل، لتقوم هذه الأخيرة بقتل الأبرياء في فلسطين المحتلة، فيقوم أبناء فلسطين برد العدوان، ويتعاطف العرب والمسلمون معهم، لتبدأ رحلة الكره والحرب بين الجميع!

قد يتبادر لذهنك الآن سؤال، إذا كان الأمر كذلك، هل هذا يعني أن كل شيء يحدث لي، وسيحدث لي ليس من اختياري؟! إذا قلنا بأن لك الحرية التامة في التفكير والإرادة والاختيار، وكان بإمكانك التخطيط لكل خطوة بدقة، والوصول في النهاية للنتيجة المتوقعة نفسها، فأنت كذلك، وإن لم يكن فأنت مخير في شيء، ومُسير في أشياء، ويحدد هذا العديد من العوامل المؤثرة على اختياراتنا.

العوامل المؤثرة في اختيارات الإنسان

استيقظ رجل يومًا ما، فخطرت في باله فكرة ما، فتبناها وآمن بها، ثم علمها لأبنائه، فآمنوا بها، ثم علموها لأبنائهم، فآمنوا بها، وهكذا، لتتحول في النهاية إلى عادة يتوارثها الأبناء، لينشأ في النهاية مجتمع يتبنى هذه الفكرة ويحيى عليها- حتى وإن كانت خاطئة- فتأتي أنت وتحاول الخروج عنها، لتجد المئات ممن يقولون لك لا. فأنت الآن أمام خيارين: إما أن تخرج على العادات والتقاليد وتتحدى الجميع، وإما أن ترضى بحالك وتركن إلى صفوفهم.

رجلٌ مرضت زوجته مرضًا سيؤدي لوفاتها، وليس له علاج إلا عند طبيب واحد فقط، ولكنه كان انتهازيًا يبيع الدواء بثمن غالٍ، ولم يستطع الرجل سوى توفير نصف الثمن، فتوسل إليه لإعطائه الدواء، ولكنه لم يوافق إلا عند دفع الثمن كاملاً. وهنا ليس أمام الرجل سوى أن يسرق الدواء لتُشفى زوجته، أو أن يتركها لتموت. في هذه الحالة يسيطر على اختيار الرجل عدة أمور، إذا سرق الدواء يكون قد تعدى على القوانين، وإذا لم يسرقه ماتت زوجته ووجد عزاءه في الدين. وفي كلتا الحالتين ستكون هناك عاقبة لاختياره.

إذا كان الرجل أعلاه من المقربين لك، فما رأيك في هذه الحالة:

هل يقوم بسرقة الدواء دون أن يُسجن لأن الطبيب شرير غير أخلاقي، أم يترك زوجته ترحل بسلام ويجد عزاءه في الآخرة، أم يقوم بسرقة الدواء ويسجن لأنه تعدى على القوانين. الآن قم بتصور العكس، إذا- لا قدر الله- كنت في وضعه نفسه، هل كنت ستختار لنفسك ما اخترته له؟!

أما الآن فتخيل أنك كنت القاضي في هذه القضية، في حالة قام الرجل بسرقة الدواء، ماذا سيكون حكمك؟! هل ستحكم ببراءة الرجل، فتتعدى بذلك على القوانين، لتركن في حكمك إلى مشاعرك وأخلاقك المضادة لأخلاق الطبيب الشرير. أم ستحكم بسجنه، لتتعدى بذلك على أخلاقك ومشاعرك، لتركن إلى القوانين.

في هذه التجربة الذهنية، هل كنت ستختار الأمر نفسه في الثلاث حالات: كشخص عادي ينظر للأمور من بعيد، وشخص يعيش التجربة ذاتها، وقاض يحكم فيما صارت إليه الأمور.

تخيل أن جميع البشر اختفوا من حولك، ولم يتبق سوى أنت، فأصبحت تعيش وحدك منعزلاً، هل كل ما ستختاره تستطيع تنفيذه بدون قيود؟! أم أن البيئة التي تعيش فيها ستحتم عليك بعض الأمور، وبعض الخيارات يمكن تنفيذها وبعضها لا.

النهاية فاعلم أن القدر عبارة عن نظام ديناميكي تراكمي، فما تختاره اليوم، سيحدد

مصيرك غدًا، ويساهم بشكل أو بآخر في مصير الآخرين، كما أن مصيرك اليوم، وما تختاره

لنفسك، ما هو إلا تراكم لاختيارات وأحداث سابقة، وأخلاق تربيت عليها، وثقافة

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل