المحتوى الرئيسى

Mouhe Al-Masri يكتب: لمَ أعاني؟ | ساسة بوست

02/13 18:48

منذ 1 دقيقة، 13 فبراير,2017

لم أعاني؟ فأنا لست إلا طفلاً صغيرًا لم أتجاوز الرابعة من عمري، لم أعاني؟ قد سألت أبي هذه السؤال قبل أن أفقده، ولكنه لم يجبني بل ابتسم ابتسامة صغيرة وقال: هذه هي الحال. هو لم يقنعني برده البسيط الذي تبع ابتسامة ساذجة لإخفاء الألم، بل أحزنني في هذه الرد الذي احتوى على كلماتٍ فيها أتذكر أبي على أنه شخصٌ مهزومٌ قد استسلم لواقع الحياة، فقدت أبي عند نقطة التفتيش، لم يسمحوا له بالمرور، لم أفهم لماذا، فنحن نهرب من مدينة تحت القصف إلى مدينة تحت الحصار، ولكنهم أجبروه على البقاء، بدأت أمي بالصراخ والعياط، ولكن من المفاجئ أن صراخها لم ينفع، ثم بدأت أنا بالبكاء أملاً بأن أحرك مشاعر الجنود ليعيدوا لي أبي، محاولتي كانت فاشلة، فلم أستطع أن أحرك شعرةً من مشاعرهم، كأنهم قد رأوا أو حتى عاشوا هذه السيناريو من قبل.

نحن الآن تحت الحصار، لا أعرف من يحاصرنا ولا أعرف من يقاوم الحصار، ولكنني لا أشتكي لأمي، فهي ليست أمي التي أعرفها، فهي لم تعد تبتسم، كأنك قد انتزعت السعادة من روحها، وفراقها عن أبي قد زاد الأمور تعقيدًا، لذلك أنا لن أشتكي من الحصار الذي حرمني من أبسط ما يتمناه المرء للعيش، حاصر حصارك، هي جملةٌ يرددها شباب المدينة، تعجبت منها دومًا، فكيف يمكنك محاصرة الجوع، أو محاصرة البرد، لا أعرف الكاتب، ولكنني متأكد أنه لم يعش حصارًا مثل حصاري، حصارًا تشتاق فيه لرائحة الخبز، حصارًا تموت فيه لنقص الدواء، حصارًا ترتجف فيه من برد الشتاء، حصارًا يفقدُ العالم إنسانيته.

انتقالنا من مدينة إلى أخرى لم يبعدني عن كوابيسي، تلك التي تأتيني كل ليلةٍ من دون تأخير، تحمل معها صورًا من الخيال قريبةً من الواقع، صور الدماء والموت، تذكرني بقصف الطائرات على أحياء كاملة دون تفريق بين عسكري ومريض، كم كان يؤلمني رؤية حطام المباني على الأرض، عالمًا أن تحت كل الركام والحجارة أشخاصًا أعرفهم، هي كوابيس تلاحقني كالظلال، عادة ما تنتهي كوابيسي عند أجمل اللحظات، هي اللحظات التي أفقد فيها حياتي.

هل من الغريب أن أتمنى موتي؟ الموت هو صديقي، فهو الطريق الوحيد للهروب من الواقع، أعيش للموت، أعيش للحظة التي يتجرد فيها روحي عن جسدي، وعند تلك الثانية التي أخسر فيها حياتي، ربما حينها قد أعرف المعنى الحقيقي للكرامة.

(الكرامة، الدين، الشرف، القومية، الانتماء، التاريخ، الوطنية) هي بعض من الأشياء التي لا تحمل أي قيمة بين يدي طفل، ومع ذلك يقع ملايين الأطفال ضحايا لتلك المسميات الفارغة، والجنون هو تبرير الجرائم للقضية فارغة لم يختارها أي طفل؛ بل اضطر أن يحمل ثقلها بكل ما تأتي من وزن.

تلك المعاناة التي لا يعيشها إلا الطفل العربي، تنتقل من بلد إلى بلد كالجيناتٍ مجبورة علينا، فبدأت في فلسطين ثم لبنان ثم العراق والآن سوريا، فما كتب ليس إلا قصة طفل سوري قد ولد من دون أمل، وللأسف لن نحتاج إلى منجم حتى نعرف أن المعاناة ستستمر للسنين القادمة، وما يبكني شخصيًّا، أن بعد كل الأسى الذي نستقبله لم نمشي خطوة واحدة بالطريق الصحيح. «المحزن ليس العقاب؛ بل عدم التغير بعد الألم».

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل