المحتوى الرئيسى

الرئاسة والبرلمان وشيخ الأزهر.. من ينتصر؟

02/13 14:25

"قدَّمنا ربنا بشكل لا يليق بمقامه العظيم" هكذا رأى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو يتحدث في حوار تليفزيوني بمايو 2014، وقت أن كان مرشحًا رئاسيًّا.. حديث فسِّر -وقتذاك- بأنَّه مؤشرٌ على توجُّه للرئيس بشأن ما أسماه -لاحقًا- تجديد الخطاب الديني.

ومن بين أحاديثه العديدة، سيظل تطرُّق الرئيس السيسي إلى تجديد الخطاب أمرا رائجا، فالرئيس يسلط أضواءه على ذلك الملف في مناسبات عدة، ومؤخرًا تحدَّث الرئيس عن "الطلاق".

حديث الرئيس -الذي جاء في احتفالية عيد الشرطة في يناير الماضي- تطرَّق إلى "الطلاق"، ويومها طالب بتوثيق الطلاق، ما يعني عدم جوازه "بالنطق".. توجُّهٌ أحدث جدلًا واسعًا بين القطاعات الدينية.

طلب الرئيس، الذي لوَّح عليه شيخ الأزهر برأسه "موافقًا"، اختتمه بقوله: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وبينما أثار ذلك ضحكًا واسعًا في قاعة أكاديمية الشرطة، إلا أنَّ كثيرين اعتبروه دليلًا عما أسموه "تدهورًا" في العلاقة بين الرئاسة والمشيخة، بل ذهب محللون إلى أنَّه إعلان طلاق بين السيسي والشيخ الطيب. 

مجلس النواب دخل على خط الأزمة "المكتومة"، فبات الحديث عن تحرك برلماني للإطاحة بالطيب من ترؤس أكبر منظمة إسلامية.

فمع أنَّ قانون تعيين شيخ الأزهر يحظر إقالته وأن يتم تعيينه من كبار هيئة العلماء، إلا أنَّ محمد أبو حامد وكيل لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب تحدَّث عن تحرُّكٍ لمراجعة كل التشريعات التي تنظم عمل الأزهر لسن تشريعات تتضمَّن إضافة أعضاء جدد لهيئة كبار العلماء، وهو ما فسِّر بأنَّه مخطَّط من المجلس -الذي يضم أغلبية توصف بـ"المؤيدة" للسلطة- للإطاحة بالطيب.

أبو حامد قال لـ"التحرير" إنَّه يسعى بـ"جدية" مع نواب آخرين؛ لسن قوانين وتشريعات جديدة لتنظيم مسيرة الأزهر خلال الفترة المقبلة، وبخاصة فيما يتعلق بطريقة اختيار شيخ الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء. 

أبو حامد أوضح أنَّه يراجع جميع القوانين والقرارات المتعلقة بالأزهر، ويسعى وبقوة إلى تدشين قانون جديد يتضمن طرقا مغايرة لما هو متبع في طريقة اختيار وتعيين شيخ الأزهر، واختيار أعضاء "كبار العلماء"، وأن مشروع القانون ينال توافق نواب كثيرين. 

وأشار أبو حامد إلى أنَّه لا يليق أن تنفرد مؤسسة واحدة بآليات اختيار شيخ الأزهر، فضلًا عن اختيار أعضاء هيئة كبار العلماء، مؤكدًا أنَّ الهيئة هي من تختار شيخ الأزهر، و"الأخير" يُعين أعضاء المشيخة، موضِّحًا أنَّ البرلمان سيعمل للتصدي لما سماها "هيمنة المشيخة" على القرار. 

توجه أبو حامد نال دعمًا دينيًا في المجلس، فأعرب الدكتور عمرو حمروش أمين سر اللجنة الدينية بالمجلس عن تأييده لهذا المسلك.

حمروش قال لـ"التحرير" إنَّ المجتمع يحتاج إلى إعادة النظر بتشريعات قوية في طريقة اختيار وتعيين أعضاء هيئة كبار العلماء، وبخاصة أنَّ مجمع البحوث الإسلامية يمارس نفس دور الهيئة، ما يجعل مؤسسات في الأزهر تمارس ذات المهام.  

وطالب بأن يتم إدخال التعديلات على الهيئة دون التطرُّق إلى منصب شيخ الأزهر، حتى لا يحدث الأمر بلبلة وفوضى لحساسية المنصب، لافتًا إلى أنَّه من حق البرلمان مناقشة أي قوانين تتعلق بأي هيئة، وفي مقدمتها الأزهر. 

وأعرب عن تضامنه الكامل مع هذه المساعي، وبخاصة أنَّ الهيئة تمثل مرجعية كبرى، ولابد من إعادة النظر في أعضائها، وبعضها ذات توجهات مغايرة لمسلك الدولة وثورة 30 يونيو.

هيئة كبار العلماء للبرلمان: لا

وتفاعلًا مع الأزمة، دافع عضوٌ بهيئة كبار العلماء عن شيخها الطيب، فرفض أي تحرك من قِبل البرلمان سعيًا للإطاحة بالطيب، المحصَّن دستوريًّا.

الدكتور محمد عمارة عضو الهيئة قال لـ"التحرير" إنَّ الهيئة أقرَّت بوقوع الطلاق الشفوي وفقًا للشرع ومقاصد الدين الحنيف، مؤكِّدًا أنَّ سعي البرلمان إلى سن تشريعات لإحداث تغييرات في طريقة اختيار الهيئة سيكون محل نقاش جاد وفعال من قبل أعضاء "كبار العلماء" حيال وجود قانون رسمي من البرلمان.

وأضاف أنَّ "كبار العلماء" باعتبارها أكبر هيئة دينية تعمل تحت مظلة الأزهر الشريف، ليس بوسعها الرد على تصرفات الأفراد.

وقبل أيام، أصدرت الهيئة بيانًا أقرَّت فيه أنَّ "الطلاق" يقع شفويًّا حال استيفاء شروطه دون حاجة إلى توثيق وإشهار، لافتةً إلى أنَّ معمولًا به منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

للإطلاع على نص بيان هيئة كبار العلماء بشأن الطلاق الشفوي.. اضغط هنا

إعلاميًّا، بدأ بعض الصحف والكتاب ممارسة ضغوط على الطيب للاستقالة من منصبه، فطالب الكاتب محمد الباز الدكتور الطيب بالاستقالة، وهدَّده في حالة عدم الاستقالة بـ"أن تضيق عليه الأرض بما رحبت"، حسب تعبيره.

وقال الباز في مقالٍ له: "أطالب شيخ الأزهر بأن يتقدم باستقالته، من باب الحرص عليه، وألح عليه أن يستجيب لما نطلبه منه"، متوعدًا: "افعلها يا شيخ الأزهر وأنت في سعة من قرارك وحريتك، بدلا من أن تفعلها بعد أن تضيق عليك الأرض بما رحبت".

وهاجمت صحيفة "الوطن"، شيخ الأزهر، وقالت -حسبما نقلته عنها وكالات أنباء دولية-: "الطيب لا يكاد يفرغ من مواجهة أزمة حتى تعاجله أخرى جديدة، إذ إنَّه في الوقت الذي يعلق فيه الجميع مشكلة انتشار التطرف والإرهاب في رقبة الأزهر ورجاله باعتبارهم مسؤولين عن تجديد الخطاب الديني، تأتي قنبلة الطلاق الشفهي لتنفجر في وجه الشيخ، مخلّفة غبارًا كثيفًا فتح الباب من جديد للحديث عن دور الأزهر، خاصة بعد أن دخل السلفيون على الخط بكامل عدتهم يردون على رئيس الجمهورية الذي طالب بتوثيق حالات الطلاق في محاولة للحد منه".

حالةٌ من الغضب انتابت عمائم أزهرية دفاعًا عن شيخهم الطيب، ورفضوا التحرك البرلماني لشرعنة هز عرشه.

الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر قال إنَّ الدستور أقرَّ في مواد صريحة وواضحة أنَّ شيخ الأزهر الشريف وحده دون غيره هو صاحب الاختصاص الأصيل في إدارة ورسم سياسات الهيئات الدينية التابعة للمشيخة، وأنَّه لا يليق أن يحدث نوعًا من تنازع الاختصاص بين الأزهر وأي جهة على كيفية تنظيم سير العمل حتى ولو بوضع القوانين من قبل السلطة التشريعية المنوط بها مراجعة القوانين وسن تشريعات جديدة، وذلك لحساسية الموقف والأزهر.

كريمة أضاف - لـ"التحرير" - أنَّه بموجب القانون رقم 103 لسنة 1961 فإنَّ لشيخ الأزهر -بصفته- أن يشرف على آليات عمل الهيئات الدينية من قرارات وطرق تنظيمية، لافتًا إلى أنَّ ما سماه "تغوُّل" البرلمان على مهام شيخ الأزهر أمرٌ مرفوض جملة وتفصيلًا.

وشدَّد على أنَّ هذه المساعي ستحدث الكثير من البلبلة والفوضى التي لا تغني ولا تسمن من جوع، لافتًا إلى أنَّ المجتمع ليس بحاجة إلى تشريعات جديدة بالأزهر بقدر العمل بجهود قوية على تجديد الخطاب الديني. 

وطالب كريمة، أعضاء المجلس بعدم المضي قدمًا على طريق سن تشريعات جديدة لتنظيم أمور الأزهر؛ حفاظًا على صورة مصر في الخارج، مشدِّدًا على أنَّ تصدير المشهد بأنَّ الأزهر به أخطاء وأمور على هذا المنوال ليس في صالح مصر.

وتابع: "المجتمع يعيش حاليًّا في قرية صغيرة، وشيخ الأزهر خط أحمر لحساسية المنصب المحصن دستوريًّا، فضلًا عن أنَّه لا يليق أن تتدخل أكبر مؤسسة دينية في مناوشات مع هيئات وسلطات الدولة وبخاصة في هذه الفترة الراهنة المليئة بالتحديات".

الدكتور حامد أبو طالب العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر قال: "البرلمان يغفل حقائق كثيرة عن طبيعة عمل هيئة كبار العلماء، ويحاول أن يصدر بالخطأ أنَّ شيخ الأزهر هو من يختار أعضاء هيئة كبار العلماء على عكس الواقع والذي يتبلور في أنَّ اختيار الأعضاء الجدد يتم بناءً على اجتماع يضم كل الأعضاء، غير أنَّ شيخ الأزهر يترأس ذلك الاجتماع ولكنَّه لا ينفرد بقرار ضم أي عضو للهيئة، وإنَّما كل من يرى في نفسه تنطبق عليه شروط العضوية يتقدم وبناء عليه تجتمع الهيئة ويتم الاختيار بالأغلبية والموافقة". 

وأضاف لـ"التحرير": "من بين الحقائق الغائبة عن البرلمان مسألة تصدر الهيئة لمناقشة الموضوعات، في حين أنَّ كل الموضوعات التي تعرض على الهيئة تأتي إليها من قبل مجمع البحوث الإسلامية، الذي يضم في عضويته من شتى المجالات الشرعية وعلوم اللغة وفقهاء القانون وأطباء كبار، وهولاء جميعًا يدلون بآرائهم في القضايا ويرفعون تقريرهم النهائي للهيئة، التي بدورها تضع اللمسات الأخيرة وتقف على جميع الآراء العلمية والشرعية، أي أنَّ الهيئة ليست بمعزل عن علوم الدنيا كما يتصور أحد النواب". 

وتابع: "شيخ الأزهر منصب محصن دستوريًّا أي بمثابة خط أحمر على الجميع، أما إذا وافق المجلس على أي تعديلات بتشريعات لتنظيم عمل هيئة كبار العلماء، فلا حرج من ذلك شريطة عدم المساس بهيبة ومكانة العلماء، وعدم التطرق إلى طرق الاختيار والتعيين بالهيئة، وباب عضوية الهيئة مفتوح للجميع ممن تنطبق عليهم الشروط المحددة".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل