المحتوى الرئيسى

مياه معذبة

02/13 13:54

أقيمت الصلاة، وصدح صوت إمام الجامع بقول: "الله أكبر"، لم يعره أحد أي انتباه، فالناس مشغولة بما هو أهم، ففي حيي لم تعد العبادة أولوية في الحياة.

نظرت من بعيد، رأيت جمهرة كبيرة، أناساً يقفون في ثلاثة أو أربعة أرتال طويلة، كل رتل يقف فيه ما يقارب مائة وخمسين شخصاً.

في حيي لم يحدث أن تساوى الناس فيما بينهم، يقفون جميعهم بسوية واحدة كل منهم بدوره؛ أطباء وطبيبات، معلمون ومعلمات، ربات بيوت، سائقو سيارات أجرة، مهنيون وعمال، عساكر، طلاب وطالبات، صغار وكبار، رجال ونساء، أطفال وشيوخ، كلهم تركوا أعمالهم الدنيوية ووقفوا كل منهم بدوره.

خمسة أيام تمكنت من إزالة جميع تعابير الوجوه وساوت بينها أيضاً، لا يمكننا التشبيه بيوم الحشر، فحينها هناك وجوه باسمة ووجوه باسرة، إلا أنه اليوم كل الوجوه معتمة ممتعضة وحزينة، لا داعي لأي كلمات أو أي ألفاظ، الملابس الملطخة بالطين، التدافع، والأحمال الثقيلة كفيلة بتعريفنا بقدر المعاناة.

أزمة تزيد معاناة أهل الحي، ولكن مصائب قوم عند قوم فوائد، يأتي من آخر الرتل شاب يحمل كاميرا، يصور هنا، يصور هناك، التصوير أصبح مهنة مجزية جداً، تعود بأجر ليس بقليل، هكذا يظن الناس، إنما في الواقع، معاناة الناس وتعبهم هو الذي يعود بالمال على المصورين.

ساعة ونصف الساعة كانت كفيلة بملء عقلي بالكثير من الأفكار السوداوية، أفكار تبحث عن أسباب ما يحدث، تحقق عمن سبب ما يحدث، طرفان يقتتلان في أماكن تسبب هذه الأحداث.

كل الناس تريد وقف الاقتتال، لم يعد أحد يريد معرفة الحق، كلهم يريدون تأمين مستلزمات الحياة للاستمرار، وإن لم يستمروا هم ليستمر من سيأتي بعدهم.

ساعة ونصف الساعة انتظرت واقفاً ليأتي دوري، بعدها عبّأ لي أحدهم وعاءين من ماء الشرب، نظرت ورائي لأجد الرتل لم ينقص طوله، بل اكتفى بتغيير راكبيه فقط.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل