المحتوى الرئيسى

آية إبراهيم يوسف تكتب: چناق القلعة …. تاريخ لا يُنسي  | ساسة بوست

02/12 17:07

منذ 1 دقيقة، 12 فبراير,2017

 رُغم ما واجهته الدولة العلية من حالة ضعف وتكالب للقوى الكبرى، لكنها ظلت تُسطر لتاريخ من البطولات استمر حتى نهايتها، إذ كانت قواتها العسكرية مثالًا يُحتذى به في الصمود والشجاعة، فقد تحدث المؤرخ إريك هوبزباوم (1917-2012م) في السياق ذاته فقال «وكان الأوروبيون يكنون احترامًا مشوبًا بالحسد تجاه الإمبراطورية العثمانية لأن قوات المشاه لديها كانت قادرة على الوقوف في وجه الجيوش الأوروبية»؛ مما يعكس لنا أن قلب الرجل المريض «الدولة العثمانية» لا يزال(1)ينبض بالحياة. جناق القلعة أو كما عُرف بـ(يوم الأنزاك – غاليبولي) أحد ميادين البطولة التي خاضتها الدولة العلية، وكالعادة أحدثت خللًا في ميزان القوى الكبرى.

فقد رمى الحلفاء من خلال السيطرة على شبه جزيرة غاليبولي إلى خلق طريق مائي مباشر يربط بين البحر المتوسط والبحر الأسود، كما ستتمكن روسيا حال نجاح الحملة من استئناف صادراتها ووارداتها، والتي كانت حكومة الاتحاد والترقي قد قطعت الطريق عليها، خاصة وأن غاليبولي الواقعة شمال الدردنيل تُشكل ممرًا مائيًّا ضيقًا يربط بحر إيجه بالبحر الأسود عن طريق بحر مرمرة؛ مما يجعل من الحملة والعمل على نجاحها ضرورة حتمية للحلفاء لا بديل عنها، وهو ما يتسق مع ما قاله(2)جيمس بلفور (1848- 1930م) «من الصعب تخيل عملية تمنح أملًا أكبر من الأمل الذي تمنحه هذه العملية».

كانت البداية عندما تقدمت البحرية البريطانية في سبتمبر عام 1914م بتقريٍر عن الجزيرة تحدث(3) عن أن الوصول إلى القسطنطينية يكون عبر مضيق الدردنيل، الذي يحده من الجنوب الشرقي ساحل آسيا الصغرى ومن الشمال الغربي ساحل شبه جزيرة غاليبولي، والبلغ طوله 52 ميلًا كما يبلغ أقصى اتساع له 14 ميلًا، فهو العمود الفقري للجزيرة حيث يتكون من التلال التي يبلغ ارتفاعها عند المركز ما يربو عن 1000 قدم، كما تحدث التقرير حول ضرورة إغلاق خطوط الوصول للجزيرة من منطقة بولاير (Bulair)، والتي أثبتت نجاحها مع البلغار، ففي عام 1906م تم الإعداد لحملة بهدف السيطرة على الجزيرة، حيث تكونت من أربعة أقسام تضمن كل قسم ثلاثة ألوية، إذ سعى البلغار من خلالها للهبوط على جنوب غرب غاليبولي حيث نهايتها، وذلك بهدف السيطرة على الحصون الرئيسة، ومنذ ذلك التاريخ بات هناك اهتمام بالغ بزيادة الحصون وتحديث التسلح؛ مما يجعل السيطرة على الجزيرة عملية بالغة الخطورة.

مضى الحلفاء في الإعداد للحملة وهو ما جسده اجتماع حرب الحكومة البريطانية في يناير عام 1915م،وقد كان مُقدرًا للحملة أن تستغرق ما بين ثلاثة أسابيع إلى شهر،(4) هذا وقد تضمن الاجتماع؛ تقريرًا حول حجم النفقات التي وُصفت بالهائلة وأعداد الجنود التي لابد أن لا تقل عن ستين ألف جندي، كما تم مناقشة تقرير آخر من الأميرال جاكسون قال فيه «إنه من البلاهة أن ندخل بحر مرمرة قبل أن يحتل جنودنا شبه جزيرة غاليبولي ونقضي على كل مقاومة للأعداء، ولابد من احتلال إستانبول وما جاورها أيضًا».

تقرر بدء الهجوم بالبوراج في مياه الدردنيل، تلك المياه الهادئة التي تبدو للوهلة الأولى خالية من أي أثر لجندي أو مدفع لكنها في الواقع تضم تسع شبكات من الألغام، إلى جانب القلاع والجبال والتلال الرملية التي تَحوي خلفها عشرات الآلاف من الجنود، وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية للجزيرة.

بدأت محاولات الهجوم الأولى في 19 إلى 25 فبراير عام 1915م حيث قامت قوات الحلفاء بقذف الموانئ التركية المُطلة على المضايق،(5) كما تم إنزال بعض القوات في محاولة لتدمير المدافع والحصون التركية، ورُغم نجاحها النسبي لكنها لم تؤثر في نقاط الدفاع التركية الرئيسة في هذه المنطقة، وبالتالي أمكن وصف هذا الهجوم بالفشل، لكنه لم يكن النهاية.

ففي 8 مارس من العام ذاته تقدمت قوات الحلفاء البحرية محاولة شق طريقها عبر المضايق حيث تولى الأميرال كاردن Carden القيادة ووضع خطة الهجوم، لكن قيادته لم تستمر إثر إصابته بحالة من الإرهاق العصبي، من جراء الألغام التركية؛ مما أفضى لاستبدال الأميرال روبيك Robeck به لكن الهجوم باء بالفشل بل وتكبد الحلفاء الخسائر،حيث فقدت ثلاث بوراج حربية وأكثر من ثلاث أخرى تم عرقلتهم؛ بموجب تلك الهزائم بات هناك ضرورة لاتخاذ تدابير واسعة لإعادة الهجوم من جديد، فشاركت فرنسا بـ1800 جندي، أما بريطانيا القوة الرئيسة في الحرب فشاركت بـ75 ألفًا، إلى جانب قوات الأنزاك.

                                                                  الفرق المشاركة في غاليبولي

  وفي 25 أبريل من العام ذاته نزلت القوات البريطانية إلى جانب الأسترالية والنيوزيلندية المعروفة ﺑ(الأنزاك Anzac)، وهي القوات التي نزلت على الساحل الغربي لجزيرة غاليبولي، أعقب ذلك إنزال آخر في أغسطس قامت به القوات الفرنسية في جنوب الجزيرة عند خليج سُقلا، فضيق الشاطئ والتلال الرملية شديدة الانحدار حالت بين الحلفاء وبين توفير حماية لهم من نيران العثمانيين التي أسقطت الكثير من الجنود،(6) إذ بدا جليًّا أن الحلفاء لم يدركوا مدى وعورة تضاريس الجزيرة وصعوبة اقتحامها، وهو ما يتسق مع ما قاله القائد نيلسون «كل بحار يهاجم القلاع أبله»، زحفت القوات

الأسترالية نحو مرتفعات «تشونوك باير» مفتاح شبه جزيرة غاليبولي، وفي الوقت ذاته كانت القوات التركية منشغلة في التصدي لهجمات القوات البريطانية. هذا وقد استطاع مصطفى كمال (1881-1938م) مدير دائرة الحركة العسكرية للقوات التي تجمعت في بولاير لحماية شبه جزيرة غاليبولي وقائد الفرقة التاسعة عشرة منع الحلفاء من اختراق غاليبولي، واستطاعت القوات التركية إنزال هزيمة كبرى بقوات الأنزاك؛ إذ كان انتصار الحلفاء سيُفضي إلى تغيير مجرى الحرب تمامًا. حلت هزيمة مُضنية بالحلفاء حيث بدأ انسحابهم في 7 ديسمبر عام 1915م، وقد تولى أسطول صغير الإشراف على إجلاء القوات من خليجي الأنزاك وسُقلا والذي تم في جنح الظلام، كما تم الإجلاء دون خسائر تُذكر؛ مما جعله العمل الناجح الوحيد الذي تفوق فيه الحلفاء.

                                                                                     خليج الأنزاك

  لقد كانت هزيمة كبرى حرصت الرقابة العسكرية للحلفاء على عدم انتقال الأخبار الحقيقية للصحف، فقضي ما يربو عن 8 آلاف جندي من الأنزاك وأُصيب 18 ألفًا، هذا وقد خلدت أستراليا ذكرى يوم الأنزاك بنُصب تذكاري يقع في(7)ميدان هايد بارك Hide-Park، أما عن بريطانيا؛ فقد سقط من رجالها ما يربو عن 33,512 قتيلًا و78 ألف جريح إلى جانب 7,636 مصابًا، فكانت كارثة كبرى حلت على الحلفاء، وقد عكس الجنود المشاركون جانبًا من تلك المعاناة في كتاباتهم، فذكر البعض معاناتهم خلال هذه الحملة،حيث استخدموا جثث القتلى دروع حماية لهم عبر دفنها جزئيًا تحت الأرض، ومع كثرة عدد القتلى؛ أصبح هناك الملايين والملايين والملايين من الذباب، كما أشاروا إلى أن الحياة في الخنادق ليست نزهة، إلى جانب حاجتهم الماسة إلى الراحة والعودة إلى وطنهم، كما تحدثوا عن حرارة الجو وكيف كانوا بحاجة إلى شراء الغذاء، كما ذكروا ارتداء الجنود الكمامات من جراء تحلل جثث القتلى، فقد ظلوا تحت النار لمدة ثلاثة أشهر حيث وُصفت هزيمة غاليبولي ﺑ(كابوس الأبدية)، وبالمقابل حصل الضباط والجنود من الأتراك والألمان؛ كعزت باشا قائد الفرقة الثالثة، ومصطفى كمال على وسام التميز في مارس عام 1915م تقديرًا لجهودهم العسكرية التي أفضت لهذا النصر.

                                                                   داخل أحد الخنادق في غاليبولي

لقد شكل انتصار الدولة العلية مفاجأة كبرى ليس للحلفاء فحسب بل أيضًا لألمانيا، فكان لما أظهرته القوات العثمانية من شجاعة وقوة أثر بالغ في أن تحظى باحترام وتقدير الجميع بما في ذلك أعداؤها، فقد كتب النقيب أوليفر هوج في قصيدة بعنوان «Anzac»  فقال:    I reckon the Turk

respects us, as we respect the Turk; Abdul’s a good, clean

fighter – we’ve fought him, and we know

 هكذا كان يُنظر للدولة العثمانية.

1)آية الله أحمد عبد المنعم، العلاقات المصرية العثمانية (1881- 1923م)، (رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، 2016م)، ص166- 168.

2) روبير مانتران، تاريخ الدولة العثمانية، ت. بشير السباعي، (القاهرة: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، 1993م)، ج2، ص309 – 31000.

3) محمد توفيق، كمال أتاتورك، (القاهرة: دار الهلال، 1936م)، ص 31- 39.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل