المحتوى الرئيسى

اتَّخِذ الألم صديقاً تغنم!

02/12 15:55

تعد الحياة سلسلة من الآلام، لكن مقادير الألم التي نعيشها تختلف من شخص لآخر، كما أن طاقة تحمُّل الألم والصبر عليه ليست بالمستوى نفسه لدى جميع البشر؛ فالنفوس والعقول لها قدرات متباينة. رغم أن الإحساس بالألم وعدم الراحة شيء ضروري وطبيعي في الحياة، فإن الخوف من الألم والاستسلام له أو معاداته لَمما فيه ضرر شديد على المرء.

ستخسر كثيراً إذا بنيت حياتك على أساس أن شعورك بالسعادة يعتمد على تجنُّب الألم فتجنِّد نفسك لمحاربته؛ لأنك لم تقدر على التحكم فيه.

حين تجعل من ألمك عدواً لك، فلن تكون متحرراً منه أبداً في ظل عداوتك له؛ أي إنك تبقى على الدوام في صراع معه، وهذا ما يستنزف طاقتك كثيراً. عندما تقرر مصاحبة ألمك وتتخذ هذا القرار كإجراء عملي في سلوكك سيتغير نمط حياتك، في حين إن كنت تظن أن الحياة السعيدة في تجنّبك الألم أو معاداتك له فستتعب كثيراً.

إن مقتضى العداوة لأي شيء يستدعي أن يكون ما تعاديه لا يُتصور منه أن يوجهك إلى الخير، وهذا ما لا يتوافر في الألم لكي يُتَّخذ عدواً.

كيف تجعل من ألمك صديقاً لك؟

لا ينكر أحد أن مصاحبة الألم والتصالح معه ليسا بالأمر الهين إطلاقاً؛ فالنفس البشرية ألِفت تجنُّب الألم ومعاداته واعتبار ذلك نوعاً من المتعة، لكن في المقابل نغفل أن الألم قد يكون سبباً كافياً للدفع نحو تغيير نمط حياة المرء إلى ما هو أفضل، ولذا يربط السلوك الذي نريد أن نغيره بالشعور القوي بالألم ثم إبداله بالسلوك الجيد.

الأمر المهم، أنك كلما اقتربت من مصدر ألمك وتعرفت عليه أكثر يخِف عليك الألم بلا شك، والتعامل مع الألم يستدعي استحضار ما يلي:

1- التحقق من وجود الألم:

لا بد من أن نتحقق؛ هل هو ألم حقيقي أم وهمي؟ وذلك من خلال ظهور آثار في العالم الخارجي، فالتحقق هنا يقتضي البحث عن صورة الألم في الواقع؛ أي البحث عن حقيقة الأمر وكينونته.

2- التعرف على مصدر الألم:

هذه المرحلة مكملة لسابقتها، والغرض منها هو التشخيص العميق للألم بالتعرف على مصدره بدقة، ويكون ذلك نتاجاً لانطباعات محسوسة أو لتنبؤات موثوقة، ومدى صحة وواقعية هذين الأمرين هما المحدد الحقيقي والفعلي للتعرف على مصدر الألم.

يُعتمد في هذه العملية على شيئين اثنين:

قوة الألم: أي مدى شدة الألم باعتبارها معياراً لتحديد درجة الألم.

قوة التأثير: أي القوة الناجمة عن الإحساس بالألم، وقد يكون للألم قوة، لكنه لا يعطي أي تأثير.

إن تحديد درجة الألم يمنحك القدرة على معرفة كيف تمت معاملة الألم؛ هل بشيء من التهويل أم أن التعامل تم في إطاره الطبيعي؟

مما لا شك فيه، أن ليس للمرء سلطان على ألمه، ولكن له سلطان على كيفية تعامله مع الألم، لذا اقترب من ألمك وحاول التكيّف معه ووظِّفه ليخدمك، فبمجاورتك لألمك ينجلي، في حين أن استسلامك له ضعفٌ يتضخم من خلاله وقع الألم على نفسك، وصلابة النفس تجاه الألم هي قوة تُضعفه.

في الحقيقة، ليست الشجاعة في عدم التألم؛ بل في أن تحسن التعامل مع ألمك، فلا تغفل أن قوة الألم تتوهن بالاقتراب منه، وتجنّب التدافع معه، كما أن الهروب من الألم ومن معرفة مصادره عجز ويأس.

لن تنفكّ من الألم في هذه الحياة؛ لأن الألم أمر طبيعي يذوقه كل كائن بشري، لكن بقوة مصاحبتك له وحسن تعاملك معه تُضعف من قوته وتجعله يتضاءل.

عندما تتخيل الألم في صورة بشعة، فسوف يصبح عندك نفور شديد منه ومن الأشياء التي يأتي منها الألم وتحرم بذلك نفسك من ثمراته التي تكون نتاجاً لحسن التعامل معه، وحين تعادي ألمك تكون عوناً له عليك؛ أي إنك تطيل عمر ألمك وتستنقص جهدك ووقتك الثمين في أمر لا يستحق؛ بل يغيب عنك الإحساس بالسلام الداخلي.

من أسرار النجاح والسعادة، معرفة كيفية تحويل الألم إلى صديق والتحكم فيه بدلاً من السماح له بالتحكم في حياتك وتشكيلها كما يشاء.

يمكنك أن تستفيد بمصاحبة ألمك من كثير من الأمور؛ لعل أبرزها تسهيل عمليتين مهمتين في حياة الإنسان مما يلي:

قد تشتكي من سلوكيات غير سوية، رغم إدراكك أنها مضرة بك فإنك لا تستطيع التوقف عنها، والسبب في ذلك يرجع إلى ربطك تلك السلوكات باللذة، والنفس تميل إلى ما يحقق لها ذلك، ولكن حين تربط تلك السلوكيات بالألم سيساعدك ذلك في الإقلاع عن هذه السلوكيات؛ لأنها تزال بالإحساس بالألم وحسن مصاحبته.

إذا أردت اكتساب عادة إيجابية بسرعة، فيكفيك مصاحبة ألمك وربط تلك العادة المراد اكتسابها به لتسهل العملية.

إن في الألم إشارات إن عُرف مكنونها بعمق فستغنم كنوزاً كثيراً في حياتك، ويحدث ذلك حين تجعل من ألمك صديقاً لك فتهتدي به إلى الطريق الصحيح، وتصبح في إدراك ودراية تامة لما تتجه إليه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل