المحتوى الرئيسى

محمد صوفي يكتب: مائدة.. كرسي.. سيدة جميلة وآلة كمَان | ساسة بوست

02/12 15:48

منذ 4 دقائق، 12 فبراير,2017

لماذا إذا تهيّأت للنوم يأتي الكمان؟!

فأصغي آتيًا من مكان بعيد

فتصمت همهمة الريح خلف الشبابيك

وأرحل في مدن لم أزرها

ألقى التي واعدتني على ضفّة النهر واقفة

وعلى كتفيها يحطّ اليمام الغريب

عندما يتعلّق الأمر بالموسيقى، لا صوت يطرب ويثير المخيّلة كامتزاج أنغام آلتي الكمان والبيانو. لكنْ لو كان لي أن أختار آلة مفردة لما تردّدت في اختيار الكمان، لأنني مع من يقول إن الكمان هو الرمز الأسمى لأناقة الموسيقى وجمال الطبيعة معًا. الكمان قريب جدّا من المشاعر. وهو أقرب الآلات الموسيقية شبهًا بصوت الإنسان.

وقد قرأت ذات مرّة أن بدايات ظهور هذه الآلة تعود إلى القرن التاسع الميلادي. ويقال إنه أتى من آسيا وأن الأتراك والمغول قد يكونون أوّل من عرف الكمان في التاريخ، وكانوا يصنعون أوتاره من شعر ذيل الحصان.

ثم ما لبث الكمان أن انتشر إلى الصين والهند وبلدان الشرق الأوسط، وطبعًا كان شكل الآلة آنذاك بدائيًا وبسيطًا، وقد استغرق الأمر خمسة قرون كاملة قبل أن تصل هذه الآلة إلى شكلها الحالي والمتعارف عليه.

التغيير الجذري الذي طرأ على شكل الكمان وعلى تطوّر إمكانياته تحقّق في مدينة ميلان الإيطالية (ويقال في البندقية) حوالي بدايات القرن السادس عشر.

ويشار إلى أن أوّل عازف كمان مشهور كان الإيطالي أندريا أماتي الذي يرجع إليه الفضل أيضًا في صنع أوّل آلة كمان بشكلها الحديث والمعروف.

وأشهر ماركات الكمان في العالم هي ستراديفاريوس وأماتي وغارنييري، وهي أسماء لصنّاع إيطاليين برعوا منذ قرون في صناعة الكمان واستخدامه. وأشهر العازفين اليوم يفضّلون اقتناء هذه الأنواع القديمة من الكمان المعروفة بغلاء أسعارها وبأدائها العالي وجودة النغمات التي تصدرها.

وفي مناسبات مختلفة بيع بعض هذه الآلات، لشهرتها ولقدم صنعها، بأكثر من مليون جنيه إسترليني، في حين لا يكلّف أغلى وأجود نوع حديث أكثر من عشرة آلاف دولار.

ولأن بدايات الكمان الحقيقية ارتبطت بإيطاليا، لم يكن غريبًا أن يصبح نيكولو باغانيني الإيطالي أشهر عازف كمان في تاريخ الموسيقى كله، ويقال إنه كان لفرط مهارته يستخدم كلتا يديه في العزف، كما كان بارعًا في العزف على وتر واحد في حال انقطعت الأوتار الثلاثة الأخرى. وقد أصبح تقليدًا شائعًا منذ ذلك الوقت أن يحتفظ العازف في جيبه بوتر إضافي تفاديًا لاحتمال انقطاع أحد الأوتار.

وفي زمن باغانيني، وأيضًا فيفالدي، كان الكمان مرتبطًا بالطبقة الراقية وبفئة النبلاء والأرستقراطيين.

اليوم ثمّة ملاحظة جديرة بالاهتمام تتعلّق بهذه الطفرة الكبيرة التي نراها الآن في عدد النساء اللاتي يعزفن الكمان بعد أن كان في الماضي عملًا يختصّ به الرجال وحدهم، والكثير من هؤلاء العازفات لا تنقصهنّ البراعة ولا الجاذبية. وهذه الصفة الأخيرة تُعتبر عاملًا مهمًّا جدًّا لا تغفل عنه شركات التسجيل ولا منظّمو الحفلات الموسيقية.

وهناك من يقول إن معظم الأسماء الكبيرة اليوم في مجال العزف على الكمان هي لنساء. ويتساءلون هل الأمر مجرّد مصادفة، وهل الإناث أكثر قدرة من الرجال على تحمّل الدروس الطويلة والشاقّة التي يتطلّبها العزف على الآلة، أم لأنّ الكمان يتميّز بصغر حجمه وبسهولة حمله من مكان لآخر دون حاجة إلى تجهيزات ثقيلة وتحضيرات معقدة؟

وهل يمكن فعلًا اعتبار الكمان والبيانو والفلوت آلات أنثوية بحكم أن الأسماء البارزة والأكثر شهرة في العزف على هذه الآلات في العالم اليوم تعود لنساء؟

وفي المقابل، هل يمكن اعتبار الغيتار والساكسوفون والآلات النحاسية آلات ذكورية على اعتبار أن الرجال هم من يتسيّدون ساحة العزف على هذه الآلات حاليًا؟

قرأت مؤخّرًا بعض الأفكار التي لا يخلو بعضها من طرافة عن تأثير موضوع الجندر في الموسيقى، ومن الواضح أن إتقان العزف على الكمان بخاصّة يتطلّب مستوى عاليًا من الموهبة والذكاء وسعة الخيال. وقائمة مشاهير النساء البارعات في العزف على الكمان اليوم طويلة ولا تكاد تنتهي. وبعضهنّ عملن مع أشهر الفرق السيمفونية في العالم، وتتلمذن على أيدي أشهر العازفين وقادة الأوركسترا من أمثال ياشا هايفيتز وإيزاك ستيرن ويوجين أورماندي ودانيال بارانبويم وفلاديمير أشكنازي وهيربرت فون كارايان وغيرهم.

والأسماء النسائية المهيمنة الآن على صناعة العزف على آلة الكمان هي امتداد للرعيل الأول من النساء الرائدات في هذا المجال مثل البولندية واندا ولكوميرسكا، والنمساوية إيريكا موريني، والأمريكية مود باول، والمجرية يوهانا مارتزي، والبولندية إيدا هاندل، واليابانية تاكاكو نيشيزاكي وغيرهن.

ويأتي على رأس عازفات الكمان من الجيل الجديد الألمانية آنا زوفي موتار التي تخصّصت في عزف بيتهوفن وفيفالدي وباخ وموزارت وسترافنسكي. وعلى ذكر موزارت، لا أعتقد أنني سمعت من قبل أجمل ولا أروع من عزف زوفي موتار لكونشيرتو الكمان رقم 3 الذي يُعتبر ليس فقط أحد أفضل أعمال موزارت وإنما أحد أعظم القطع الكلاسيكية التي تمّ تأليفها على مرّ العصور.

ولـ«زوفي موتار» طريقتها الخاصّة والمتميّزة في العزف، وهي لا تنظر إلى الجمهور إلا نادرًا ولا تعيد العزف إلا في ما ندر، كما أنها تعامل في بلدها كأميرة ووريثة للعازف والمايسترو العظيم فون كارايان الذي اختارها وهي بعدُ في الثالثة عشرة وأجلسها معه في فرقته.

وموتار هي اليوم في الخامسة والأربعين وتجني أكثر من ثلاثة ملايين دولار سنويًا مقابل الحفلات الموسيقية التي تعزف فيها، أي ضعف ما يتقاضاه أفراد أوركسترا كاملة في فرنسا أو بريطانيا، موتار مغرمة كثيرًا بموزارت الذي تقول عنه إن تأثير موسيقاه في الروح مثل تأثير أشعّة إكس التي تشفّ الجسم وتكشف كلّ ما فيه.

ويظهر أن الأمريكيين بدؤوا هذه الأيام يغارون من اتساع شعبية زوفي موتار التي يرون في صعود نجمها وازدياد شعبيتها عندهم تهديدًا لمكانة من يعتبرونه عازف الكمان الأوّل في العالم اليوم وهو الأمريكي إيزاك بيرلمان.

والحقيقة أن ريادة الأمريكيين في مجال العزف على الكمان وكثرة العازفين المبدعين عندهم أمر لا يمكن إنكاره، هناك مثلًا العازفان الأسطوريان إيزاك ستيرن ويوشا هايفيتز، بالإضافة إلى كبار العازفين الأحياء أمثال جون كوريليانو وريجينا كارتر، بالإضافة إلى جوشوا بيل الذي يستخدم آلة كمان من نوع ستراديفاريوس يعود تاريخ صنعها إلى ما قبل ثلاثة قرون.

وكان آخر أعمال جوشوا بيل اشتراكه مع زميله كوريليانو في وضع الموسيقى التصويرية للفيلم السينمائي المشهور الكمان الأحمر.

كلّ هؤلاء أمريكيون. كما أن أعظم عازف للتشيللو في العالم الآن هو الأمريكي من أصل صيني يو يو ما، الذي اشتهر بعزفه المنفرد والمتميّز لسوناتات باخ وموسيقى دفورجاك وشوبيرت وموزارت.

بعد زوفي موتار يأتي اسم عازفة الكمان الأمريكية من أصل كوري سارة تشانغ التي تتلمذت على يد يهودي مينوهين الذي وصفها في إحدى المرّات بأنها أكثر عازفات الكمان مثالية وإحكامًا.

ثم هناك الهولندية جانين يانسن التي برعت في عزف تشايكوفسكي ومندلسون وبرامز، وبوسع زائر موقعها الإلكتروني الاستماع إلى عزفها الجميل لبعض سوناتات فيفالدي.

وهناك أيضًا الأمريكية الصاعدة بقوّة هيلاري هان التي احتلّ أوّل ألبوماتها الذي ضمّ بعض سوناتات باخ المرتبة الأولى في قائمة التسجيلات المفضّلة طوال أسابيع. يُذكر أن هيلاري هان برعت على وجه الخصوص في عزف كونشيرتو جان سيبيليوس الذي يقال إنه أحد أصعب القطع الموسيقية التي كُتبت لآلة الكمان، وإجادته تتطلّب مستوى غير عادي من التركيز الذهني والسيكولوجي.

وهناك كذلك الإسكتلندية نيكولا بينيديتي التي تظهر في بعض صورها محتضنة آلة كمانها المصنوعة في فينيسيا عام 1751 على يد بييترو غارنييري.

والقائمة تطول. لكن يمكن الإشارة في عجالة إلى بعض الأسماء النسائية الأخرى والمهمّة مثل الكندية لارا سانت جون، واليابانية إيكوكو كاواي، والروسية فيكتوريا مولوفا، والبريطانية السنغافورية الأصل فانيسا ماي، والجورجية ليزا باتياشفيلي، والألمانية جوليا فيشر وسواهن.

الملاحظة الأخرى التي تلفت الانتباه هي أن معظم عازفات الكمان، وأكاد أقول جميعهن، يتميّزن بقدر عال من الجمال والجاذبية والحضور، بل لا أبالغ إن قلت إن ملامح بعضهن وطريقة لباسهن وحتى أسلوب حياتهن لا يختلف في شيء عن عارضات الأزياء والممثلات ومغنّيات البوب، وقد اكتشفت مع الأيّام أنه حتى الجيل الجديد من مغنّيات الأوبرا – وعلى خلاف ما يتصوّره الكثيرون عن جدّيتهن ورصانتهن – يشتركن في هذه السمة التي تلخّص إلى حدّ ما طبيعة الأنثى وميلها الغريزي إلى إبراز جمالها وحتى التفنّن في إظهار مفاتنها للفت أنظار الجنس الآخر.

ومع ذلك لا يمكن لوم النساء وحدهن، فالموسيقيون من الرجال أيضًا يبالغون في إظهار أناقتهم واهتمامهم بالشكل الخارجي، وقد قرأت مؤخّرًا رأيًا لم أتأكّد من صحّته وملخّصه أن نشأة الموسيقى الكلاسيكية نفسها ومن ثم تطوّرها خلال القرنين الأخيرين كانت قائمة على فكرة التقاطع ما بين الفن والجنس «أي الذكورة في مقابل الأنوثة»، وأن عددًا كبيرًا من المؤلّفين الموسيقيين من الرجال كانوا حريصين دائمًا على تقمّص نموذج شخصية اللورد بايرون في محاولة لخطب ودّ النساء والتقرّب منهن.

وبعض قادة الأوركسترا الكبار كانوا يعمدون إلى ترتيب ديكور حفلاتهم بحيث يكون الضوء مركّزًا على شعورهم الطويلة اللامعة للفت أنظار النساء ونيل إعجابهن.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل