المحتوى الرئيسى

بيان المخابرات الحربية .. ومعركة مصر مع الإرهاب

02/12 13:18

اقرأ أيضا: معركة اليمين المتطرف تستدعي خطابا إسلاميا جديدا مذبحة سجن "صيدنايا" تفضح النخبة المصرية درس أوربي تاريخي للإخوان والليبراليين المصريين (2/2) درس أوربي تاريخي للإخوان والليبراليين المصريين (1/2) بيان الأزهر وقيمته ورمزيته وأهمية الفتوى الجماعية

البيان الذي قدمه اللواء أركان حرب محمد فرج الشحات مدير المخابرات الحربية والاستطلاع في الدورة التثقيفية الرابعة والعشرين التي عقدت قبل أيام بحضور رئيس الجمهورية ، والذي استعرض فيه جهود مواجهة خطر الإرهاب هو جردة حساب مفصلة ومقنعة وجيدة ومطمئنة ، وتكشف عن حجم الخطر واتساع نطاقه بصورة غير مسبوقة ، وهو ما ألقى أعباء مضاعفة على الجيش وأجهزته لإجهاض مخططات تلك التنظيمات الإرهابية ، وقد أشار إلى المحاولات المتواصلة لتلك التنظيمات لاختراق الحدود الشرقية والغربية وتمرير شحنات من الأسلحة والمتفجرات وأدوات مساعدة ، ويساعدهم على ذلك الفوضى الأمنية والعسكرية المحيطة بنا في أكثر من دولة جارة ، وخاصة من جانب ليبيا ، كما كشف البيان عن إحباط جهود تلك العناصر لإيجاد مواطئ أقدام لهم في العاصمة ومحيطها ، ومحاولتهم اتخاذ مخازن ومناطق دعم لوجستية في أطراف العاصمة ، وهو أمر يكشف عن إصرار تلك المنظمات على إلحاق الأذى بالبلاد على نطاق واسع .

الجهود التي استعرضها اللواء الشحات لا يمكن الاستخفاف بها في ظل ما نراه عيانا في العواصم القريبة والبعيدة ، حيث يضرب الإرهاب ضربات بالغة العنف والإجرام ويستبيح كل شيء وأي شيء في طريقه ، كما أن للإرهاب ومنظماته منطقا سياسيا مختلفا تماما عن حسابات السياسة وصراعاتها المشروعة ، فالإرهاب لم يكن ولن يكون جزءا من حسابات المعارضة السياسية بكل أطيافها ، فهو ضد الكل ، حكومة ومعارضة ، ويكفر الجميع ، حكومة ومعارضة ، وهو لا يختلف مع النظام حول قضايا التعددية والحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان ، فهو يكفر بتلك المعاني كلها أساسا ، وممارساتهم ذاتها تمثل أقصى درجات التطرف في هدم تلك المعاني كلها ، الإرهاب كارثة إنسانية حقيقية ، خارج العقل والدين والإنسانية ، تستدعي تكاتف كل الجهود من أجل دحرها وإنهاء خطرها .

نثمن هذه الجهود التي تقوم بها المخابرات الحربية وأجهزة الدولة المختلفة وندعو لهم بالتوفيق ، وإن كنت أختلف مع تقدير اللواء الشحات عن علاقة الإخوان بداعش ، وأنا من معارضي الإخوان ، ولكن بناء تصور العلاقة على تصريح غاضب لأحد قادة الإخوان ـ محمد البلتاجي ـ عن توقف الإرهاب إذا عاد مرسي لا يمثل دليلا قطعيا ، خاصة وأن داعش لا تخفي عداءها الشديد للإخوان ، كما أن بيان داعش الأخير الذي عمموه دعا إلى قتل عدد من رموز الإخوان مثل الدكتور محمد بديع والشيخ يوسف القرضاوي ، بل وجعل قتلهم أولى وأهم من قتل رجال الشرطة والمخابرات حسب نص البيان ، ومن الصعب تصور علاقة بين الجهتين يكون هذا عنوانها ، وإن كنت أرى أن الإخوان لا تعلن إدانتها لجرائم الإرهاب في مصر تحديدا بصورة واضحة ، وبعض تعليقات الإعلام المحسوب عليها ربما تحمل تعاطفا ضمنيا مع العمليات الإرهابية ، وهذا لعب بالنار ومراهنات خاسرة بكل تأكيد.

تقديرنا لتلك الجهود "الأمنية" في مواجهة الإرهاب لا تنسينا التذكير الذي لا نمل منه ، بأن المعركة مع الإرهاب ليست معركة الأمن وحده ، وأدواتها ليست أمنية أو عسكرية فقط ، بل ليست أمنية بالمقام الأول ، فالإرهاب يفخخ العقول والنفوس قبل أن يفخخ الأجساد ، وحرب العقول والنفوس لا تصلح لها الأدوات الأمنية ، وإنما طريقها الوحيد هو الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني ، لا معنى لأن تقتل عشرة أو ألف من الإرهابيين إذا كان المستنقع ـ المصنع ـ ما زال حيا وقادرا على إنتاج آلاف أخرى والبيئة المحيطة به تساعده نفسيا وفكريا ، أنت بذلك تخوض حرب استنزاف خطيرة بلا نهاية منظورة وبلا أفق ، وتزداد خطورتها عندما تكون ظروف البلد الاقتصادية والاجتماعية لا تعين عليها ، الإرهاب يتمدد في بيئة سياسية محبطة وتتكاثر خلاياه في أجواء من الكراهية وغياب الإحساس بالعدل والكرامة ، وإهدار حقوق الإنسان ، وجفاف المجتمع المدني وحصاره ، وانسداد الأفق في التغيير السلمي ، وفي ظل فوضى دينية وثقافية ترعاها ـ مع الأسف ـ أجهزة تابعة للدولة نفسها ، وفي ظل إعلام موالي مجنون يحرض على الكراهية والعنف ويهدر فكرة الدولة من أساسها ويتحدث بمنطق ولغة الميليشيات ، وفي ظل عبث توسيد الأمور إلى من يحسنون التزلف للسلطة والسلطان وليس من يحسنون إقناع الأجيال الجديدة وتصحيح الوعي وتقديم القدوة وترسيخ المصداقية للدولة ومؤسساتها .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل