المحتوى الرئيسى

محمد زكريا يكتب: CEMAC: في ظل تدهور الأسعار العالمية للمواد الخام وخاصة النفط | ساسة بوست

02/12 09:32

منذ 1 دقيقة، 12 فبراير,2017

تضم المجموعة الاقتصادية والنقدية لدول وسط أفريقيا CEMAC (السيماك) ست دول في وسط القارة الإفريقية وهي: جمهورية إفريقيا الوسطى، الكاميرون، تشاد، الكونجو برازافيل، الجابون وغينيا الاستوائية، كل هذه الدول منتجة للنفط ما عدا جمهورية إفريقيا الوسطى التي لم ير نفطها النور بعد، لكنها تنفرد عن دول المجموعة بوجود «الماس» بكثرة، إذ كانت تحتل المرتبة الخامسة عشرة عالميًا في قائمة الدول المصدرة للماس. ولكن هذه الدول لم تعتمد على واردات النفط فحسب، إنما يتمتع اقتصادها بوجود بعض الموارد الاقتصادية الطبيعية المهمة كاليورانيوم، المنغنيز، الحديد، الأسمنت، الخشب، والمحاصيل الزراعية المتنوعة كالكاكاو، القطن، الفول السوداني، القهوة وغيرها التي تشترك فيها معظم دول المجموعة، ومع ذلك كانت بعض الدول تعتمد على النفط اعتمادًا كبيرًا (كالكونجو برازافيل)، وقد كاد يكون في بعضها هو السلعة الوحيدة التي تصدرها للسوق العالمية (كتشاد). وتعرف دول السيماك على مر التاريخ بتصديرها للمنتجات الأولية ذات القيمة المضافة المنخفضة، واستيرادها السلع الرأسمالية والاستهلاكية ذات التكاليف العالية؛ لذلك تجد قيم السلع والخدمات التي تشتريها (الواردات) أعلى بكثير من تلك السلع والخدمات التي تبيعها (الصادرات)، فتكون النتيجة «عجزًا في الميزان التجاري»، وهذا بلا شك له آثار سلبية خاصة في بيئة اقتصادية تتسم بالهشاشة والركود. أضف إلى ذلك النسبة العالية للاحتياطي النقدي (50%) الذي يجب أن تودعه دول المجموعة في حساب العمليات في الخزينة الفرنسية مقابل ضمان العملة (الفرنك السيفا)، ويخصم تلقائيًا من إيرادات المواد الخام لدول المجموعة المصدرة للسوق العالمية، وهو أمر إلزامي محكوم بمبادئ نصت عليها اتفاقية التعاون النقدي بين فرنسا ومنطقة الفرنك سيفا (Franc CFA) منذ عام 1970، وهذا بدوره أيضًا يقلل من إيرادات تلك الدول؛ بل ينسفها نسفًا.

فعندما ينخفض سعر المواد الخام عالميًا، ينتج عنه انخفاض في إيرادات تلك الدول بنسبة الانخفاض ذاتها أو أكثر، كما أن سوء الأوضاع الأمنية والاضطرابات السياسية في بعض دول المجموعة، كجمهورية إفريقيا الوسطى والكونجو برازافيل، أو في الحدود المتاخمة لبعض الدول كحدودي تشاد والكاميرون مع نيجيريا وحدود تشاد مع السودان وليبيا، كل ذلك له دور كبير في الحد من الأنشطة الاقتصادية وتدهورها مما يؤدي إلى تقليص حجم الصادرات ومن ثم انخفاض الإيرادات بشكل كبير، ثم يتم خصم قيمة الاحتياطي النقدي (50%) من هذا الإيراد المتبقي، بينما ترتفع – غالبًا – النفقات (المصروفات) الحكومية بنسب متفاوتة ومتزايدة أحيانًا، خاصة عندما نأخذ في عين الاعتبار نسبة التضخم الطبيعي السنوي للسلع والخدمات، والتضخم المتزايد بسبب سوء الأوضاع الأمنية والسياسية والتقلبات الاقتصادية، فتجد الحكومة نفسها أمام عجز كبير في ميزانها التجاري، وتلجأ مضطرة إلى القروض الربوية – كخيار مفروض – التي أنهكت كواهلها منذ عقود من الزمن، وتارة أخرى تجنح للمنح الدولية. فلن يتجرأ متخذو القرار لمنح أنفسهم برهة من الزمن للتفكير في إنعاش تلك الاقتصاديات أبدًا، كما لا تحلم البتة في خلق فرص اقتصادية واعدة، حتى تخفف على الأقل من حدة هذا العجز. وبهذا تعيش الشعوب وحكوماتها في دوامة الأزمات المزدوجة.

هذه الإشكاليات المتشعبة ليست وليدة الصدفة أو نتيجة لسوء الإدارة فحسب، إنما هي سلاح ذو أسنة حادة خلّفه المستعمر؛ بل استبدله بالنظام العسكري القمعي ليجد مصوغات تتيح له التحكم بجميع مفاصل كل دولة، اقتصاديًا وسياسيًا وإعلاميًا بهدف استنزاف مواردها الطبيعية، فليس بمستغرب عندما نرى بعض القادة يدلي بتصريحات تتسم بالغرابة أحيانًا، وتشم فيها رائحة اليأس والتشاؤم حينًا آخر، فيتزمجر ناقدًا النظام المالي الحالي والسياسة النقدية، خاصة ما يتعلق بالعملة المستخدمة حاليًا (Francs CFA)، ويناشد بتغييره؛ بل وينادي بالوحدة الإفريقية وتوحيد العملة ويشير إلى التكامل الاقتصادي كأحد أهم الحلول؛ لأنه وصل إلى طريق مسدود، وذاق مرارة الوضع الحالي وصعوبته، وعرف الحقائق لكنه لم يزل مكبل الأيادي ببنود الاتفاقيات الرسمية والخفية، ولا حول له ولا قوة سوى هذه الصرخات لإرضاء الضمير وبث رسائل ضمنية؛ لينير بها أفكار أولي الألباب أو على الأقل يدغدغ مشاعر كل من ألقى السمع وهو شهيد.

فيا ترى هل يستطيع الجيل الجديد في عصر العولمة والتكنولوجيا أن يساهم في إيجاد حلول لهذه الإشكاليات المزدوجة (اقتصادية وسياسية)؟ أو يكتفي بالتفرج والعويل؟!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل