المحتوى الرئيسى

بيت المرايا

02/11 20:54

هناك من أتخيلهم يعيشون فى بيت للمرايا. يحبون رؤية صورتهم وقد علقوها فى برواز، تفتح خزانة الملابس فتجدها، تلف إلى اليمين فترى لوحة زيتية ترسم ملامحهم، ثم تنظر يسارا فتضاعف المرايا الوجه نفسه مرات ومرات ومرات. لديهم درجة من النرجسية لا تضاهى وربما لا يكتشفها إلا من يشاركهم الحياة أو يعرفهم فعلا عن قرب، إلا أنهم يرغبون دوما فى لفت الانتباه وحصاد الإعجاب، وإذا لم يحدث ذلك فتبا وتبا وتبا، لأن باقى الناس فى حياتهم يأتون بعدهم بمراحل من حيث المصلحة والمكانة والأهمية، أو هكذا يتصورون.

المرايا من حولهم تضخم الذات أكثر وأكثر، وتضخم الضوء الذى يدخل الحجرة من خلال الشباك الواقعة أمامه. لا يصبحون أبدا «أليس فى بلاد العجائب» عندما تنظر فى المرآة فتدلف إلى عالم سحرى وتكتشف عوالم أخرى مليئة بالمغامرات تجعلها تواجه مخاوفها وشكوكها، بل يظلون بالأحرى مثل زوجة أب الأميرة فى قصتها مع الأقزام السبعة التى كانت تسأل نفسها يوميا:«مرايتى يا مرايتى، من هى أجمل امرأة فى الكون؟«، وتكون الإجابة هى بالفعل. فليس على سبيل المصادفة أن جعلت الحواديت للمرايا رمزيتها، وجددتها قديما وحديثا، بوصفها هذا المسطح اللامع، الذى يبدو شفافا ويعكس أشياء وأشياء، حتى أن بعض المعتقدات الشعبية القديمة، فى أفريقيا كما فى أوروبا، كانت توصى بتغطية المرايا فى بيت الميت حتى لا تلتصق بها الروح أو تتلبسها وترفض أن تغادر المنزل. ربما هى حال من قرروا بمحض إرادتهم أن يعيشوا فى بيت المرايا، يرفضون الرحيل ولا يسمحون بتغيير الصورة التى اختاروا تصديرها للآخرين، فالفارق كبير بين أن أنظر إلى نفسى وأن أرانى.

أمام لعبة الضوء والانعكاس، لعبة المرايا، نقف جميعا. ننظر إلى أنفسنا قبل النزول إلى الشارع لنتأكد أن كل التفاصيل على ما يرام: تسريحة الشعر، أحمر الشفاه، الهالات السوداء حول العينين... نلمح ربما شعرة بيضاء أو خصلة كاملة رمادية ظهرت بين ليلة وضحاها. وهناك من يهرب من مواجهة تلك العينين لذلك الوجه الماثل أمامه، يتجاهل الحزن الظاهر فيهما ويفضل استكمال المسيرة وكأن شيئا لم يحدث. وهناك من لا يطيل النظر حتى لا يضطر إلى ملاحظة التجاعيد التى بدأت تزحف على وجهه. وهناك من نتساءل فعلا كيف يجرؤ النظر إلى نفسه يوميا فى مرآة الحمام؟ ربما يريحه الشعور بأن هناك غيره ممن هم على شاكلته وأن المحيطين به يشبهونه إلى حد كبير وأنهم يتنافسون فى الخسة، ربما.. وقد يكون كالشياطين والأرواح الشريرة، لا يظهر فى المرايا، كما تقول الحكايات. ينظر فيرى وجهه خواء، ولكنه ينظر كما اعتاد الجميع منذ أن صارت المرآة جزءا لا يتجزأ من ديكور المنازل منذ القرن الرابع عشر الميلادى.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل