المحتوى الرئيسى

"ياسين" .. حكاية "كوباية" لها تاريخ!

02/11 12:57

”كوباية ياسين” ، اسم مصرى عريق لا يعرفه ابناء الجيل الحالى الا القليل منهم الذين تفتحت اعينهم على المستورد، عروس اليوم اختلفت عن عروس الأمس ، فأصبحت تطلب الغالى المستورد رغم قلة جودته مقارنة بالمنتج المحلى المصرى الجيد والرخيص الاسعار وصاحب الاسم والتاريخ .

أكواب شاى وأكواب ضيافة وعصائر وأكواب قهوة ، اطباق شوربة ، طفايات سجائر بمختلف الاحجام هى محتويات جهاز أى عروس فى مطلع الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات الى ان اكتسح المستورد الاسواق مرة أخرى وتوارى المنتج المحلى العريق ، بعد توقف انتاج احد اعرق المصانع المصرية الوطنية للزجاج والبلور .

محمود العسقلانى، رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء” والذى قرر تشكيل “اللجنة الشعبية لدعم الصناعات الوطنية” ودعا الراغبين فى الانضمام لها كان على رأس المنبهين الى الحاجة الى عودة تلك الصناعة الوطنية القيمة الى الاسواق المصرية والعالمية مرة أخرى ، مدشننا هاشتاج #ادعم_الصناعات_الوطنية .

يقول العسقلانى عبر صفحته على فيس بوك : كان لى شرف زيارة شركة النصر للزجاج والبلور (ياسين سابقا) والالتقاء بالمسئول الجديد للشركة المهندس عبدالله شحاته ابن الشركة والذى أعاد بناء الشركة من جديد وقد خربت فى وقت سابق بهدف بيعها كارض مبانى مصقعة.

ويكمل : الشركة حصلت على دعم من الحكومة ما امكنها من معاودة الإنتاج والتصدير وبخاصة لعدد كبير من الدول العربية خاصة وأن سمعة مصانع ياسين عربيا ودوليا على أحسن حال رغم غياب الشركة عن الإنتاج بفعل سياسات التخريب المتعمدة والتى من بينها الاستيراد من الصين وتركيا واغراق الأسواق المصرية بمنتجات زجاجية صينية وتركية وتسريح العمال بل واستجلابهم لمصانع أخرى داخليا وخارجيا للاستفادة بتراكم خبراتهم . وقد جرى تعيين 400 شاب تقريبا هم القوة المنتجة الآن فى المصنع بديلا عن خمسة ألاف عامل محملين بخبرات عظيمة للأسف جرى تسريحهم بغير إحسان .

محمود العسقلانى من امام المصنع العريق

اللجنة الشعبية لدعم الصناعات الوطنية

ويصف : “هذا الكوب الذى أمام ناظريكم سعره أقل من الصينى والهندى بنسبة تقل عن 60% بجنيه وخمسة وعشرون قرشا بثمن اقل من ثمن كيس شيبسى ، محتاجين ندعم صناعات بلدنا ولذلك قرر عدد كبير من الشخصيات العامة والعبد لله منهم تشكيل اللجنة الشعبية لدعم الصناعات الوطنية ومن يرغب فى الانضمام لهذه اللجنة والتى من بين أهدافها دعم المصانع المصريه والعمالة المصرية والاقتصاد المصرى دعم المصدرين المستجلبين للعملة الصعبة فى ظل ظروف بالغة القسوة .

يقول احمد منيع 40 عام “موظف” : عندى طقم كامل منها رغم ان مراتى عندها فى الجهاز كتير من الجديد المستورد كنت شارى العلبة 6 كوبايات ب2 جنيه ولحد الان مش بعرف اشرب الشاى غير فيها ... تحس برضه الكوباية وتصميمها وشكلها بيساهم كتير فى حلاوة طعمها ومزاجها .

فيما يقول الحاج عبد السلام سيد “مقاول” 62 عام : مابعرفش اشرب كوباية البن “القهوة” غير فيها والا تبقي اصطباحة مش طيبة عليا ، بيفرق معايا شكل الكوباية فى الاحساس بالطعم الحلو ومش برتاح لو شربتها فى فنجان ” لازم كوباية ” .

يحكى عمر طاهر فى مقاله “يس .. ملك الزجاج ضد الكسر” المنشور بجريدة “الاهرام” حكاية تأسيس مصنع “ياسين” للزجاج كالتالى :

يبدو أن أحد ضيوف جدتى المريضة قد أخطأ بأن وضع كوب الشاي الفارغ فوق روشتة الطبيب، بعد انصرافه لمحت على الروشتة الرسم الذى خلفه الكوب على الورقة، كان يبدو لطفل مثلى مثيرا، طائر غريب مستقيم الأجنحة يحمل كلمة ما غير مفهومة، تسللت إلى بوفيه الجدة أقلب الأكواب بحثا عما يطابق هذا الرسم الموجود في يدى، في اللحظة التى وجدت فيها هذا الكوب ضبطتنى جدتنى، سحبتنى إلى أعلى من (طرطوفة أذنى) طالبة منى أن أبتعد عن هذا الطقم بالذات، ثم طلبت منى أن (هات الروشتة)،

عرضت عليها في تحد نادر أن أعيد الروشتة بشرط أن تسمح لى باستعارة هذا الكوب قليلا لأعيد طبع ما حُفر عليه، كنت أراقب جدتى وهى تفكر في هذا العرض، قبلها كنت قد التقطت الاسم المطبوع بشكل بارز على قاع الكوب ( يس).

اندثرت صناعة الزجاج في مصر بعد أن ساهمت لسنوات في تزيين الحضارة الإسلامية، بكل مصباح و مشكاة أنارت مسجدا كبيرا.

فى بداية العشرينيات كانت كل المنتجات الزجاجية الموجودة فى مصر مستوردة و على رأسها لمبة الجاز.

طيب ما علاقة هذا الكلام بشخص يعمل في المقاولات؟

ورث (محمد سيد يس) عن والده شغلانة المقاولات. لاحظ يس أن مصر تعتمد في تنقلاتها على الحناطير أو الترام، وكان الجشع يسيطر على كليهما، عمال الترام يضربون عن العمل كل فترة مطالبين بزيادة الأجور فتتوقف العربات، فلا يصبح أمام الناس إلا الحناطير التي يرفع أصحابها أجرتها أيضا استغلالا للموقف.

قرر أن يحول «لورى» من التى يستخدمها في المقاولات إلى أتوبيس نقل عام بدكك حديدية و اتجه لترخيصه.

وضعه الضابط الإنجليزى في التحدى الأول، بأنه أمر غير مقبول أن يستخدم لورى نقل الدبش لنقل الناس.

قام يس بإعادة تشكيل مؤخرة اللورى و تخليصه من أية معادن زائدة ثم زرع فيها مقاعد خشبية خفيفة ،و صنع من اختراعه هذا أكثر من 22 قطعة ليصبح الموضوع أمرا واقعا، ثم حصل على الترخيص.

كان التحدى الثانى هو الناس، فقد اعتبروا تلك المخلوقات التي تسير أسرع من الترام و الحناطير وسيلة للإنتحار، فهجروها، و كانت الأتوبيسات تخرج من الجراجات كل يوم و تعود فارغة لا تحمل إلا لعنات الناس.

أكثر من شهر و نصف الشهر لم يصعد راكب واحد إلى متن أى من ال22 أتوبيسا، اقترح كثيرون على يس أن (يفضها سيرة) و يغلق باب الخسارة ، لكنه طلب من الاتوبيسات أن تتحرك طول اليوم في الشوارع حتى يألفها الناس و ينسوا خوفهم منها.

شخص واحد جرىء صعد يوما إلى واحد من تلك الأتوبيسات، وعندما عاد بالسلامة إلى المقهى أخبر ناسه، بعدها انفتح باب الخير و نجح المشروع. نجح و حقق مكاسب خيالية لدرجة أن الحكومة سحبت الترخيص و منحته لشركة انجليزية.

على باب المحكمة قال له مندوب الحكومة، قضيتك ستستغرق مالا يقل عن عشر سنوات ستحصل بعدها على 150 الف جنيه، ما رأيك أن تسحب القضية و تحصل الآن على 16 ألف جنيها نقدا؟ اختار يس( الخسارة القريبة) على أمل تحويلها إلى (مكسب قريب أيضا)،ثم فكر أنه لن يعود إلى المقاولات لكن إلى أين يذهب؟ عندما تأمل (لمبة) الجاز في غرفة خفير منزله ووجد أنها مصنوعة في بلجيكا، سأل نفسه: كم لمبة جاز مستوردة في بيوت مصر ؟ كان قرار يس إن يعيد إلى مصر صنعة هي بشهادة كل كتب التاريخ من اختراعها، صدرتها إلى العالم ثم بدأت تتسول منه إنتاجه.

من أين يبدأ يس وهو الذى لا يعرف شيئا واحدا عن صناعة الزجاج ؟

انطلق إلى ألمانيا و منها إلى عدة دول مجاورة في زيارات لمصانع الزجاج هناك، حصل على ما يكفيه من خبرة للانطلاق، تأمل العملية الإنتاجية وما الذى تحتاج إليه ثم عاد محملا بالعلم و بعدد من خبراء الصناعة الأجانب.

قرر يس أن يقتحم السوق من النقطة التي تجعله صاحب نصيب مهم فيها فتخصص في صنع بلورة اللمبة الجاز، شق طريقه بصعوبة وسط أباطرة الإستيراد الذين يقفون بضراوة في وجه أي صناعة وطنية، و على مدى ثلاث سنوات كان يخسر كثيرا، لأن العمال المصريين لم يتقنوا الصنعة بعد، و عندما أتقنوها كان بحاجة إلى إقناع المصريين و كل بيوتهم تعتمد على اللمبة الجاز بتشجيع المنتج الوطنى، كان النجاح بطيئا، لكن بدأب يس المعروف استطاع أن يجد لنفسه مكانا في السوق، ثم رأى أن الوقت أصبح مناسبا ليصبح مشروعه أكبر و أوسع نشاطا.

اختار يس قطعة أرض في شبرا الخيمة، و صمم مصنعه الكبير الذى يحلم به، ثم حسب حسبته فوجد أنه بحاجة إلى 80ألف جنيه.

رفضت جميع البنوك أن تضع يدها في يد هذا المجنون الذى باع أرضه و اتوبيسات النقل و جميع ما يملك من أجل مصنع زجاج، إلا طلعت حرب، الذى قرر أن يقرضه ما يطلب،سألوه كيف تفعل ذلك؟، قال حرب:» للأسباب نفسها التي رفضتم من أجلها إقراضه، فهذا رجل باع كل ما يملك من أجل مشروع ولست أدرى كيف تبدأ الصناعة إلا بمجازفة مدروسة؟».

في سنوات قليلة كبر مصنع يس للزجاج، استقرت منتجاته في كل بيوت مصر على اختلاف مستوياتها، تحول مصنعه إلى مؤسسة صناعية اجتماعية، فاختار إلى جوار المصنع قطعة أرض مطلة على النيل صممها كملاعب و حمام سباحة و مسرح للعمال، في البداية كان يعمل في المصنع أكثر من 150 مهندسيون المانيا و تشيكوسلوفاكيا، طوروا المهنة و رفعوا مستوى العمالة المصرية ثم عادوا إلى بلادهم و في صحبتهم عمال مصريون يدربون الخواجات هناك.

عادت صناعة الزجاج إلى مصر كما بدأت قبل قرون، وكان طقم يس أول قطعة في جهاز كل عروس مصرية، سواء طقم المشروبات المرشوش بالرمل الملون، أو طقم القهوة المطلى بخطوط ماء الذهب، أما لمبة جاز يس فقد كانت شريكة كل بيوت مصر في لحظات الونس .

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل