المحتوى الرئيسى

مي زيادة.. معشوقة الأدباء التي عاشت «راهبة» في محراب «الحب»

02/11 11:44

أزهق الأدباء في حبها أقلامًا عسى أن تمنح أحدهم نفحة من دلالها وبهائها وطيب كلامها، لكن هيهات أن يدق قلبها لغيره، إنه ذلك الشاعر الكائن بنيويورك جبران خليل جبران الذى لم تره مرة فى حياتها، ومع ذلك اختصته بخفقان قلبها، الذي ترجمته إلى كلمات حارة، بعثت بها إليه على شكل خطابات، وبالمثل هو بادلها وسرعان ما تحولت تلك الرسائل فيما بعد إلى دستور حب ينهل منه العاشقون أعذب الكلمات وأبلغ المعانى، التى هى نتيجة طبيعية لقصة حب اثنين من عباقرة الأدب العربي.

"التحرير لايف" يرصد لكم مقتطفات من حياة الأديبة اللبنانية ذى الأصول الفلسطينية مي زيادة بالتقرير التالى..

ولدت ماري إلياس زيادة - وهو الاسم الحقيقي لها - في مدينة الناصرة الفلسطينية يوم 11 فبراير 1886، وكانت الابنة الوحيدة لأب لبناني وأم  فلسطينية. 

تلقت تعليمها الابتدائي في "الناصرة"، ثم انتقلت إلى لبنان حيث حصلت على الشهادة الثانوية، ومنها إلى القاهرة عام 1907، لتدخل كلية الآداب ومن ثم تتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، فضلًا عن لغات أخرى مثل الألمانية والإيطالية والإسبانية واللاتينية واليونانية والسريانية.

كانت مي ذات العشرين عامًا آنذاك مختلفة عن بنات القاهرة في تفكيرها وطريقة تحليلها للأمور، إذ كانت مثقفة ومتحررة إلى حد بعيد، ورغم ذلك كانت متحفظة في علاقاتها بالآخرين، منكبة على الدراسة والكتب وفق ما قالته: "أنا امرأة قضيت حياتي بين قلمي وأدواتي وكتبي ودراساتي، وقد انصرفت بكل تفكيري إلى المثل الأعلى، وهذه الحياة المثالية التي حييتها جعلتني أجهل ما في هذا البشر من دسائس"، فأضفى ذلك عليها نقاء الروح وصفاءها، إلى جانب جمال الجسد وانسجامه، أي أن عوامل الجذب لأي أنثى لم تهجر يومًا "مي"، ومع ذلك عاشت كالراهبة في الدير.

ألمت بالثقافتين الشرقية والغربية، وبدأت كتابة المقالات النقدية، فلفتت الأنظار إليها سريعًا حتى ذاع صيتها، وقررت عمل صالون ثقافي كل يوم ثلاثاء في منزلها، ثم انتقل بعد ذلك إلى إحدى عمارات جريدة الأهرام .

وكان "صالون الآنسة مي"، أحد أشهر الصالونات الثقافية التي ارتادها الأدباء والساسة والمثقفون في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حيث كان يحضره كل من: "عباس العقاد، وطه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، وأحمد لطفي السيد، وقاسم أمين، ومحمد عبده، وإسماعيل صبري، والكاتب أنطوان الجميل، والدكتور منصور فهمي".

جمعت "مي" بين جمال الروح والشكل معًا، فكانت أنثى مثقفة جذابة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لذا وقع في حبها كل ما ارتاد صالونها الثقافي، متخذين من "الصداقة الأدبية" فرصة للقائها أسبوعيًّا، إلا أنه لم يجرؤ البعض منهم على التصريح بذلك الحب، واكتفوا بالكتابة عنه على استحياء، وباستخدام الصور البلاغية التي تأخذ المعنى بعيدًا عن الغزل الصريح.

كان العقاد من بين هؤلا العاشقين، فطالما تودد إلى "مي" واصطحبها إلى السينما، ولعلها كانت بطلة روايته الشهيرة "سارة"، والذي قال فيها واصفًا علاقتيهما: "كانا أشبه بالشجرتين منهما بالإنسانين، يتلاقيان وكلاهما على جذوره، ويتلامسان بأهداب الأغصان، أو بنفحات النسيم العابر من تلك الأوراق إلى تلك الأوراق... كانا يتناولان من الحب كل ما يتناوله العاشقان على مسرح التمثيل ولا يزيدان..".

وكانت المفاجأة أن شيخ الأزهر حينها مصطفى عبد الرازق كان من بين الواقعين في غرام "الآنسة"، ولعلنا نستدل على ذلك برسالته التي بعث بها إليه في القاهرة فكتب: "إني أحب باريس، إن فيها شبابي وأملي، ومع ذلك فإني أتعجل العودة إلى القاهرة، يظهر أن في القاهرة ما هو أحب إليَّ من الشباب والأمل".

الشاعر ولي الدين يكن، امتلك من الجرأة ما دفعه للاعتراف صراحة بحبه لها، حيث قال في بيت شعر: "أعلمت الهوى الذي أخفيه؟ أي سر يا مي لم تعلميه؟"، لكن شقيقه حذف كلمة "مي" واستبدلها بـ "في القلب" وهو يجمع ديوان شقيقه.

صحيح أنه كان حبًا على الورق، لكنه ظل الأصدق والأوحد في حياة الآنسة مي، حيث تعرفت إلى الشاعر جبران خليل جبران أثناء إقامته في نيويورك بالولايات المتحدة وقت وجودها في القاهرة، وسرعان ما تبادلا رسائل الحب، رغم أن كليهما لم يرَ الآخر سوى عبر الصحف.

بعثت "مي" برسالة إلى حبيبها تدعوه للعودة إلى القاهرة، قائلة: "تعال يا جبران وزرنا في هذه المدينة، فلماذا لا تأتي وأنت فتى هذه البلاد التي تناديك. تعال يا صديقي، تعال فالحياة قصيرة وسهرة على النيل توازي عمرًا حافلاً بالمجد والثروة والحب"، ورغم ذلك لم يسع كلاهما إلى اللقاء، فوقت أن سافرت "مي" إلى برلين وإيطاليا تجنبت الذهاب إلى نيويورك، وكان الحب القائم على الورق أكثر ملاءمة، حيث يتيح لهما قسطًا من الفضفضة تناسب مي وطريقتها في الحب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل