المحتوى الرئيسى

"ثقافة التنمية" احتلت حيزًا كبيرًا في عرس الكتاب

02/11 11:18

احتلت "ثقافة التنمية" حيزًا كبيرًا سواء على مستوى الكتب أو الفعاليات في الدورة الـ48 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي اختتمت أمس "الجمعة"، خاصة في ما يتعلق بتنمية الشباب وتطوير نظرته المستقبلية ليعبر بذلك عن "حالة ثقافية"، فرضت نفسها بأفكار متعددة في الآونة الأخيرة بحثا عن الغد الأفضل.

وفي هذا العرس الثقافي المصري الذي أقيم تحت شعار "الشباب وثقافة المستقبل"، كان كتاب "الزمان التنموي والتحديث الحضاري"، للمفكر السيد يسين علامة ظاهرة من علامات اهتمام واضح بالفكر التنموي سواء على مستوى مصر أو على المستوى العربي ككل.

وهذا الكتاب الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة يوضح أن "الزمان التنموي" يعني إدراك كل دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية انه ما دام عصر الحروب الكبرى قد انتهى فلا بد من تدشين عصر جديد شعاره الأساسي "التنمية".

والتنمية كما يضيف السيد يسين في كتابه تعني "تنمية المؤسسات القادرة على إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين ورفع مستوى معيشة الطبقات المختلفة"، معيدا للأذهان أن "دولة الرعاية الاجتماعية"، كمفهوم في مجتمعات رأسمالية غربية يعني أن الدولة مسؤولة عن توفير فرص عمل كما باتت "التنمية المستدامة مسؤولية الدولة المعاصرة".

وأوضح الكاتب والمفكر السيد يسين أن النظام السياسي الجديد الذي انبثق عن ثورة 30 يونيو 2013 يعيد في الواقع صياغة دور الدولة ويفسح الطريق واسعا وعريضا لعودة "الدولة التنموية" التي رسختها ثورة 23 يوليو 1952 باعتبار أن مهمتها الرئيسية هي "التنمية الشاملة من خلال القيام بمشروعات قومية كبرى".

ومفهوم الدولة التنموية كما يقول السيد يسين مستقر في التراث العلمي الاجتماعي منذ عام 1982 وقدم الحل لسقوط الرأسمالية التقليدية عندما نشر عالم السياسة الأمريكي كالمرز جونسون كتابه عن "الميتي" وهو اسم مختصر لوزارة يابانية متخصصة في التنمية الاقتصادية.

ومنذ هذا التاريخ لم ينقطع الجدل العلمي حول "الدولة التنموية" التي اعتبر كالمرز جونسون اليابان نموذجا مثاليا لها بينما يقول الأستاذ السيد يسين أن تعريف الدولة التنموية في أدبيات الاقتصاد السياسي، تشير إلى "ظاهرة الدولة التي تقود التخطيط الاقتصادي على المستوى الكلي".

غير أن التنمية بغير التحديث الحضاري هي "طريق مسدود"، كما يقول المفكر السيد يسين، فيما يشدد على أهمية التحديث الحضاري لمؤسسات المجتمع الأساسية وأهمها النظام التعليمي حتى يتفق مع المعارف العلمية الجديدة والمستحدثات التكنولوجية.

وتشكل "شبكة الانترنت" عاملا رئيسا في تناول السيد يسين وغيره من المثقفين المصريين والعرب لقضايا التنمية في العصر الرقمي، فيما يصف يسين هذه الشبكة بأنها ترمز إلى قيام فضاء عام لأول مرة في تاريخ الإنسانية هو "الفضاء المعلوماتي"، معتبرا أنها "أحدثت انقلابا في الحياة الإنسانية المعاصرة".

وتردد مصطلح "الشبكة" غير مرة في احتفالية المنظمة العربية للتنمية الادارية لتوزيع جوائز مسابقتها العالمية في مجال تنمية الشباب أمس الأول "الخميس" في معرض القاهرة الدولي للكتاب واحتل حيزا واضحا في كلمة الدكتور ناصر الهتلان القحطاني المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الإدارية أثناء الاحتفالية.

ولا ريب أن الاستثمار في الموارد البشرية للشباب العربي بنظرة تنموية شاملة وفي بيئة عالمية سريعة التغير يصب في خدمة أهداف المنظمة العربية للتنمية الإدارية التي ظهرت لحيز الوجود منذ عام 1961 كإحدى المنظمات المتخصصة المنبثقة عن جامعة الدول العربية للمساهمة في تحقيق التنمية الإدارية بالدول العربية بما يخدم قضايا التنمية الشاملة في العالم العربي.

والكتاب الفائز بالجائزة الأولى والصادر بعنوان "نحو صياغة خطة قومية لتنمية الشباب"، للدكتورة سهير صفوت ومعها فريق من خمسة باحثين آخرين يتناول قضايا تنموية للشباب تتعلق بالتعليم والخدمات الصحية والعمل دون أن يغفل عن انعكاسات تلك القضايا على الانتماء، فضلا عن علاقتها بعملية التحول الديمقراطي كما عالج بنظرة ثقافية متعمقة انعكاسات متغيرات العولمة على النسق القيمي والثقافي.

وفيما توج هذا الكتاب بخطة عملية على المستوى القومي لتنمية الشباب العربي، فإن كتاب "المشروعات الصغيرة للشباب: ما بعد عصر ريادة الأعمال"، للدكتورة هالة لبيب والفائز بالجائزة الثانية لهذه المسابقة الثقافية يسعى بوضوح لتعريف الشباب بمفهوم ريادة الأعمال وحثهم على تأسيس مشروعات صغيرة.

وتبدو الدكتورة هالة لبيب متحمسة لثقافة المشروعات الصغيرة الشبابية كسبيل تنموي اقتصادي-إجتماعي بمقدوره التصدي لإشكاليات كاشكالية البطالة مؤكدة في الوقت ذاته على أهمية إدارة هذه المشروعات بمقاربات إبداعية وتفكير ابتكاري.

ولئن استحوذت المشروعات الصغيرة والمتوسطة على اهتمام واضح في الثقافة التنموية في الآونة الأخيرة فقد اعتبر الكاتب والأكاديمي المتخصص في الإعلام الدكتور سامي عبد العزيز، أن هذه المشروعات "بيت القصيد في اي تنمية اقتصادية".

وأبدى الدكتور سامي عبد العزيز شعورا بالأسف لأن اسهام هذه المشاريع في الصادرات المصرية لا تزيد عن نسبة قدرها بـ4 في المائة في حين ان صادرات المشاريع الصغيرة والمتوسطة في دولة كالصين تصل إلى نسبة 60 في المائة من مجموع صادراتها.

ومع تسليمه بوجود مشكلة كبرى في المشاريع الصغيرة والمتوسطة بمصر وفاقد جهد ووقت ومال رغم أنها كفيلة بحل مشكلة البطالة عمليا قال الدكتور سامي عبد العزيز أن هناك أيضا "فرصة نجاح"، مشيرا لأهمية وجود "حاضنات استثمار" لتقديم المشورة والدعم للمشاريع الصغيرة، فيما أعاد للأذهان أن اغلب الشركات والكيانات الاقتصادية الكبرى في العالم بدأت بكيانات ومشروعات "متناهية الصغر".

وفي تناول لإشكالية ثقافية في المقام الأول، رأى سامي عبد العزيز أن "شبابنا نقطة ضعف في نظام المشروعات الصغيرة"، لأنهم يريدون- حسب قوله-البدء "من القمة"، فيما "شهية البدايات ومغامرة الخطوة الأولى" لا تستهويهم ولا تستميلهم، كما أن "وسائل إعلامنا في واد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في واد آخر".

وكذلك يبدي الكاتب الصحفي الكبير الدكتور عبد المنعم سعيد اهتماما بمسألة "المعلومات المتعلقة بالانتاجية ومدى المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي"، في سياق التنمية البشرية، معتبرا أن السؤال الكبير هو: "كيف نحشد ونعبء طاقات قومية من اجل الخروج مما نحن فيه؟".

ولا ريب قضايا التنمية متصلة كل الاتصال بمسارات التحديث وبناء الدولة العصرية التي كانت ضمن مطالب خرج المصريون من أجلها في ثورة 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 بينما تتفق العديد من الطروحات حول قضايا التنمية على أهمية التفكير الابتكاري حتى على مستوى تنشيط الصادرات للخارج.

وإذ تتعدد الاجتهادات والطروحات في الساحة الثقافية المصرية والمنابر الصحفية والوسائط الإعلامية المتعددة حول قضايا التنمية ها هو سامي شرف المدير الأشهر لمكتب المعلومات للرئيس الراحل جمال عبد الناصر يقول إن "حقيقة مشكلة مصر منذ الأيام الأولى لقيام ثورة 23 يوليو 1952هي التنمية وبناء المجتمع السليم الذي ينتفي فيه اغتراب الفرد".

وفي حوار افتراضي تصوره مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ونشر أمس الجمعة بجريدة "الأهرام" ذهب سامي شرف إلى أن "مصطلح التنمية"، لم يرد في أي مكان بالعالم إلا بعد قيام ثورة 23 يوليو وتوجيهها الاهتمام إلى هذه القضية التي أصبحت الشغل الشاغل لكل الدول التي حصلت على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية.

وبرؤية سادت في المرحلة الناصرية نوه السيد سامي شرف بأن "سيطرة الشعب على أدوات الإنتاج"، تتحقق عبر طريقين أولهما "خلق قطاع عام قوي وقادر يقود التقدم في جميع المجالات ويتحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية"، وثانيهما "وجود قطاع خاص يشارك في التنمية في اطار الخطة الشاملة لها من غير استغلال"، على أن تكون "رقابة الشعب شاملة القطاعين معا مسيطرة عليهما معا".

وكان السيد يسين قد أوضح ان الدولة التنموية "تتميز بالتدخل القوي في مجال الإقتصاد، بالإضافة إلى سلطاتها الواسعة في مجال التنظيم والتخطيط"، فيما ذهب إلى أن "النموذج الإقتصادي الرأسمالي الكلاسيكي سقط في الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد الأمريكي"، في عام 2008.

وإذا كان من الطبيعي أن يكون السؤال المطروح في العالم هو: "ماذا بعد سقوط النموذج الرأسمالي التقليدي"، فالإجابة التي يقدمها المفكر المصري السيد يسين هي: "لا بد أن تتدخل الدولة اقتصاديا بشكل ما وبدرجة ما".

ولئن انطوت هذه الاجابة على سؤال جديد يثير حيرة علماء الاقتصاد في الغرب ويتعلق بمدى تدخل الدولة في الاقتصاد، فإن السيد يسين يرى ان مفهوم الدولة التنموية قد حل المشكلة من جذورها؛ لأن هذه الدولة "ترسم في الواقع سلفا خريطة تنموية تحدد مجالات الاستثمار التي ترغب الدولة ان يشاركها القطاع الخاص فيها".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل