المحتوى الرئيسى

نبيل مرقس يكتب: لجنة الحكماء بين عزلة المثقف وحركة الجماهير

02/11 10:33

يكتسب المثقف شرعيته المجتمعية والأخلاقية من خلال قدرته على توصيل مجمل أفكاره ومفاهيمه النظرية المجردة وصياغاته لمشاريع التغيير التى يحلم بها إلى قلوب وعقول الجمهور الواسع من العامة الذى يتوق إلى إنجاز هذا التغيير. وتصبح هذه المهمة بالغة الصعوبة عندما يواجه هذا المثقف الحالم بالتغيير جماهير العامة وهم فى حالة من الانتفاض الثورى والجهر بانعدام الرجاء فى جدوى ما هو قائم. ولقد واجه أساتذتنا الأجلاء من قيادات لجنة الحكماء (الأستاذ عمرو موسى، د. يحيى الجمل، د. أحمد كمال أبو المجد، المهندس إبراهيم المعلم، د. نبيل العربى) هذا الموقف المثير للارتباك يوم تقرر أن ينزل عدد من أعضاء اللجنة إلى ميدان التحرير للحوار مع الثائرين (راجع مقال الأستاذ عمرو موسى عن لجنة الحكماء فى جريدة الشروق يوم الأربعاء 25 يناير 2017). ولقد كانت المشكلة الجذرية التى واجهت اللجنة، وقد حضرت عددا محدودا من اجتماعاتها فى جريدة الشروق بدعوة كريمة من د. أحمد كمال أبو المجد، هى غياب القنوات المنتظمة والفاعلة التى يمكن أن تصل بين أفرادها وما يحاولون صياغته من رؤى سياسية وفكرية وبين الجماهير الثائرة فى الميدان. ولم يستطع اللقاء الذى عقد فى جريدة الشروق بين أعضاء اللجنة وممثلى ائتلاف شباب الثورة فى أوائل شهر فبراير 2011 وقد كنت واحدا من المشاركين فيه ( راجع صور هذا اللقاء المنشورة فى جريدة الشروق عدد 25 يناير 2017) أن يعبر بها هذه الأزمة. وظلت أزمة غياب التواصل الإنسانى الحقيقى بين الجماهير فى ميادين الثورة (وفى أماكن العمل الإنتاجى) وبين المثقفين فى أماكن إبداعهم الفكرى والثقافى (التى تميل عادة إلى العزلة والانزواء) تمثل أزمة هيكلية مزمنة فى جميع دورات التغيير الاجتماعى والسياسى فى مصر (منذ عام 1952 وحتى اللحظة الراهنة). تلك الأزمة التى تعوق قدرة المثقف الثورى أو الاصلاحى على تحويل أفكاره وصياغاته الفكرية والفلسفية ومشاريع التغيير التى يحلم بها إلى زخم فعلى يصبح جزءا من حركة الجماهير على أرض الواقع. وذلك خاصة مع ضمور وركود حركة الأحزاب والتنظيمات السياسية فى مصر التى أصبحت عبر سنوات طويلة من الانهاك والاستنزاف والتطويع مجرد امتداد لبيروقراطية الدولة وأدواتها الأمنية الحاكمة. وعندما تغيب أدوات الوعى وإمكانات التواصل الفكرى والثقافى والسياسى الحى والخلاق بين المثقف والجماهير، تصبح الساحة خالية أمام أدوات التلاعب والتحكم الإعلامى والسياسى والأمنى فى حركة الجماهير. وهو ما حدث بالفعل بعد أن تراجع الزخم الثورى الذى فوجئ به الجميع فى يناير 2011 واستعاد الواقع القديم قدرته على ترميم بقايا النظام المتهاوى، وأصبحت الثورة فعلا مؤثما بقوة القانون. وأضحت الساحة فارغة من أى قنوات حقيقية تصل المثقف الراغب فى التغيير بالجمهور الذى يتوق إلى الالتقاء بمن ينير أمامه طريق التغيير (وهو الدور الذى سعت لجنة الحكماء إلى القيام به فى لحظات الانتفاض الثورى العام فى 2011). وأمام هذا المأزق التاريخى فربما لا نحتاج فى اللحظة الراهنة إلى إعادة تشكيل لجان «الحكماء»، وإنما قد يحتاج المثقفون بيننا الذين مازالوا يؤمنون بإمكانية التغيير أن يتخلوا عن عزلتهم وانزوائهم ويعملوا معا على الاقتراب الحقيقى (ذى التكلفة المرتفعة) من واقع الإنسان المصرى المشتكى والمأزوم. وعندها ربما تحدث المعجزة وتعلو أصوات الجماهير الخافتة فى قلوب وعقول المثقفين الذين مازالوا يحلمون بالتغيير، ويصبح المثقف بالفعل جزءا عضويا من حركة الجماهير.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل