المحتوى الرئيسى

م. أحمد فتح الباب يكتب: العدالة والمساواة في المجتمع.. بين التحريف والتحقيق | ساسة بوست

02/11 08:31

منذ 10 ساعات، 10 فبراير,2017

العدالة والمساواة مبتغى لكل إنسان عاقل قادر «مستحق للحقوق وقادر على إعطاء الواجبات»، فالعدالة والمساواة هما عماد كل مجتمع قادر على الاستقرار والاستمرار، وعدم وجود العدالة والمساواة في المجتمع يعد سببًا رئيسيًا في زوال «انهيار» المجتمعات.

بين العدالة والمساواة تبيان واضح وإن التبس الأمر على كثير من أفراد المجتمع، يوجد فارق واضح بينهم لا بد من الوقوف عليه والإيضاح لكل مصطلح منهم، كثيرًا ما يتم العمل من قبل حكومات ومنظمات مستبدة على أن يتم التشويش وعدم الانتباه إلى التباين بينهم حتى يستطيع تثبيت أركان استبداده ومكاسبه الشخصية أو لصالح فئات معينه مقصودة دون الآخرين.

العدالة والمساواة متلازمان في التطبيق لكنهما مختلفان في المضمون، لا يمكن أن يوصف أمر بالعدالة إلا إذا كان أساسه المساواة وإلا أصبحت عدالة وهمية، ولا يمكن لأمر أن يكون مضمونه المساواة دون وجود العدالة وإلا أصبح غير منصف.

الفطرة البشرية ترفض المساواة بمطلقها دون توضيح وتخصيص، وإذا نظرنا للمصطلح مجردًا دون تخصيص بقياسه على الأفراد نجد أنه حقـًا من غير المقبول ولا المعقول أن يتم تطبيقه، فتجد اختلافـًا عينيًا واضحًا بين الأفراد فمنهم ما هو طويل القامة وآخر قصير، منهم ما هو سمين أو نحيف، منهم راجح العقل ومنهم دون ذلك، منهم المجتهد ومنهم المتكاسل، وهكذا على السبيل المثال لا الحصر.

وبسبب هذا الاختلاف العيني بين الأفراد تجد هؤلاء المستبدين يبرزونه ويوضحونه على أساس أن كل مطالب بحقوق العدالة والمساواة هو مطلب غير صحيح ولا يمكن تحقيقه بأن البشر عامة لا يمكن أن يكون بينهم تساوٍ، ودائمًا أبدًا الطرح يأتي بربط المساواة والعدالة عن قصد دون فصل أو توضيح، فهو ادعاء وضرب من ضروب الظلم، فإذا كان هذا الطرح صحيحًا وهذه الطبيعة «الحقيقة» البشرية فلا يمكن للمجتمع بأفراده «خاصة البسطاء منهم» قبول فكرة المساواة والعدالة بمطلقها.

الحديث عن مساواة وعدالة شاملة في المجتمع، تشمل الثوابت والفروع في الحقوق والواجبات «التعليم، المسكن، الطعام، الصحة، توزيع الثروات والمدخلات العامة للمجتمع، الرفاهية، الضرائب، الانتاج، الترشيد.. إلخ»، على ذلك يجب التوضيح والتفسير قدر المستطاع لمبادئ المساواة والعدالة بمفهومها الحقيقي للوقوف على الحق في تفعيل العدالة والمساوة داخل المجتمع.

المساواة هي أن تضع الجميع على نفس خط البداية، بشروط وضوابط أهمها أن يكون خط البداية يقف على الحد الأدنى من الحقوق والواجبات الإنسانية، أي التمتع بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تميز بين الأفراد بسبب الدين واللون والجنس واللغة.

بشكل أكثر وضوح لا بد من المساواة بين جميع أفراد المجتمع في الثوابت العامة للإنسانية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، المساواة في الحق في التعليم، لا بد لكل إنسان أن يكون له الحق في الحد الأدنى من التعليم، ما يمكن به زوال الجهل وليس المقصود بالجهل القراءة والكتابة فقط، بل زوال الجهل بالحقوق والواجبات لكل فرد، حق العلم في القدرة على التفرقة بين الحق والباطل دون اللجوء للمساعدة من فرد آخر لإعطائه الاسترشاد والنصيحة بأي من الأمرين أصح وأفضل.

المساواة في الحق في الطعام، الحد الأدنى لطعام إنساني، طعام يمكن لأي إنسان أن يستطيع به الاستقرار والاستمرار في الحياة دون اللجوء للمساعدة من فرد آخر لإعطائه ما يسترد به قواه وسد حاجته وجوعه، وقس على ذلك المساواة في الحد الأدنى للإنسانية في الصحة، المسكن، الكساء، دائمًا بشرط سد حاجته وعدم إرغامه على اللجوء بطلب المساعدة.

أيضًا مبدأ مهم للغاية من مبادئ المساواة وهو المساواة في إتاحة الفرصة للجميع، المساواة في الحق الكامل لإتاحة الفرصة في مزيد من التعليم أو مزيد من الرفاهية في الطعام والسكن والصحة، والأهم المساواة في فرصة الحصول على الوظيفة، أي وظيفة بالمجتمع كبر أو صغر حجمها وشأنها، ويأتي بعد ذلك دور العدالة في إعطاء من يستحقون المزيد.

وأيضًا من الأمور التي لا بد من وجودها، المساواة في تطبيق القانون، كل فرد من أفراد المجتمع تحت طائلة القانون دون تميز أو محابة لأي فرد، تحقيق المساواة خاصة في العقاب له مردود قوي جدًا في المجتمع من حيث الاستقرار وارتباط المجتمع وعدم وجود انفصال بين طبقاته.

عدم المساواة في تطبيق القانون يجعل العنوان الرئيسي للمجتمع الفوضى والعصبيات العائلية والمالية، إذا حدث تفرقه في تطبيق القانون بين غني وفقير أو بين صاحب منصب حاكم ومحكوم، يؤدي ذلك لا محاله إلى شرخ في صلب المجتمع وفي الانتماء مباشرة، فكيف لشخص يشعر دائمًا بأنه إذا ظلم من شخص آخر في المجتمع ولأنه صاحب مال أو سلطة ينحاز له القانون بتميز واضح وكاشف، تجد دائمًا المجتمع لا يمكن أن يحكمه قانون بل تحكمه الواسطة والمال والعصبيات، فلا يكون مجتمعًا بل تكون غابة عنوانها البقاء للأقوى.

أما عن العدالة، العدالة عامة هي التسوية والتفرقة، هي إعطاء كل ذي حق حقة، بضوابط الإنصاف والاتزان وعدم الانحياز والمغالة في التطبيق، التسوية مع كل ما هو متساو والتفرقة بين كل ما يوجد بينة اختلاف وهذا بشكل عام.

وتأتي العدالة بعد المساواة في الحقوق والواجبات الثابتة الأساسية الإنسانية، بأن يكافئ كل فرد بالمزيد من هذه الرفاهية «الحقوق» على حد اجتهاده وقدراته الخاصة التي هي من المؤكد لا يوجد فيها مساواة مع فرد آخر في المجتمع، وكما ذكرت بضوابط تطبق العدالة، أهمها الإنصاف بين كل الأفراد وعدم المغالة في الإعطاء والرفاهية أو المنع والاستقطاع.

نجد تفسيرًا مبسطـًا في مثال يعلمه الجميع في لعبة رياضية من أشهر الألعاب الآن وهي كرة القدم، مع فارق التشبيه والتطبيق لكن للتبسيط فقط.

داخل الفريق تجد أولاً تطبيق مبدأ المساواة بأن يكون لكل فرد من أفراد الفريق نفس مكان الإقامة «داخل المعسكرات أو النادي»، والطعام والملابس، وللجميع الحق والمساواة في تلقي العلاج والحفاظ على الصحة العامة «وبالتقريب هي تنطبق أو تتشابه مع الثوابت العامة للإنسانية في المجتمع».

ثم تجد بعد ذلك دور العدالة في التفرقة، بمكافئة من يستحقون والأكثر جهدًا وانتاجًا في الفريق بتميزه في اللعب أساسيًا، والأقل جهدًا وانتاجًا في التمرين يجلس احتياطيًا مع التأكيد دون تقليل ذلك من كرامته وإنسانيته شيء أو من حقوقه الثابتة، وتجد أيضًا التمييز يمتد إلى دفع المقابل المادي لكل فرد على حد جهدة وإنتاجه، ولا بد من التأكيد بضوابط الانصاف عدم المغالة.

فإذا حدث تمييز وعدم المساواة على سبيل المثال في الحق في العلاج يأتي ذلك على حساب فرد قد يتسبب ذلك في معاناته بأحد الإصابات حتى تكون سببًا في عجزة عن استكمال اللعب «استمرار الحياة»، وبالطبع ذلك يعود بالسلب علي الفريق «المجتمع» ككل.

وأيضًا إذا حدث تمييز لفرد في إعطائه المزيد عما يستحق لجهده دون ضوابط وإنصاف، فهذا أيضًا يأتي بالسلب على الفريق «المجتمع»، فيخلق ذلك الشعور بالظلم والغيرة «الضارة» التي تصيب الفريق بالصراع بين من أعطي أكثر مما يستحق وبين ما استقطع أو سلب من حقوقه، فقد يصل الأمر لتعمد الإيذاء من بعض الأفراد الواقع عليهم ظلم إلى ذلك الشخص المميز دون عدل أو إنصاف، وهذا يبرز روح العداء والتناحر مما يتسبب في عدم استقرار أو انهيار الفريق «المجتمع».

هذا قياس بسيط للغاية على المجتمع للتبسيط دون الخوض في تفصيل قد نحتاج لبعض التعديل والضوابط بين قضية في صلب المجتمع وبين لعبة رياضية، الموضوع أكبر كثيرًا ومتشعب ومتخلل في كل تفاصيل المجتمع لا يمكن حصره أو حصده في كلمات بسيطة لكنه يحتاج المزيد.

لا يمكن تطبيق العدالة إلا بأساس المساواة بتخصيصها للثوابت العامة الإنسانية وعدم توغلها على الحقوق والاختلاف الطبيعي بين الأفراد، إحياء بعض الأفراد وإعطاؤهم مزيدًا من الرفاهية في حين ترك بعض الأفراد تحت خطوط الإنسانية ما هو إلا ضرب من ضروب الظلم.

فإذا كان الادعاء دائمًا بأنه لا يمكن المساواة بين أفراد المجتمع أمر سيئ، فالأشد سوءًا من ذلك الربط بين المساواة والعدالة على أن لهم المعنى والمضمون نفسه وهذا باطل يراد به مزيدًا من الباطل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل