المحتوى الرئيسى

من يخدع الحكومة فى مشروعات الإسكان الاجتماعى؟

02/11 05:32

عاد محمود حسن من عمله مساءً لأخذ قسط من الراحة بعد يوم عمل طويل، وما إن صعد إلى شقته رقم 14 فى إسكان مدينة بدر الاجتماعى وهم بفتح الباب ليجد النار قد أتت على كثير من محتويات الشقة، ولكنه نجح بمساعدة الجيران فى إنقاذ ما تبقى من المحتويات وكاد يخسر حياته فى الواقعة.

حرر محمود محضرًا برقم 145 إدارى بدر 2017 بتاريخ 20 يناير، ضد جهاز المدينة، بعدما اكتشف أن الحريق نتج عن اشتعال عداد الكهرباء فى العمارة رقم 229 فى حى الياسمين لتحترق 4 وحدات سكنية بسبب سوء خامات العدادات وأسلاك الكهرباء المستخدمة فى بعض العمائر المتواجدة فى مدينة بدر.

محمود ليس الوحيد الذى تعرض مسكنه للدمار، فما يقرب من 239 عمارة فى مدينة بدر من عمائر الإسكان الاجتماعى، أصابت سكانها لعنة إهمال الشركات الخاصة التى فوضت المقاولين فى اختصاصات بنائها، فاستخدموا خامات رديئة لتوفير النفقات وتحقيق أرباح على حساب سلامة السكان، فى حين أن العمائر التى أشرفت عليها القوات المسلحة فى نفس المدينة تم تسليمها لأصحابها دون مشكلات.

القصة كاملة تكشفها «الدستور» فى هذا التحقيق من خلال رصد حالات مشابهة فى 3 مدن جديدة آيلة للسقوط وهى بدر ودهشور و15 مايو.

خامات رديئة فى «إسكان بدر» وشكاوى للرقابة الإدارية

ما يقرب من 300 شكوى جمعها هانى رجب، أحد المقيمين بمدينة بدر وقدمها باسم سكان حى النرجس والياسمين إلى الرقابة الإدارية بعدما ملّوا – الأهالى - الاستغاثة بجهاز المدينة دون أن يقدم لهم أى حلول.

يروى رجب، وهو موظف بإحدى المؤسسات الحكومية، أن شقق الإسكان الاجتماعى التى أشرفت عليها الشركات الخاصة تمثل «كارثة»، إذ إن الشروخ الكبيرة وصلت إلى أعمدة بعض العمائر الرئيسية، وظهرت بعدما تساقطت الدهانات العلوية مع سقوط الأمطار.

هذه ليست المشكلة الوحيدة التى رواها هانى، لكن أيضًا ظهرت الخامات الرديئة المستخدمة فى أسلاك الكهرباء داخل وخارج الوحدات، بالإضافة إلى مشاكل فى النجارة والسباكة والسيراميك، مما أدى إلى اشتعال العداد لوجود ماس كهربى فى 4 شقق سكنية، و«تظل باقى الشقق مهددة لنفس المصير لأن معظم الوحدات لم تسكن بعد ورفض أصحابها تسلمها فى هذا الوضع خوفًا على أبنائهم وأسرهم، وكان من تلك العمائر عمارة 229 حى الياسمين، التى انفجر العداد فيها وحدث ماس كهربى رغم عدم وجود سكان بها».

وأضاف أنه كان من المفترض - بحسب ما أعلنه وزير الإسكان - وجود سخانات تعمل بالطاقة الشمسية ولكن ما حدث أن الوصلات لم يتم تركيبها بسبب أنها «مكلفة جدًا»، بحسب ما أخبرهم مسئولو الجهاز وقام السكان بتركيب وصلتى السخان والغسالة على نفقتهم الشخصية.

«الشقق دى مستحيل تكون لمحدودى الدخل.. دى لمتوسط فيما فوق»، خرجت تلك الكلمات من جابر إسماعيل، موظف حكومى، عانى من ارتفاع المقدم الذى بلغ 30 ألف جنيه، ثم تزايد القسط من 300 إلى 600 جنيه، وهناك من يرتفع قسطها إلى 1000 جنيه شهريًا.

يكمل إسماعيل: الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن جهاز المدينة يطلب الآن تكلفة مد الشبكات وتحميلها على المواطنين بمبلغ 2100 جنيه، بالإضافة إلى ظهور ما يسمى بـ«وديعة صيانة» تدفع مع القسط فيبلغ 6520 جنيهًا مقدمًا وكل تلك التفاصيل لم تكن موجودة فى العقد.

دفع جابر 38 ألف جنيه كمقدم بعدما قدم مفردات راتبه وبعدما قام بحساب تكلفة الشقة وجد أنها بلغت 230 ألف جنيه، فى حين دعم الدولة كان 16 ألف جنيه فقط، كما أن المساحات التى أكد الوزير أنها 90 مترًا لم تكن كذلك فهى أقل بكثير، وهناك مشاكل فى مواسير الصرف التى تحطمت مع أول استخدام لتغرق العمائر فى مياه الصرف الصحى، بالإضافة إلى الشقق التى رضى ساكنوها بالوضع فيقومون بكسر السيراميك وتجديده حتى يتمكنوا من فرش الأثاث.

محمد أبو يوسف، أحد سكان مدينة بدر أيضًا، أكد أن الرشح الذى نال الجدران يزداد سوءًا يوميًا مع وجود تسريب مياه فى دورات المياه، مما يهدد المبانى بالانهيار، وأنه فى آخر اجتماع بين رئيس الجهاز والنواب بالسكان تم فرض 2100 جنيه على كل شقة فى الإسكان الاجتماعى رسوم توصيل مد الشبكات للغاز الطبيعى، فى حين أن جميع السكان المتواجدين فى المدينة يدفعون 2114 جنيهًا مقابل التعاقد فقط دون مد الشبكات الخارجية.

جهاز المدينة: «الأهالى عايزين جنازة ويشبعوا فيها لطم»

واجهنا عمار السيد عطية، نائب رئيس جهاز مدينة بدر، بشكاوى السكان، فأكد أنه لا ينكر وجود بعض المشكلات فى الوحدات التى تم تسليمها، لكنها مشاكل بسيطة، مثل عدم وجود صنبور للحمام أو سرقة مقبض الباب وغيرها من المشاكل التى يسارع الجهاز فورًا لحلها، مؤكدًا أنه لم يتم تسليم أى وحدة غير مطابقة للمواصفات.

وأضاف عمار أن الحريق كان بسبب الاستعانة بـ«فنى» غير متخصص، قام بعمل وصلات بشكل خاطئ، لكنه ليس بسبب استخدام خامات، وأن الجهاز قام بفحص الأسلاك فوجد أنها مطابقة للمواصفات ولا توجد بها أى مشاكل، مؤكدًا أن السكان «مابيصدقوا يلاقوا جنازة ويشبعوا فيها لطم»، وأنهم يميلون إلى تضخيم وتهويل المشاكل الصغيرة، وأن الجهاز قام بإصلاح آثار الحريق على الفور على نفقته ولم يتحدث أحد عن ذلك رغم سرعة إنجاز الإصلاحات.

ووصف التشققات فى الوحدات السكنية بأنها «بسيطة لا تؤثر على العمائر ولا خوف منها»، مضيفًا أن مسئولى الجهاز «يخافوا الله ويتقوه ويراعوا ربنا ومش هيرضوا أذى لحد»، ولذلك يسارع الجهاز لحل أى مشكلة على الفور، ويتصل بالشركات لإصلاحها، لأنه من الطبيعى أن تكون هناك مسافات بين عواميد العمائر «عشان الترييحات»، حسب قوله.

قاطنو «إسكان دهشور»: رمونا فى «الصحرا»

يشكو قاطنو الإسكان الاجتماعى بدهشور، من نفس ما يعانى منه أبناء مدينة بدر، فى المرافق والخدمات وهو ما يؤكده عصام كامل، وهو أحد السكان، وانتقل للسكن قبل نحو 5 أشهر، فأصبح يعانى من ارتشاح المياه على جدران مسكنه، التى ظلت تتنقل من جدار إلى آخر حتى اضطر إلى إصلاح المسكن على نفقته الشخصية فى حين أن هناك من السكان من لا يمتلك المقدرة على ذلك.

 ويستكمل عصام، بأن أقرب مستشفى من دهشور يبعد 22 كيلو مترًا من المدينة الجديدة، وهو مستشفى الهرم، مؤكدًا أن 1000 أسرة، وهم عدد قاطنى الوحدات يعانون خطر المرض وعدم وجود رعاية صحية وتدنى المرافق فى الصحراء المحيطة بهم فى كل جانب دون وجود من ينقذهم، حتى إنه بالرغم من أن المدارس جميعها «مدارس النيل»، تحصل على آلاف الجنيهات كمصروفات إلا أنها ليس لديها المقدرة على تعليم الأطفال بجانب عدم وجود مدارس حكومية قريبة. 

وأكدت فايزة محمد أن الوحدة السكنية التى قامت باستلامها تعانى من مشاكل السباكة التى أدت إلى ارتشاح فى جميع الجدران لديها، وأن الجيران أيضًا يعانون نفس المشاكل مما أدى إلى أن السقف الخاص بها أصبح مهددًا بالسقوط وتتساقط منه المياه ويحتاج إلى علاج جذرى، فى حين أنها لا تملك المقدرة المادية لذلك، كما أن أطفالها لا يجدون مدارس حكومية قريبة، فتضطر إلى إلحاقهم بمدارس بالهرم رغم طول الطريق مما يزيد عبء الدراسة والاستذكار عليهم ويعرضهم للخطر لبعدهم عن منازلهم.

وناشدت المسئولين ضرورة توفير المرافق قائلة: «لما إنتوا مش مجهزين مكان آدمى للمعيشة.. بتسلمونا الوحدات ليه.. رمينا فى صحرا ليه».

أكد طارق بدوى، أحد قاطنى إسكان العبور، التابع لصندوق التمويل العقارى، أنه قام بدفع 29 ألف جنيه كمقدمة للوحدة السكنية التى تبلغ 63 مترًا، على الرغم من أنه يعتبر إسكانا اجتماعيا لمحدودى الدخل، ولكن تم تحويل التعامل للبنك بدلًا من الصندوق، وعانى من سوء التشطيبات حيث استلم الشقة الخاصة به ليقوم بأعمال السباكة والنقاشة وإقامة المواسير من جديد، لسوء حالتها ومستواها.

وأضاف بدوى أن المواصلات تعتبر «مصيبة» خاصة أن لديه ابنًا فى مدرسة بعيدة يضطر إلى ركوب «توك توك» يدفع 20 جنيهًا ذهابًا وإيابًا فى اليوم الواحد، بخلاف مصروف المدرسة والطعام وغيرها من التكاليف بما يعادل 40 جنيهًا فى اليوم، وكذلك الوحدة الصحية «المهجورة» فى العبور.

إلى 15 مايو، حيث تقدم هيثم شريف، وهو محام يسكن المدينة، بشكوى إلى رئيس الجهاز، يطالب فيها بإجراء مناقصة بين شركات النقل الجماعى لتوفير «وسائل مواصلات آدمية، لأنها تعتبر منعدمة»، حسب قوله، موضحا أن السكان يتعرضون للتكدس فى أتوبيسين فقط، طوال اليوم، ومن بينهم أطفال. ويحكى عن حادثتين لسقوط طفل وراكب من الحافلة.

مشروع إسكان اجتماعى الرسوة ببورسعيد، أطلق عليه السكان مشروع الموت بسبب ما يلاحقهم من أذى، لعوامل متعددة لم تتم مراعاتها أثناء إقامة المشروع، رغم أنه يندرج تحت مشروع المليون وحدة سكنية الذى دعمته الإمارات.

وأكد هيثم وجيه طويلة، منسق عام متضررى إسكان بورسعيد، أن المشروع على حافة كارثة بيئية، بسبب وجود مصانع بيتروكيماويات وأسمنت بجواره، تنبعث منها مؤثرات ومواد قاتلة، تصيب الأطفال بأمراض خطيرة وحساسية، وهو ما أثبتته هيئة الطاقة الذرية فى تقاريرها حول المنطقة.

واستكمل أن وجود الوحدات السكنية بجوار بوابات الجمارك، يعطلهم، حيث يتعرضون للتفتيش يوميا، وللتأخر فى أيام الكثافة مثل شهر رمضان والأعياد والمواسم، مستنجدًا بالمسئولين لإيجاد حل ينقذ الأهالى.

استشارى هندسى: يجب تشكيل لجنة للمعاينة

«الدستور» عرضت الصور والفيديوهات التى تشير إلى تشققات وتصدعات فى العمارات بالمدن الجديدة، والتى حصلنا عليها من المواطنين هناك ومقدمى الشكاوى- على المهندس حمدى سطوحي، الاستشارى الهندسى، الذى أوضح أن التشققات إذا كانت بطول العمائرفهناك خطورة على المبنى، وأن الهندسة لم تترك شيئًا دون حل، فالتقنيات الحديثة لم تترك شيئا إلا أوجدت له طريقة لمعالجته وحتى إن كانت المدن الجديدة يوجد بها مناطق تعانى من مشاكل، فيمكن اللحاق بها وإنقاذها والاهتمام بها.

وأشار إلى أنه من الممكن أن تكون تلك الشقوق ناتجة عن هبوط أرضى للمشروع، وأن القلق سيزداد فى حالة اتساع تلك الشقوق بعد ترميمها، منوهًا بأن ما حدث غير مقبول، خاصة أنه ناتج عن الاستشاريين والمقاولين والشركة المنفذة، ففى العرف السائد، لابد أن تكون هناك فترة ضمان للمبنى، تمتد 10 سنوات بعد تسليمه.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل