المحتوى الرئيسى

قضايا السينما العربية فى برلين!! | المصري اليوم

02/10 23:01

مسحة السياسة تظل دائماً تغلف مهرجان برلين مثلما نراها فى الكثير من أوجه الثقافة وفى كل الأنشطة على مختلف الأصعدة، كانت وستظل قدرة المهرجانات هى ألا تُصبح صدى للموقف السياسى العابر حتى لو امتد بضع سنوات أو حتى عقود، تلك كانت وستظل هى الدلالة على صحة المهرجانات.

مهرجان برلين انطلق كأحد توابع نهاية الحرب العالمية الثانية التى استُخدمت فيها كل الأسلحة بعيدا عن مشروعيتها، فلا توجد فى العالم كله حرب يمكن وصفها بالشريفة. «برلين» يقف فى نفس الصف مع أهم المهرجانات الثلاثة الكبرى. الآخران طبعا «فينسيا» و«كان»، حتى لو حل تاريخيا فى المركز الثالث بعدهما، فهو واحد من نتائج الحرب الباردة بين القوتين العظميين أمريكا وروسيا «الاتحاد السوفيتى» سابقا، ولا يمكن تصور أن السياسة هى التى تتحكم وتحكم ولها اليد العليا فى اختيار الأفلام والتكريمات والندوات، وإن كان إغفالها تماما لا يستقيم مع واقع الحال.

هناك انحياز سياسى يدعمه الفن، وهو فى تلك المساحة مقبول جدا، بل مطلوب أيضا، لأنه ينبغى أن يتوفر هدف أسمى للرسائل التى تقدمها الأفلام بوجه عام، ويجب احترامها مع تعدد زوايا الرؤية، إنها الحرية فى أسمى معانيها، هكذا أرى قيمة الفيلم السينمائى، وهكذا أرى فيلم الافتتاح «جانجو» الذى يتناول حكاية موسيقار استثنائى فى التاريخ المعاصر، يعزف على الجيتار ويضع ألحانه التى تعبر عن أحلامه وأشجانه ويقود فرقته الموسيقية، وتتم مطاردته من قبل النازيين، بعد اقتحامهم باريس فى الحرب العالمية الثانية، فهو من أصول غجرية ويقدم موسيقى تعبر عن هذه البيئة التى عاشها، إيتان كومار، المخرج الفرنسى، فى أول تجربة له وإن كان لديه الكثير من الأعمال الفنية ككاتب وأيضا كمنتج مثل «مكتوب» للمغربى نبيل عيوش، وأيضا «تمبكتو» للموريتانى عبدالرحمن سيسايكو، والفيلم الأخير حقق الكثير من الجوائز للسينما العربية، وأهمها «سيزار» فى المسابقة الفرنسية، والتى تماثل- مع اختلاف طبعا- القيمة الدعائية «الأوسكار» الأمريكى الذى يقف فى المركز الأول كأهم تظاهرة سينمائية فى العالم ينتظرها ويتابعها الجميع، رغم أنها فى الأساس مسابقة وطنية تخص فى القسط الأكبر الفيلم الأمريكى، ولكن هووليود أيضا كصناعة ثقافية نجحت فى فرض سياستها على العالم لتقف فى أول الصف.

فيلم «جانجو» الفرنسى أحد أوجه مناصرة المظلومين والمهمشين والمقهورين فى العالم، وكأن المهرجان لايزال يمسح خطايا الماضى القريب، أصبحت ألمانيا تُشكل أكبر المدافعين عن المقهورين، وهكذا اختارت إدارة المهرجان فيلم الافتتاح، الذى يشارك أيضا فى المسابقة الرسمية، الذى تجد فيه مجتمع الغجر الذين عانوا، ولايزالون، فى العديد من الدول، ويسعون للحصول على حقوقهم، ومنها الاعتراف باللغة والموسيقى، وأسند المخرج البطولة إلى مالك كاتب، الممثل الجزائرى، حيث يؤدى دور عازف جيتار من الغجر يعيش فى باريس، أثناء الاحتلال الألمانى فى الحرب العالمية الثانية، ولا تصبح معركته هى إنقاذ نفسه أو عائلته الصغيرة بقدر ما هى إنقاذ البلد، كما أن حرصه على نشر موسيقاه يتحول أيضا لوجه من وجوه المقاومة، الموسيقى دائما حاضرة بقوة فى الأحداث، فهى سلاح البطل ودلالة على صموده.

وبالطبع الفيلم يستحق مساحة أكبر، إلا أنه حقا يحمل فى أحد معانيه الاختيار الأوفق فى تلك الدورة التى تحمل رقم 67، حيث تقف ألمانيا دائما فى صف الأقليات والمبعدين والمهمشين، وبينما مثلا تضيق الأبواب أمام اللاجئين من العديد من دول العالم، وعلى رأسها سوريا والعراق، تفتحها ألمانيا، ولا يمكن النظر إلى هذا الموقف بعيدا عن سياقه، فهو ليس موقفا شخصيا من المستشارة الألمانية ميركل، ولكنه يعبر عن توجه أغلبية، وهذا منطقى وطبيعى أن تجد من يقف من كل ذلك على الشاطئ الآخر ويرى الخطر الأكبر فى فتح الباب.

الإجراءات الأمنية زادت عن العام الماضى، فلم يكن هناك مثلا تفتيش للحقائب مثلما يجرى فى مهرجان «كان»، ولكن هذه المرة فى برلين حدث ذلك فى أكثر من موقع بالمهرجان، وهو حق مطلق للجهات الأمنية ولكن لايزال برلين أقل تشددا من «كان».

وبالمناسبة يحرص «لوجو» المهرجان، والذى يُعرض قبل أفلام المهرجان يوميا على أن يضع اللغة العربية ضمن 8 لغات رئيسية تُكتب على الشاشة، بعبارة «المهرجان يُقدم» وذلك مثلما حدث فى العام الماضى، كما أن هناك تعددا للوجوه العربية والأطياف، لاشك أنها تحمل توجها سياسيا فى عمقه الحقيقى، ولكن هناك أسماء أيضا وإطلالة هامة عربية، مثلا فى العام الماضى عُرض للمخرج السعودى محمود الصباغ فيلمه الروائى الأول «بركة يقابل بركة» فى قسم «البانوراما»، ويتم اختياره هذا العام كمشارك فى لجنة تحكيم «العمل الأول».

وفيلم «بركة» هو أجرأ فيلم خليجى، وليس فقط سعودى، فى الطرح الاجتماعى، حيث أغلب تلك الأفكار تقابل فى العادة برفض واضح من المجتمع، ولكن ينبغى أن يتم الطرق على الأبواب بأسلوب ساخر، ومن خلاله يتم تمرير الرسائل، أيضا المنتجة التونسية درة بوشوشة فى لجنة التحكيم الرئيسية، لها أيضا مشاركات متعددة فى المهرجان آخرها «بنحبك هادى» العام الماضى، كما أنها رأست أكثر من دورة مهرجان قرطاج السينمائى الدولى، وهكذا تتعدد المساهمات العربية التى أشار إليها أغلب الزملاء، ولكن ليس عربيا بقدر ما هو دعوة للوقوف مع الجميع وكل الأطياف وبقدر المستطاع، مثلا جعفر بناهى المخرج الإيرانى الممنوع من السفر، بل ومن ممارسة المهنة بحكم قضائى، حصل على أكثر من جائزة وآخرها ذهبية برلين قبل عامين عن فيلم «تاكسى»، ويواصل المهرجان موقفه الصلد ضد الإرهاب الذى يتدثر عنوة بالدين، وهكذا مثلا فيلم «تحقيق فى الجنة» للجزائرى مرزاق علواش، وهو فيلم تسجيلى طويل، وفى العام الماضى عرض الفيلم الطويل «الطريق إلى اسطنبول» للجزائرى أيضا رشيد بوشارب. ويبقى الحديث عن السينما العربية الحاضرة بقوة هذه الدورة.

وهناك حلقة نقاش عن السينما العربية عنوانها «التحديات والفرص» تُعقد عصر اليوم «السبت» على هامش المهرجان، بمبادرة ومجهود ودأب من المحلل السينمائى علاء كركوتى من خلال شركته ماد سوليوشن، عرفت علاء قبل أكثر من 20 عاما زميلا صحفيا يهتم بالأرقام وتحليلها وظلالها، كما أنه كان مدير تحرير لمجلة «جوود نيوز» التى كان يصدرها الكاتب الصحفى عماد الدين أديب، علاء دائما هو الذى يلتقط المعلومة ويعمل على تحليلها من خلال اقتصاديات السينما العربية، وهو مثل الراحل رفيق الصبان، سورى الهوية، ولكنه مثل الراحل الناقد والكاتب الكبير د. رفيق الصبان، مصرى الهوى، وهكذا هو أيضا، كان الصبان ينطلق دائما من نقطة ارتكاز السينما المصرية، وهو ما فعله أيضا كركوتى، حيث إن انطلاقه عربيا ودوليا من القاهرة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل