المحتوى الرئيسى

البلطجية الجدد فى شارع النزهة

02/10 22:12

لسبب ما غير معلوم، أو لعله معلوم لكنه يسبب الحرج ويولد الكسوف ويؤدى إلى الزعل والعكننة، وربما المواجهة ومن ثم المصارحة، وجميعنا يعلم أننا شعب مكسوف بالفطرة وحساس بالسليقة وتدب الحمرة إلى وجنتيه كلما باغتنا الأشرار بالحقيقة العارية، أو صدمنا الكفار بالواقع الأليم، نسعد ونفرح ونهلل حين يستيقظ المارد من نومه العميق وينزل إلى الحلبة، فيضرب هذا ويفرتك ذاك ويصارع هؤلاء وينازل أولئك. نفرح ونجلس على مقاعد المشاهدين ويُهيأ لنا أن المارد سيبقى معنا ليدرأ عنا شر الأشرار ويدافع عنا ضد كل باغٍ. لكن المارد يعاود اختفاءه، ونجد نحن أنفسنا فى حالة ثبات انفعالى شديد، فلا سبات المارد يطرح أسئلة حول أسباب هذا النوم العميق، ولا معاودته الظهور تدفعنا لطرح أسئلة حول مبررات البزوغ. كل من يسكن فى مربع تقاطع شارعى الثورة والنزهة فى حى مصر الجديدة يعلم تمام العلم أنه وقع فى قبضة الـ«نيو بلطجية» (مثل النازيين الجدد والليبراليين الجدد وغيرهم من معتنقى أيديولوجيات قديمة تعاود الظهور بشكل حداثى). وتتمثل ملامح الـ«نيو بلطجية» أو «البلطجية الجدد» فى انتمائهم إلى طبقات اجتماعية ليست بالضرورة من تلك التى تقطن قاعدة الهرم الطبقى، وتوغلهم فى مجتمعات وتجمعات وأحياء حديثة العهد نسبياً بالبلطجة كأسلوب حياة، بالإضافة إلى بسط سطوتهم وتأكيد سيطرتهم عبر منظومة كاملة متكاملة من الفساد من ساسهم إلى رأسهم. تستأجر محلاً تجارياً أو تشتريه، ثم تبدأ فى إخضاعه لعمليات تعديل وتغيير، فقد تهدم عموداً خرسانياً أو تقرر أن تفتح السقف على الشقة أعلاه لتحوله إلى طابقين فى عمارة سكنية. وقد تقرر أن تركب مدخنة، أو تستولى على الرصيف، أو تعلن نصف حرم الشارع جزءاً من محلك لزوم إيقاف سيارات زبائنك. أما سكان العمارة فعليهم ضرب رؤوسهم فى أقرب حائط فى حال اعترضوا أو امتعضوا. وبالطبع لا يقوى أحد منهم أن يسألك «تِلت التلاتة كام؟!» فأنت غير مجبر على الإجابة لأسباب عدة؛ أولاً: أنت حتماً مسنود، إن لم يكن بالمعارف حيث فلان بك وعلان باشا، فأنت معروف بكرمك الحاتمى مع صغار المسئولين عن إزالة المخالفات. ثانياً: المعترضون يعرفون فى قرارة أنفسهم أنهم، فى حال خلو قائمة المعارف من فلان بك أو علان باشا، فبلاغهم والعدم سواء. ثالثاً: قواعد العقل والحكمة تحتم على الإنسان أن يحسبها صح كى يعيش صح. فدخولك معركة نتائجها محسومة لصالح الخصم إهدار للوقت وإجهاد للأعصاب وإفساد للحياة. هذا المربع حيث ترتع أيديولوجيا الـ«نيو بلطجية» تحت مسمع ومرأى من كل مَن مِن شأنه أن يسيطر أو يحجم أو يواجه هذا التوغل، نموذج مصغر مما يحدث فى أنحاء عدة فى مصر من موافقة رسمية ضمنية على هيمنة البلطجة، ورعاية حكومية غير مكتوبة لإعلاء قيمة العضلات وتحقير معنى القانون وقيمته. مقتل الشاب فى كافيه شارع النزهة حادث بشع، لكنه فى ضوء مشهد المخالفات واستحلال الملكية العامة واغتصاب حقوق السكان متوقع، ولم تكن المسألة إلا مسألة وقت، وللعلم لن تكون الأخيرة، وإن لم تتكرر فى شارع النزهة، فستتكرر فى شوارع أخرى كثيرة. على مرمى حجر من كافيه شارع النزهة دوريات أمنية توجد أحياناً، تستوقف السيارات وتستفسر عن الرخص وهذا شىء رائع. لكن بينما يستوقف الضابط أو الأمين السيارة، يبرق صبية صغار بسرعة جنونية بدراجات نارية لوحاتها الرقمية تتراوح بين «صلى على النبى» و«توكلت على الله». فى الوقت نفسه، وعلى الجانب الآخر، وتحديداً أمام الكافيه الذى شهد مقتل الشاب، سيارات تقف صفوفاً ثانية وثالثة تحت رعاية السياس و«أمن» المقاهى. والحق يقال إنه فى حال مرور السيد رئيس الجمهورية فى شارع الثورة المتاخم، يجول ونش المرور للتحذير لإجبار السيارات على الانزواء فى الشوارع الجانبية، لا سيما أنه يجرى تفريغ شارع الثورة من سياراته المخالفة التى تلجأ إلى شارع النزهة. وقبل حادث شارع النزهة وكلما سألت ضابطاً هنا عن أسباب ترك المرور «يضرب يقلب»، يرد أنه تابع لـ«الانتشار السريع» وهذا ليس من مهامه، أو آخر هناك عن مخالفات المقاهى وتحويلها حياة السكان إلى عذاب على مدار الساعة فيرد أن هذا ليس من اختصاصه. اختصاص من إذاً تطبيق القانون؟ وإذا كان البلطجية الجدد يعملون نهاراً جهاراً فى مرمى بصر أولى الأمر، فكيف يمكن للمواطنين العاديين أن يشعروا بالانتماء للوطن أو الثقة فى المستقبل، أو حتى بالأمان والثقة فى أن الحقوق يمكن أن تعاد؟! حق الشاب الذى قتل على يد «فزاعة» لن يعود بالموجة الشرطية العاتية لإزالة مخالفات مقاهى شارع النزهة. وماذا عن البيئة العامة المتصلة بعمل هذه المقاهى من نادلين و«مسئولى شئون الشيشة» والسياس المهيمنين على الشارع؟ وهل هناك من يصدق أن موجة الضبط والربط ستستمر؟ أم إنها لزوم شَدة الغربال؟ ويكفى أنه بينما فورة التفتيش على مقاهى شارع النزهة من جهة اليمين تدور رحاها، فإن شارع النزهة من جهة اليسار عبارة عن «سويقة». فبين صاحب معرض سيارات اعتبر الرصيف والشارع جزءاً من معرضه، وموقف ميكروباص من ذوى «قدامى البلطجية» يتمدد ويتوغل فى الملف جهة ميدان الساعة ما يتسبب فى شلل كامل للمرور، وولادة موقف سيارات ثُمن نقل على الجهة المقابلة، يتحول الشارع إلى عقدة مرورية كاملة، وذلك على مرمى حجر (وربما حجرين) من قسم الشرطة الواقع على طريق الأوتوستراد. والسؤال الآن: لماذا يستيقظ المارد فجأة ويعاود غيبوبته فجأة أيضاً؟! ولماذا يترك البلطجية الجدد يتغلبون عليه؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل