المحتوى الرئيسى

كريم درويش يكتب: وشَرُّ الأغنِيةِ ما يُهلِك! | ساسة بوست

02/10 20:25

منذ 1 دقيقة، 10 فبراير,2017

اليوم، لا يكاد يعدو علينا وقت إلا ونسمع فيه ألحان الأغاني والموسيقى التي تمتلئ بها الأماكن العامة، وتصخب بها الحفلات، وتصدع بها سماعات السيارات في كل الطرق، وترن بها الهواتف المحمولة، بل أكاد أسمع صوتها الخافت عبر سماعات الأذن التي يرتديها الرجل البالغ من العمر الأربعين، والذي يجلس بجانبي في وسيلة المواصلات!

ولأشد عجبي ممن ينسجمون ويتمايلون معها في الشوارع، ويرددون كلماتها كاملة كأنهم يحفظونها منذ أعوام، وممن يعشقون المغنيين، ويحفظون أسماءهم كأسمائهم؛ بل أكثر، وممن يسيرون مرتدين سماعات الأذن طوال الوقت، وخاصة سماعات الأذن العملاقة (Beats) التي تظهر شركاتها المنتجة لتخبرنا بأنها تصدر أنقى صوتٍ سوف تسمعه! بل ما أزال أتذكر أحد المشاهد التي وقعت أمامي العام الماضي عندما حدثت إحدى المشاجرات واتجه البعض لمحاولة حلها، بينما وقف ثلاثة من الشباب من بعيد يرقبون ما يحدث، ثم لم يلبثوا أن ارتدوا سماعات الأذن وتابعوا سيرهم ومزاحهم، وكأن شيئًا لم يحدث! ومنذ ذلك الحين بدأت أتساءل، كيف تؤثر الأغاني بهذه الصورة في البشر؟ بل كيف تتحكم بهم؟ ولماذا يلجأ البشر إلى سماعات الأذن بهذه الطريقة.

وبعد محاولات للبحث عبر صفحات الإنترنت والمقالات والأبحاث العلمية، وجدت بعضها ممن يتحدث عن تأثير الموسيقى والأغاني في كيمياء المخ، ففي دراسة نُشرت في الخامس والعشرين من ديسمبر 2010، وجد الباحثون أنه عندما يتوقع الإنسان أن الجزء القادم من الموسيقى سيقوم بالتأثير فيه لدرجة كبيرة، فإن نشاط منطقة Caudate Nucleus يزداد بصورة ملحوظة، وكذلك العديد من المناطق الأخرى بالمخ، ويصاحب ذلك إفرازٌ أكثرَ للدوبامين– Dopamine، وهو ناقل عصبي قوي جدًّا في التأثير على مزاج الإنسان، ويؤدي دورًا رئيسيًّا في الإحساس بالمتعة والإدمان!

ولكن هل الأمر حقًّا كذلك فحسب؟ أم هناك ما يؤثر في الإنسان بصورة أكثر ضررًا؟ في رأيي، هناك في مجتمعنا العربي خطرٌ أعظم يكاد يصيب شباب هذا العصر ويدحض عزيمتهم، خطر لا نشعر به ولا نتوقع وجوده، إنه خطر الصورة الذهنية.

يُعرف الدكتور علي عجوة -أستاذ العلاقات العامة والعميد السابق لكلية الإعلام جامعة القاهرة- الصورة الذهنية على أنها «الصورة الفعلية التي تتكون في ذهن الفرد عن نفسه، أو عن غيره عن المنشآت والمؤسسات المختلفة، وقد تكون هذه الصورة من التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وقد تكون عقلانية أو غير عقلانية، وقد تعتمد على الأدلة والوثائق، أو الإشاعات والأقوال غير الموثقة، ولكنها في النهاية تمثل واقعًا صادقًا بالنسبة لمن يحملونها في رؤوسهم».

وقد ذكر الفنان الأمريكي جيف كونز أن هناك خمسة أنواع للصورة الذهنية منها الصورة المرغوبة، وهي الصورة التي يودها الشخص أن تكون في أذهان الناس! والصورة المثلى وهي الصورة التي يتمنى الفرد الوصول لها، وإن كانت مستحيلة.

ولذلك لا تعجب كيف يكون الشخص يائسًا ومستسلمًا وهو يستمع لكلمات الأغاني المصرية «الدنيا ماشية بظهرها، حطت عليّا»! فهو لا يلبث أن يكررها ويكررها حتى يؤمن بتلك الكلمات البسيطة، ويضع نفسه موضع الضحية التي قتلتها الدنيا ومآسيها، وكذلك لا تعجب لمن احتذى حذو العاشق الرومانسي الذي يسمع لإحدى الأغاني الهادئة، ويتخيل نفسه وهو يرقص مع عشيقته ممسكًا بيدها أمام ضوء القمر! فهكذا يضع الإنسان لنفسه صورة ذهنية من الأنواع التي ذكرها جيف كونز بما يحقق احتياجاته، فمنهم من يود الشعور بالعاطفة والحب، فيلجأ إلى تلك الأغاني واهمًا بما يرغب، ومنهم من يبرر كسله وعجزه ويلقي اللوم على الدنيا وقسوتها، وآخرهم من يحيا في ضوء الإيجابية والتفاؤل والأمل دون حركة وسعي واجتهاد! ويظل مجتمعنا في سبات عميق، في عالم وهمي خلقه كل شخص لنفسه.

أما آن أن يسترد الجميع وعيه؟ وأن نتخلى عن سماعات الأذن هذه للحظات وندرك حقائق مجتمعاتنا وعالمنا؟ بل أن ندرك ذواتنا أولًا، ونتخلى عن تلك الصور الذهنية التي رسمها كلٌّ منا لنفسه طوال حياته؟ أن نتوقف للحظات دون موسيقى ودون أغاني لننظر بداخلنا ونتفكر؟ أن نواجه مخاوفنا ونرسم مستقبلنا؟

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل