المحتوى الرئيسى

سيارات الحكومة تحرق 900 مليون جنيه سنوياً

02/10 19:39

«الذين يقولون ما لا يفعلون» هذا هو أدق وصف ينطبق على المسئولين فى مصر، ففى الوقت الذى يملأون فيه الدنيا ضجيجاً بالحديث عن ضرورة التقشف، نجد مواكبهم وسياراتهم الفارهة تناقض ما يقولون، سيارات من أحدث الطرازات العالمية، مستوردة من الخارج، بنزين وإصلاح وزيوت، كله على حساب الحكومة، والتقشف من نصيب المصرى الفقير فقط، ففى الوقت الذى يجد الموظف الغلبان نفسه مضطراً لتخصيص نصف راتبه لبند المواصلات، نجد الوزير الذى يتقاضى 35 ألف جنيه شهرياً، يستقل سيارات الحكومة الفارهة التى يتخطى سعر معظمها حاجز المليون جنيه، بل إن هناك وزارات يتقاضى معظم العاملين فيها الملاليم، بينما يخصص للوزير أسطول سيارات بالملايين.

ونتيجة لهذا التناقض تقدم النائب الوفدى الدكتور محمد عبده باقتراح ببيع سيارات الوزراء الفارهة فى المزاد لسد عجز الموازنة، وتخصيص سيارات عادية لهم، إلا أن طلبه لم يلق قبولاً من البرلمان الذى ضرب عرض الحائط بكل خطط التقشف وراح يشترى 3 سيارات مصفحة لرئيس المجلس والوكيلين بحوالى 18 مليون جنيه، بالإضافة إلى 17 سيارة أخرى لكبار موظفى المجلس، وطبعاً كله على حساب الشعب الفقير، ويكفى أن نعرف أن خزانة الدولة أنفقت 894 مليوناً و667 ألف جنيه عام 2014/2015على وسائل نقل كبار المسئولين والوزراء، وبعد ارتفاع أسعار المحروقات فسيزيد هذا الرقم ولا عزاء للمواطن الفقير.

فى الوقت الذى وصف فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى، مصر بأنها أصبحت فقيرة قوى قوى قوى، نجد مواكب وزرائها تؤكد عكس ذلك، فيكفى أن نعلم أن كل وزير يستقل سيارة لا يقل ثمنها عن نصف مليون جنيه، وهناك من يستقل سيارات أغلى من ذلك بكثير، والمشكلة ليست فى السيارة التى يستقلها الوزير إنما فى الموكب الذى قد يصل إلى 7 سيارات تضم حاشية الوزير، وطاقم الحراسة الخاص به، وفى الأيام القليلة الماضية تم تسريب ميزانية مجلس النواب ليتم الكشف عن أكبر تحد لخطط التقشف التى اعلنتها الحكومة، حيث تبين أن المجلس قام بتخصيص 22 مليون جنيه لشراء 3 سيارات مرسيدس مصفحة تخصص لرئيس المجلس ووكيليه، سعر الواحدة منها 393 ألف يورو، أى ما يعادل 3 ملايين و340 ألف جنيه للواحدة، بالإضافة لدفع مقدمات شراء 17 سيارة لكبار موظفى المجلس منها عدد 2 ميكروباص، بمبلغ إجمالى يصل إلى 54 مليون جنيه، هذا فى الوقت الذى أعلن فيه المجلس حالة التقشف، وطلب من الصحفيين الذين يقومون بتغطية أنشطته إحضار رزمة ورق لتصوير جدول أعمال وأنشطة اللجان بالبرلمان.

وحالة التناقض ليست فى البرلمان وحده وإنما فى كل الوزارات، فوزارة الأوقاف التى يعمل بها عدد كبير من الخطباء مقابل 400 جنيه فى الشهر خصصت لوزيرها 7 سيارات فارهة لتنقلاته، واثنين للعلاقات العامة بالوزارة، أما وزارة الزراعة التى يعمل بها عدد كبير من الموظفين بنظام القطعة وترفض الوزارة تعيينهم بحجة ترشيد النفقات، فبها 5 سيارات لمكتب الوزير 2 منها «بى إم دبليو» و2 «ميتسوبيشى» والأخيرة «مرسيدس».. ووزارة التربية والتعليم التى تعانى من مشكلات عديدة انعكست على العملية التعليمية برمتها يستقل وزيرها سيارة مرسيدس بنز لا يقل سعرها عن نصف مليون جنيه.

كما خصصت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات سيارة مرسيدس موديل 2009 لوزيرها، بالإضافة لسيارة أخرى احتياطية 4×4.. أما وزير الشباب والرياضة فله سيارتان فارهتان، إحداهما كانت مخصصة لوزير الشباب والأخرى لوزير الرياضة، وبعد ضم الوزارتين أصبحتا من نصيب المهندس خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة.

ومواكب الوزراء تختلف من وزير لآخر، حسب درجة حساسية وزارته، ولكنهم يتساوون جميعاً فى أن مواكبهم لا تنم عن حالة التقشف التى يطالبون المصريين بها، حتى إن الدكتور عماد مهنا رئيس اللجنة المركزية لمجلس علماء مصر المستقيل أكد فى تصريحاته أن راتب الوزراء فى مصر يصل إلى 3 ملايين جنيه بسبب المكافآت الخاصة التى يحصلون عليها، وبدلات السفر والإقامة، بالإضافة إلى أطقم الحراسة والسماعات اللاسلكية والمواكب التى تحيط بهم والتى تصل إلى 4 سيارات تتحمل الدولة تكلفة تسييرها، والسيارات وأطقم الحراسة التى تخصص لأسرهم بزعم حمايتهم من الإرهاب.

هذه المواكب التى تتحدى التقشف تؤكد للمصريين كل يوم أنهم يعيشون فى واد ووزراؤهم فى واد آخر، بل إن الحكومة التى أعلنت مراراً خطط التقشف وأكدت فيها عدم شراء سيارات جديدة، خالفت خططها.. وهو ما دفع النائب محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، إلى التقدم بسؤال للمهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء بشأن الإنفاق الحكومى على شراء السيارات فى الحساب الختامى لموازنة العام المالى 2015/2016، وأيضاً خطة الموازنة لعامى 2016/2017، مطالباً بضرورة تشديد الرقابة على عمليات شراء السيارات، لضبط إنفاق الدولة وتطبيق خطة التقشف وترشيد النفقات، تماشياً مع توصيات الرئيس بضرورة التقشف لدعم الاقتصاد الوطنى، وتخفيف وطأة الأعباء المتزايدة على عاتق المواطن البسيط فى ظل الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد.

سؤال السادات الذى لم يرد عليه لم يكن الأول من نوعه، بل سبقه سؤال للنائب هيثم الحريرى بسبب قيام وزارة المالية بشراء 3 سيارات فارهة و6 لوزارة الصحة من ماركة «بى إم دبليو».. وأكد الحريرى فى سؤاله أنه فى الوقت الذى يعانى فيه المصريون من زيادة التضخم بسبب تعويم الجنيه، وارتفاع سعر الدولار، وقانون القيمة المضافة، وانخفاض أجور الموظفين نتيجة قانون الخدمة المدنية، وزيادة العجز فى الموازنة العامة، وعجز الميزان التجارى، وفى ظل دعوات الرئيس للمصريين بالتقشف وتجميع الفكة، نجد الحكومة تشترى مثل هذه السيارات، وطالب الحريرى بسرعة رد الحكومة موضحة عدد السيارات لدى كلتا الوزارتين وسنة الصنع ومصروفات هذه السيارات ومبررات شراء سيارات جديدة، ولكن هذا لم يحدث.

ورغم هذا التجاهل إلا أن النائب الوفدى الدكتور محمد عبده تقدم باقتراح أكثر جرأة للمجلس من منطلق الأزمة الطاحنة التى يمر بها الاقتصاد المصرى والتى يعانيها المواطنون على اختلاف دخولهم، مؤكداً أن الحكومة كان يجب أن تبدأ بنفسها فى التقشف قبل أن تنصح المواطنين وتضرب لنا مثلاً فى ضغط النفقات.. واقترح الدكتور عبده أن يتم أولاً منع استيراد السيارات الفارهة ماركات «مرسيدس» و«بى إم دبليو» لصالح الحكومة، وأن يتم بيع الموجود منها فى مزاد علنى ويضاف العائد لميزانية الدولة.

وأكد الدكتور عبده أن هذه ليست بدعة، فالهند التى كانت تعانى مشاكل اقتصادية طاحنة وكانت تعتمد على المعونات والقروض من صندوق النقد الدولى، واليوم أصبح اقتصادها ثانى اقتصاد من حيث معدل النمو بعد الصين، يستقل وزراؤها سيارات فيات 1100 والتى كانت مصر تنتجها من 40 عاماً، بينما وزراء مصر الذين يعانى اقتصادهم أشد المعاناة يستقلون سيارات فارهة لا تعرف التقشف.. وأضاف: المشكلة ليست فى السيارة التى يستقلها الوزير فقط ولكنها فى وجود 3 و4 سيارات لكل منهم، وكأن التقشف مكتوب على المواطنين فقط.

وطالب الدكتور محمد عبده بتخصيص سيارة عادية من صنع مصر لكل وزير ومن يرد الرفاهية فليدفع من جيبه الخاص، مشيراً إلى أن مواكب الوزراء بشكلها الحالى تعد استفزازاً لمشاعر المصريين الذين يعانون للحصول على الخبز والزيت والسكر، وعلى الحكومة ألا تستفز المواطنين وإلا حدث الانفجار.

ورغم أن معظم المصريين يعانون من عقدة الخواجة، إلا أن الحكومة لم تشف منها، ففى الوقت الذى يستقل فيه وزراء الدول الغنية مثل كندا وبلجيكا والدانمارك واليابان والصين وغيرها دراجات للوصول إلى أعمالهم، إلا أن وزراء مصر يصرون على العيش فى رفاهية لا تليق وحالة التقشف التى يطالبون الشعب بها، فلا يركبون إلا السيارات الفارهة فى مشهد مستفز لمشاعر الشعب المطحون.

يذكر أن فكرة السيارات الحكومية تعود لعشرينيات القرن الماضى مع انتشار السيارات فى مصر، حيث قامت الحكومة المصرية بشراء عدد من السيارات التى خصصتها لاستخدام كبار المسئولين، حتى وصل عدد السيارات الحكومية فى أوائل الثلاثينيات إلى 116 سيارة خاصة، و762 عربة نقل، و97 أتوبيسا، وشهدت الأعوام التالية زيادة فى عدد السيارات الحكومية، ولكن لا توجد إحصائية دقيقة حول عددها الفعلى، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى أن عددها حوالى 6 آلاف سيارة فى الوزارات الخدمية غير تلك التى تستخدم فى الوزارات السيادية، وتعد السيارات الحكومية أحد أوجه الفساد الإدارى، حيث يستخدمها المسئولون فى غير الأهداف التى تم شراؤها من أجلها، فهذه السيارات كانت وما زالت مرتعاً للمسئولين وأسرهم، ووسيلة لتوصيل أبنائهم للمدارس والجامعات والأندية الرياضية، بل ووسيلة لشراء الاحتياجات من الأسواق، ولم تنجح خطط التقشف فى تقليل هذه الاستخدامات.

ومن هنا يرى المهندس هيثم أبوالعز الحريرى، النائب بالبرلمان، أن الدولة لا تمتلك سياسة حقيقية لترشيد الإنفاق، فرغم أن رئيس الجمهورية قال إننا دولة فقيرة، إلا أن المسئولين لم يتصرفوا على هذا الأساس.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل