المحتوى الرئيسى

الثورة السورية وشجرة الخيزران الصينية

02/10 16:00

إن قادة الثورات المثقفين يعلمون جيداً أن سر نجاح ثوراتهم يكمن في فهمهم لشجرة الخيزران الصينية، هذه الشجرة التي تعتبر محفزاً للكثير من مخطّطي وصانعي التغيير في مختلف جوانب الحياة بالنسبة لمجتمعاتهم، فمن حيث المبدأ فهذا الأمر يبدو للوهلة الأولى مربكاً وغير مفهوم.

ولكن لماذا شجرة الخيزران الصينية يُحتذى بها من بين آلاف أنواع النباتات التي تندرج تحت تسمية الخيزران؟

زراعتها وسقايتها ونموها تحدد الإجابة على هذا السؤال، يتم تحضير التربة وتجهيزها وزراعتها ببذور الخيزران، وتتم سقايتها بشكل دائم ومنتظم وكلُّ ما يظهر منها بدايةً كرة خضراء يخرج منها نبتة صغيرة وتظل هذه النبتة تُروى بالماء طوال 5 سنوات، وفي السنة الخامسة تكون المفاجأة؛ حيث تبدأ الشجرة بالظهور؛ لترتفع كل يوم ما يقارب المتر وليصل بعضها إلى ارتفاع 30 متراً!

لماذا صبرت هذه الشجرة 5 سنوات وفجأة بدأت تنمو بمعدل سريع جداً؟

إن الفترة الطويلة التي قضتها البذور تحت التربة لا تشبه حياة القبر ولا تشبه انتظار القدر، هي فترة العمل الجاد والتأسيس بالنسبة لها، صانعة بدقة متناهية شبكة قوية من الجذور وطرق مفتوحة تحت التربة للتهوية، ونظام علاقات معقد بين العقد المختلفة في الأسفل واضعة نصب عينيها بأنها ستنهض من تحت التراب الذي أثقل عليها، وجعلها مدفونة سنوات طويلة، وبعد أن أحست بأنها ستحمل جذوعها وأغصانها وستنتج جيلاً جديداً من نوعها، أطلقت بكل ثقة ودون ما خوف أهدافها وحضورها على الأرض.

التقيت في مدينة إسطنبول التركية عقيداً طياراً في الجيش السوري الحر، وكان اللقاء مصادفة، كان هذا الضابط قد سُجن فترة طويلة في أيام الثمانينات في سجون النظام السوري وكانت كالعادة التهم متنوعة يسوغها النظام حسب ما تشتهي المرحلة.

وكانت التهمة من نصيبه حينها بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في سوريا بعد الأحداث الدامية في مدينة حماة السورية، التي راح ضحية قصف الطيران الحربي على المدنيين فيها قرابة الـ40 ألف مدني وبعدها قرر النظام إدراج تلك الجماعة على القائمة المحظورة، وجعلنا نردد في شعاراتنا الصباحية في المرحلتين الإعدادية والثانوية أننا (نتعهد بالقضاء على جماعة الإخوان المسلمين العميلة).

لم يكن العقيد الطيار سوى شخص يحمل من القيم الكثير، فقد فاجأني بأدبه وأخلاقه ورحابة صدره، وكانت هي فرصتي لأطرح الكثير من الأسئلة التي بقيت غامضة لفترات طويلة عن مصير الجيش السوري الحر.

سألته سؤالاً ظننت أنه سيفاجأ به: (مَن باع الجيش السوري الحر)؟

ابتسم وقال لي: تعالَ أحدثك عن البدايات، ولماذا وصلنا اليوم إلى هنا؟

تابع حديثه وفي عينيه حكايات لا تُعد ولا تُحصى، قال: بعد أن بدأت الناس تخرج للشوارع والساحات العامة، وتهتف مطالبة بالحرية وبإسقاط قانون الطوارئ المعمول به منذ عام 1963 يوم تسلّم حزب البعث للسلطة في سوريا، بدأت قوات الأمن بإطلاق النار مُرغمةً على المتظاهرين، فجميع مَن يخدم في ذلك السلك لا يملك خياراً، إلا مَن رحم ربي، وعليه قررنا كأول المنشقين عن الجيش السوري تشكيل مجموعة مزودة بالسلاح الفردي الذي خرجنا به من قطعاتنا، ومهمة تلك المجموعات حماية المتظاهرين من إطلاق النار بعد أن سقط المئات منهم اعتباراً من تاريخ 18-3 -2011، وبالفعل كانت المجموعات تؤتي ثمارها، واستطاعت أن تخفف الكثير من المواجهات بين المتظاهرين ورجال الأمن.

بدأت أعداد الجنود والضباط المنشقين والمنضمين إلينا تزداد تباعاً، وبدأت بوادر تشكيل نواة لجيش هدفه إعادة هيكلة القوات المسلحة السورية، والقضاء على الفساد الذي ينخر في المؤسسة العسكرية السورية، وبالفعل تم تشكيل ما يسمى الجيش السوري الحر، بدأنا نعتمد على أنفسنا في التمويل، الذي نخرج منه من معاركنا مع قوات النظام نتقاسمه ونبني عليه، وبقي الحال هكذا، وكلنا يملؤنا الأمل بأن مشروعنا لن يتأخر، وسننفذ ما خرجنا من أجله في زمن قياسي، ولكن وبعد مرور تسعة أشهر على خروجنا كانت المفاجآت تتوالى!

كانت العديد من الجهات والدول تجهز نفسها للاصطياد في الماء العكر، وعليه بدأت غرف العمليات تُؤسس في الخارج قبل الداخل، وبدأ استقطاب الوحدات المقاتلة في ظل عدم توافر موارد كافية بين أيديها، وهو ما كان سبباً في ظهور انشقاقات وانتماءات في قلب نفس الكتائب التابعة للجيش الحر.

الذي فعلناه زرعنا البذور ورويناها دماً وعرقاً، وعندما اقتربنا من خروج العنقاء من تحت الرماد، كان التشتت يزيد من الأثقال فوق كاهلها.

كان ذلك العقيد فاهماً تماماً لما يحدث على الأرض وقارئاً جيداً للمستقبل.. أنهى حديثه لي وقد أصبح صوته محتداً بشكل تصاعدي كلما تصاعدت الأحداث واسترجعها أمامي، قال وهو واثق مما يقول: "لقد أصبحت المسافة رغم بُعدها بيننا وبين النظام أقرب من المسافة مع الكتائب الأخرى".

هنا سأستعرض بشكل جدي وواضح لماذا لم تنجح الثورة في سوريا، وأقصد بالنجاح "تغيير النظام بنظام حديث يحتوي الجميع ويأتي بحكومة تكنوقراط تغير من قواعد الاستبداد وتصبح سوريا مدنية وديمقراطية مع الاحتفاظ بحق الجميع في المساهمة بهذه الدولة، وبعيداً عن التشدد والتطرف".

لم تُبنَ لها قواعد وأسس تشابه شجرة الخيزران الصينية، ولم تُعطَ الوقت الكافي للتخطيط والتمدد داخل قطاعات الدولة المختلفة، فحين خرجت لم تكن جذورها قد تمكنت بعد.

ولم تكن مخططة بشكل صحيح، ولم تَبنِ لها كياناً سياسياً يحمل هم الناس ويمثلهم في المحافل الدولية وأمام الرأي العام العالمي (الكيان المتمثل بالمجلس الوطني أو الائتلاف المعارض) من أنواع الكيانات التي شكلتها دول خارجية وموَّلتها وتدخلت فيها أجهزة مخابرات متعددة وكانت مقراتها خارج سوريا، وهو ما قطع الثقة بينها وبين الكتائب المقاتلة، إضافة لفسادها وعمليات السرقة والاختلاس التي ظهرت للرأي العام.

لم تكن الثورة السورية حاملة لأيقونة، فهي لم تشبه ثورة كوبا، ولم يكن فيها أرنستو تشي غيفارا، وباستثناء بعض الأشخاص الذين اعتُبرت طريقة موتِهم محفزاً لمتابعة الثورة، مثل الطفل محمد الخطيب والقاشوش، والعديد من الأشخاص في مناطق متفرقة.

لم تكن الثورة السورية ثورة جياع كحال الثورة الفرنسية بل كانت ثورة تنادي بالحرية، وكثير من الأشخاص سألتهم: ما الحرية التي تريدونها بالضبط؟ فكانت معظم الإجابات متشابهة (نريد إن سَبَبْنا رئيس الجمهورية لا أحد يعاقبنا).

وبعدها بدأ شعار إسقاط النظام، وللآن أسأل الكثير من الأشخاص: ماذا يعني إسقاط النظام؟ يذهب الجميع إلى إجابة واحدة هي تنحية الرئيس.

كان ينقص الثورة السورية الكثير من التثقيف، وهو شيء لا أستطيع أن ألوم الناس عليه؛ لأنهم وخلال أكثر من أربعين سنة قضوها تحت نير الاستبداد، وكانت القبضة الأمنية مشددة، بحيث هناك رقابة حتى على الهواء.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل