المحتوى الرئيسى

معقل داعش الأخير يواجه حصاراً من قوات متناحرة.. هكذا تمثل معركة الباب المعقدة اختباراً للحلفاء بسوريا

02/09 22:06

تتعرَّض مدينةٌ الباب شمالي سوريا، وهي واحدةٌ من آخر الجيوب التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في البلاد، للهجوم من جانب القوات العسكرية التي تُضيِّق عليها الخناق من كافة الاتِّجاهات.

يكمن التعقيد في أنَّ القوات التي تتقدَّم نحو المدينة، الجيش السوري والميليشيات الموالية للحكومة مدعوميْن بروسيا، والمعارضة السورية مدعومةً بتركيا، تنتمي لأعداءٍ لدودين، بحسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وقد تحوَّل التسابق للسيطرة على مدينة الباب إلى اختبارٍ للطريقة التي من الممكن أن يساعد بها إعادة ترتيب القوى العالمية الداعمة للأطراف المُتخاصمة في سوريا في إعادة تشكيل أو إنهاء الصراع المُمتَد منذ نحو 6 أعوام.

وتُعَد مدينة الباب، التي كان يقطنها قُرابة 100 ألف نسمة عند بدء الحرب في 2011، آخر المناطق الحضرية الواقعة تحت سيطرة داعش، التي لا يزال التنظيم مسيطراً عليها في المنطقة الواقعة غرب عاصمته المُعلَنة، الرقة.

وتحوَّلت روسيا وتركيا في الأشهر الأخيرة من حالة العداء البيِّن إلى العمل بشكٍ أوثق في جهدٍ دبلوماسي هَدَف إلى تسوية الصراع، بعد فشلٍ مُتكرِّر ومُتناوَب من الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

لكن في معركة الباب، على روسيا وتركيا أن تعكسا تفاهمهما الأخير إلى نتائج على الأرض، من خلال تحقيق هدفهمها الطموح في دفع شركائهما السوريين إلى التعاون عسكرياً بحكم الأمر الواقع. وإلّا فإنَّهما تُخاطِران باشتعال الوضع من جديد.

وتؤكد "نيويورك تايمز" أن الأيام المُقبِلة ستبيِّن لنا ما إذا كانت الأطراف السورية المتخاصِمة، التي لا تخضع دوماً لرغبات رُعاتها، ستعمل معاً للمرة الأولى ضد داعش، أم أنَّها ستطرد المُتطرِّفين ثُمَّ تحاول بعد ذلك قتل بعضها البعض.

ومن شأن الإجابات التي ستتَّضِح أن تُلقي الضوء على ما إذا كانت روسيا وتركيا تمتلكان النفوذ لدفع الأطراف السورية المتعارِضة إلى مفاوضاتٍ موضوعية وتغييرٍ حقيقي.

وابتداءً من يوم الأربعاء، 8 فبراير/شباط، بدت الدولتان ناجحتين جزئياً. فأفادت وسائل الإعلام التابعة للدولة في روسيا وتركيا بأنَّ الدولتين كانتا تقومان بالتنسيق بهدف تفادي المصادمات حول مدينة الباب، وأكَّد مقاتلون سوريون على الأرض هذا التنسيق.

وتأتي هذه التطوُّرات في خِضم إعادة ترتيبٍ جيوسياسي أوسع للأطراف المُنخرِطة في الصراع السوري المُتشابِك. فبعد انتصار الحكومة الساحق على مقاتلي المعارضة في مدينة حلب العام الماضي، وانتخاب الرئيس ترامب، الذي دعا إلى تنسيقٍ أميركي روسي أوثق، سرَّعت روسيا من جهودها لقيادة الدبلوماسية الدولية في سوريا.

ولدى دمشق آمالٌ بأنَّ الولايات المتحدة ستتَّجه بصورةٍ أقرب باتِّجاه تحالف أمر واقع مع روسيا في سوريا وستتخلَّى عن دعمها العسكري للمجموعات التي تسعى إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

لكن تبقى هناك تساؤلاتٌ كبرى بهذا الشأن، خصوصاً فيما يتعلَّق بترامب، الذي بعث بإشاراتٍ متضاربة. فقد ألمح إلى أنَّه سيُولِي اهتماماً أقل بما وصفه الكثيرون من أنصار حقوق الإنسان بوحشية الأسد، مقابل اهتمامٍ أكبر بالعمل مع روسيا في مكافحة الإرهاب. وفي الوقت نفسه، بدأ ترامب في تصعيد حدة التوتُّرات مع إيران، الداعم الرئيسي الآخر للحكومة السورية وأقرب حليفٍ لها.

وأشارت تصريحاتٌ تركية أمس الأربعاء، إلى احتمال تزايد التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا، حتى ولو بطريقةٍ غير مباشرة، وذلك على ضوء زيادة التعاون بين تركيا وروسيا.

وأفادت وكالة أنباء الأناضول الحكومية التركية بأنَّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وترامب قد اتَّفقا خلال مكالمةٍ هاتفية جرت مساء الثلاثاء، 7 فبراير/شباط، على "العمل معاً" في معركة الباب، بالإضافة إلى المعركة المُقبِلة في الرقة.

لكنَّ البيت الأبيض، عشية زيارةٍ لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الجديد، مايك بومبيو، إلى تركيا، لم يُركِّز على معركة الباب، قائلاً فقط إنَّ ترامب وَعَد أردوغان بأنَّ الولايات المتحدة ستواصل التعاون ضد داعش.

وبحسب اثنين من مؤيدي الحكومة على اطِّلاعٍ بالخطط، فإنَّ روسيا وتركيا قد توافقتا على أن تدخل القوات الموالية للحكومة، وليست المعارضة، إلى المدينة. وإلّا، كما يقولان، لكانت المعارضة، التي حاصرت الباب من 3 جهاتٍ لأشهر، قد سيطرت على المدينة قبل فترةٍ طويلة.

أحد هذين جندي بالجيش السوري يُقاتِل في معركة الباب، بينما الآخر مُخبِرٌ موالٍ للحكومة من مدينة الباب، ويعيش الآن خارج سوريا، لكنَّه نقل معلوماتٍ من داخل الجيش السوري من خلال مصادره بالمدينة. وجرى التواصل مع كليهما عبر دردشة الإنترنت، وطلبا عدم الكشف عن هُويتهما لأنَّهما لم يكونا مُخوَّلين التواصل مع صحفيين.

ووفقاً للمُخبِر، أصرَّت روسيا على الشروط المُتعلِّقة بالاستيلاء على الباب خلال اتِّفاقٍ جرى التوصُّل إليه الشهر الماضي، يناير/كانون الثاني، في العاصمة الكازاخية، أستانا، وأضاف أنَّ رغبة روسيا في سيطرة القوات الموالية للحكومة على المدينة تعود في جزءٍ منها إلى الرغبة في السيطرة على مرافق المياه التي بإمكانها المساعدة على التخفيف من نقص المياه.

لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت كل قوات المعارضة المدعومة من تركيا والمشارِكة في حصار الباب قد قَبِلَت بتلك الشروط. إذ صعَّد بعضها من هجماتها الأربعاء، 8 فبراير/شباط، وتعهَّدت بالسيطرة على المدينة أولاً.

ومن شأن السماح للقوات الموالية للحكومة بالسيطرة على مدينة الباب أن يكون مُهيناً للمعارضين قبل بدء جولةٍ جديدة من محادثات السلام في العشرين من فبراير/شباط بجنيف. لكن في ظل تقلُّص الخيارات المُتاحة أمامهم، يرضخ المعارضون على نحوٍ متزايد لرغبات داعميهم الاتراك.

وتُقدِّم بعض التحرُّكات العسكرية الأخرى مزيداً من القرائن على الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة وغيرها مع التحوُّلات التي تشهدها ساحة المعركة.

فإلى الشرق من الباب، كان مزيجٌ من الميليشيات الكردية والعربية، قوات سوريا الديمقراطية، يتقدَّم في محاولةٍ لتطويق الرقة. وتحسُّباً لهجومٍ مُحتملٍ على المدينة، قالت الولايات المتحدة إنَّها ستضيف 200 مستشارٍ عسكري أميركي لمساعدة القوات التي يُهيمن عليها الأكراد.

ووطَّدت تلك الزيادة، التي وافق عليها ترامب، سياسة إدارة أوباما التي أثارت غضب تركيا، التي تنظر إلى الأكراد باعتبارهم عدوها الرئيسي، في اللحظة نفسها التي يسعى ترامب فيها إلى تحسين العلاقات مع أردوغان.

ومن المُتوقَّع أن يزور وفدٌ تركي رفيع المستوى واشنطن الأسبوع المقبل لمناقشة الخيارات العسكرية لاستعادة السيطرة الرقة. وأشار مسؤولٌ تركي بارز، هو الذي كشف عن الزيارة، إلى أنَّ إعادة توجيه جزء كبير من قوات الجيش السوري الموالية للأسد التي تشارك في حصار مدينة الباب إلى المعركة في الرقة ستكون أحد تلك الخيارات.

وأكَّد المسؤول، الذي تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هُويته حتى يُناقش الاستراتيجية العسكرية، معارضة تركيا القوية للخطة الأميركية لجعل الأكراد جزءاً من معركة الرقة.

وإلى الجنوب الشرقي، في دير الزور، المدينة الأخرى التي يسيطر عليها داعش، يحاول كلٌ من الحكومة والمعارضة تكوين قواتٍ عربية جديدة لمحاربة التنظيم المُتطرِّف، ذلك في الوقت الذي تُناوِر فيه روسيا والولايات المتحدة من أجل القيادة.

وتبدو غارات التحالف الذي تقوده أميركا آخذةٌ في التزايد بإدلب، وهي المحافظة الشمالية الغربية التي تحصَّن بها المُقاتلون الذين لا ينتمون لداعش وناشطو المعارضة بعد تهجيرهم من مناطق أخرى نتيجة تقدُّم القوات الموالية للحكومة.

ولم تستهدف الغارات خلال الأشهر الأخيرة المقاتلين المرتبطين بالقاعدة فحسب، لكن كذلك بعض أعضاء فصائل المعارضة الذين يعملون معهم، وهي عادةٌ اتُّبِعَت طويلاً من جانب روسيا وحظيت بمعارضةٍ من الولايات المتحدة.

في حين أنَّه من غير الواضح الجهة التي تنتمي إليها الطائرات التي قامت بكل غارةٍ على حدة، فإن هذه الغارات يُنظَر إليها باعتبارها عاملاً يجعل الفروق بين العمليات الجوية الأميركية والروسية تتسم بالضبابية.

وفي يوم الثلاثاء، 7 فبراير/شباط، دمَّر قصفٌ جوي وصفه السكان بأنَّه كان مزيجاً من الصواريخ الباليستية والغارات الجوية مبنى سكني، ما أدَّى إلى مقتل 30 شخصاً، بينهم نساء وأطفال.

وفي جنوب سوريا، وافقت فصائل المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة على هدنةٍ جديدة مع القوات الحكومية. وجاء الاتفاق بعد محادثات أستانا، التي وسَّع فيها قادة المعارضة نقاشاتهم مع المسؤولين الروس، وزار بعضهم موسكو لاحقاً.

وبجمعها معاً، تشير التطوُّرات إلى التقاءٍ تدريجي، وإن كان غير مُستقر، بين الأهداف الأميركية والروسية في سوريا. لكن تبقى العقبات الدبلوماسية قائمةً.

فلن يوافق الأسد بالضرورة على ما تريده روسيا منه، وهو ما يتمثَّل في بعض المشاركة بالسلطة، ووضع دستورٍ يُقلِّل الصلاحيات الرئاسية. وتسلك داعمته الرئيسية الأخرى، إيران، نهجاً مُتشدِّداً يؤيد المحافظة على سلطته.

وفي حين يقترب ترامب أكثر إلى السياسة الروسية في سوريا، تقول الجماعات الحقوقية ومُنتقِدوه الآخرون إنَّ الولايات المتحدة تُخاطِر بالتورُّط في انتهاكات الحكومة السورية.

فهذا الأسبوع، نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً يفيد بأنَّ آلافاً قد أُعدِموا دون محاكمات داخل السجون السورية، كما أبلغ مُفتِّشو الأسلحة الدوليين بحادثة جديدة استخدمت فيها الحكومة قنابل غاز الكلور، وذلك على الرغم من موافقتها في 2013 على التخلّي عن تلك الأسلحة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل