المحتوى الرئيسى

الطلاق.. رحلة عذاب نساء مصر

02/09 21:11

أسدلت هيئة كبار العلماء، الستار علي اقتراح بطلان الطلاق الشفوي وأقرت وقوعه حال استيفائه لأركان وشروط الطلاق.

وقالت الهيئة، إن  من حق ولي الأمر شرعاً أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيزية رادعة، علي من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه.

لكن تبقي ظاهرة الطلاق مستمرة وتبقي المشاكل الأسرية التي تؤرق معظم المجتمع وهو ما يحذر منه الرئيس.

وهل كان الاقتراح سيقضي علي مشاكل الأسر المصرية؟

في مصر وطبقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء شهد عام 2016 900 ألف حالة زواج سنوياً، 40٪ منها متوقع أن ينفصلوا في غضون 5 سنوات.

كما تحتل مصر مركزاً متقدماً في معدل حالات الانفصال والتي وصلت الي نحو 240 حالة طلاق يومياً بمعدل 10 حالات كل ساعة.

وقد ارتفعت معدلات الطلاق في مصر خلال عام 2015 بنسبة 10٫8٪ عن  عام  2014، أما أحدث تقرير لمركز معلومات مجلس الوزراء فجاء فيه أن مصر احتلت المرتبة الأولي عالمياً، بعد أن ارتفعت نسب الطلاق من 7٪ إلي 40٪ خلال الخمسين عاما الأخيرة ووصل عدد المطلقات الي 3 ملايين امرأة، أيضاً تكشف الإحصائيات 14 مليون قضية طلاق كانت متداولة في المحاكم عام 2015 أطرافها 28 مليون شخص، بما يعادل ربع المجتمع وهو ما يعني أن مؤسسة الأسرة المنتجة للبشر في خطر داهم.. فماذا عن احصائيات عام 2016 التي يجري إعدادها الآن!!

«س. ع» سيدة متزوجة منذ 10 سنوات ولديها ابنتان خلال هذه الفترة طلقها زوجها طلقتين قال لها: «أنت طالق» نعم نطقها وقت  مشادة بينهما ولكنه قالها وهو في كامل قواه العقلية ويعي ما يقوله ويقصده.

ومنذ ذلك الحين وكلاهما، يعلم ان الطلاق وقع مرتين، ولم يبق لهما سوي طلقة واحدة أخيرة.. وبعدها لن تكون علي ذمته.

وعندما طلب الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأسبوع  الماضي، بحث امكانية عدم الاعتداد بالطلاق الشفوي فرحت الزوجة وخيل لها أن الطلقتين لن تحتسبا وجرت مسرعة تخبر زوجها الذي صدمها عندما صمم أن الطلقتين وقعتا شرعا لا  محالة، ودب الخلاف بينهما حول صحة وقوع الطلاق من عدمه وكاد يصل الخلاف لحد الضرب.

 وانتهي الخلاف بعد اعلان هيئة كبار العلماء وقوع الطلاق الشفهي.

«ر.ط» متزوجة منذ 7 سنوات طلقها زوجها طلقة واحدة شفوي وأيضاً قال لها: «انت طالق» ولكن دون أن يعرف أحد نهائياً حتي أهلها وأهله، واتفق الزوجان علي أنها طلقة وقعت حتي وإن لم يكن هناك شهود أو علم أحد.. وبعد الضجة الإعلامية حول «الطلاق الشفوي» دار بينهما خلاف حول هذه الطلقة.. وهل سيعتد بها أم لا؟!!

ذات المشاكل تعاني منها ملايين الزوجات في مصر، اللاتي وقع عليهن الطلاق الشفوي داخل بيتهن ودون معرفة أحد إلا قليلاً، كلهن يتساءلن نفس السؤال وبنفس الصيغة: «هل الطلاق الشفوي يعتد به وهل اصدار مثل هذا القانون جائز شرعاً؟!!

جمعت كل الأسئلة وطرحتها علي الدكتور محمد الشحات عضو مجمع البحوث الإسلامية فقال:

أكد جمهور الفقهاء ان الطلاق الصريح يقع عندما يقول الزوج لزوجته «أنت طالق» ويكون لديه الأهلية الكاملة وعلي وعي ويقصد ما يقول وأن تكون الزوجة ليست في حالة حيض، وفي ذات الوقت كان المسلمون في العصور الإسلامية الأولي أمة أمية يعتمدون في تعاملاتهم للزواج والطلاق علي اللفظ الشفوي.. وبالتالي جمهور الفقهاء يعلمون ذلك وبنوا آراءهم عليه.

وأشار الدكتور «الشحات» إلي وجود نص في القرآن الكريم «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة» وهو تفسير لفظي وأن الأصل في النطق بالطلاق باللفظ الشفهي، وهذا كان يحدث في مجتمع يحترم قدسية الطلاق ولذلك كان الزوج يتردد ألف مرة قبل النطق بالطلاق لما لديه من نازع ديني ومن منطلق ذلك أعطي الفقهاء الطلاق الشفوي الصدارة.

وأمام كل هذا الضرر أصبحنا في حاجة ملحة إلي تنظيم الطلاق وتقنينه بمعني ان هذا تنظيم يحتاج إلي أن يحترم الزوج والزوجة قدسية لفظ الطلاق فإذا أراد الرجل أن يطلق زوجته أن يطلقها أمام شهود ومن ثم يقع الطلاق وهذا وارد في الآية القرآنية «فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم». فالشهود كانوا الوسيلة في اثبات الطلاق ولم تستخدم الكتابة بينهم إلا قليلا جداً، ومع ظهور إشكالية أخري باحتمال أن يغير الشهود رأيهم أو يمتنعوا عن الحضور ففي هذه الحالة يجب أن نضع الأمر أمام جهة تسجيل لهذا الطلاق وهي المأذون.

وأوضح الدكتور «الشحات» انه حماية للأطفال وضماناً لعدم انهيار الأسر فنحن أمام أمرين، كلاهما مُر: الأول بأن أسمح بوقوع الطلاق الشفوي والاعتداد به بمجرد النطق به وبذلك سيصل بنا الأمر بعد فترة زمنية قصيرة إلي أن 80٪ من رجال مصر يطلقون زوجاتهم تماشياً مع ما يحدث حالياً ونتعايش معه.

أو أن نبحث عن حل يجمع بين الحفاظ علي كيان الأسرة وعلاج الواقع السيئ عن طريق تنظيم الطلاق أمام مأذون وفي ذلك استند إلي قاعدة شرعية وهي «ارتكاب أخف الضررين وأهون الشررين» وهو تنظيم الطلاق وعدم احتسابه إلا بتسجيله عند المأذون.

وعن كيفية السيطرة علي كل زوج حال إلقائه يمين الطلاق وعدم توجهه إلي المأذون رغبة منه ومن زوجته في الرجوع ورد الزوجة مرة ثانية.

قال الدكتور «الشحات» ان هذه المعضلة التي نزلت بالناس تعتبر من النوازل التي تحتاج إلي أن نتعامل معها بفقه الضرورة والمصلحة، والمصلحة تقتضي أن نجعل الطلاق أمام مأذون.. وبالتالي يجب أن يفرض علي الرجل الذي لا يريد أن يسجل الطلاق أمام مأذون عقوبة، كذلك الأمر في الذي يكثر من يمين الطلاق.

أيضاً الزوجة التي تستفز زوجها باستمرار وتطلب أن يطلقها يجب أن تفرض عليها عقوبة الحبس والغرامة لضبط إيقاع الأسرة المصرية.

والأهم من ذلك كله ضرورة التوعية فلا طلاق في إغلاق وهو «الغضب الشديد» فالزوجة والزوج مسئولان أمام الله عن تقدير قيمة هذه الكلمة.. وإذا وقعت عليهما أن يبلغا المأذون لتسجيل الطلاق وإذا رفض الزوج فعلي الزوجة أن تستعين بشهود كجيرانها والإبلاغ عنه لفرض عقوبة عليه.

أما الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، فقال: «مستحيل إصدار مثل هذا القانون دستورياً لأن المحكمة الدستورية فصلت فيه عام 2000 ورفضته هيئة كبار العلماء».

وأضاف: «رفض هذا القانون يأتي للمحافظة علي الأحكام الشرعية المستقرة المأخوذة من القرآن الكريم والسُنة النبوية والمستندة إلي إجماع الأئمة وصيغ الطلاق في النصوص الشرعية مطلقة وعامة وفي التطبيق  العملي من سيدنا رسول الله وفعل الصحابة رضي الله عنهم كان قوليا ونحن أمرنا بالاتباع لا بالابتداع».

وأكد الدكتور «كريمة» ان إلغاء الطلاق القولي تعطيل للنصوص الشرعية المحكمة والغاء للعقود في الشريعة الإسلامية من جهة صياغتها القولية، ويترتب عليه اثار خطيرة جداً وهي تحويل فقه الأسرة من نظام تشريعي إسلامي إلي نظام مدني أشبه بما عند غيرنا في أوروبا وأمريكا، ثم إن القول بالاجتهاد خطأ ،لأن الاجتهاد لا يكون فى الثوابت.

وأشار إلى أن توثيق الطلاق موجود فى مصر منذ عام 1929، أما بالنسبة لعدم إلغاء الطلاق القولى والاكتفاء بالطلاق المحرر عند المأذون، فدستوريًا لا يجوز استحداث قانون سبق للقضاء المصرى الفصل بعدم دستوريته، إذا حول المشرع القانون الوضعى فى المادة 21 من ق رقم 1 لسنة 2000 بجعل الطلاق عند المأذون وعدم الاعتداد فى اثباته إلا بالواقع عند المأذون.

وقد تصدرت المحكمة الدستورية بعدم دستورية هذه المادة بمخالفتها للتشريع الإسلامى، حسبما جاء فى حكمها العادل ولحيثيات الحكم. ومضت المحكمة الدستورية فى إلغائها لهذه المادة بقولها لا ضرار، فهذه المادة للمرأة أشد الضرر وعدم قدرتها على اثبات حقوقها، ونكور المطلق عند توثيقه، ويجوز للمطلقة حسبما قررته الشريعة اثبات الطلاق بالشهود والقرائن والرسائل واليمين الحاسمة.

وبناء عليه لا يجوز لأى جهة مهما كانت معارضة المحكمة الدستورية وإلا كان تغولا على القضاء المصرى.

وقال كريمة، إن الطلاق الصريح بألفاظه القولية يقع.. أما الاعتداء على الشريعة الإسلامية فى هذه المسألة بسبب حصول الزنا. وكان الأولى عمل توعية لازمة عن الفرق بين الحالف بالطلاق وصيغ الطلاق.

وأبدى الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية رأيه فى موضوع الطلاق الشفهى بصورة واضحة ولا تحتمل أكثر من رأى فقال: «بالنظر إلى الوضع القانونى القائم فإن قانون الأحوال الشخصية الموجود والتطبيق القضائى والإفتائى لا يساعد أبدًا بأن القول إذا صدر من الزوج ولم يوثقه بأنه لا يقع، ولكن بعد التحقيق والتحرى إذا رأينا بأن هذا الطلاق هو واقع لا محالة فنفتى حينها بأن هذا الطلاق واقع».

وأشار مفتى الجمهورية إلى أنه تعرض على دار الافتاء ما يقرب من 3200 فتوى شهريًا خاصة بالطلاق، وبعد التحقيق الرصين والدقيق ننتهى إلى أن الذى يقع من هذا العدد نحو ثلاث حالات فقط.

نفس الكلام أكده الدكتور مجدى عاشور، المستشار العلمى لمفتى الجمهورية عندما قال إن الطلاق الشفوى يقع عند المذاهب الأربعة لأهل السنة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل