المحتوى الرئيسى

عبدالرحمن حسين يادم يكتب: زنزانة الناصرية الجديدة | ساسة بوست

02/09 19:20

منذ 1 دقيقة، 9 فبراير,2017

في أعقاب ثورات الربيع العربي حدثت طفرة كبيرة في مجال الحريات واتساع محيط الديمقراطيات بشكل كبير حيث كان الجميع يتحدث في شئون بلده وما هي ذاهبة إليه والمخاطر الداخلية والخارجية ويكأنك ملأت سيارة نقل كبيرة من المفكرين والأفكار وألقيتها على العامة، وكانت هذه الحركة عظيمة جدًا ووهبتهم ما كان قصيًا عليهم منذ فترات متراوحة من السنين كل حسب ديكتاتوره الذي جثم عليه وهو الوعي والقدرة على البوح بهذا الوعي.

قد تكون صاحب معرفة سياسية واسعة وتُفرق بين النظم السياسية المختلفة وتستطيع أن تميز بين الاشتراكية الحقيقية والاشتراكية العربية المفبركة، ولكن المأساة الكبيرة تكمن في عدم قدرتك على التحدث مجاهرة بذلك الكم المعرفي الذي لديك. ففي فترات تاريخية مرت بالدول العربية وخاصة بعد اعتلاء الأنظمة الكلبتوقراطية والأوليجاركية الحكم في بداية الخمسينيات من القرن العشرين زادت المعاناة بشكل كبير وكأنك تعيش في زنزانة ذهنية ضيقة وصدئة ومع ذلك يكثر بها رائحة التبول الفكري من قبل سادات هذا العصر، حيث يتم بث الأفكار الرجعية التى لا مرجعية لها سوى أذهانهم الديكتاتورية المريضة، وأنت باعتبارك مثقفًا يجب عليك أن تأخذ أفكارك وتلقي بها في اليم فاليوم هو عهد جديد لا يُسمح فيه بالسؤال وإن سألت فلن تتم الإجابة عليك لأنك ستكون معتقلًا وفي المعتقل لن تفيدك الإجابة في شيء.

«ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد» كم كنت منتشيًا بهذه الجملة، فقد كنت أفخر بهذا الزعيم العظيم المحرر للدول النامية والآخذ بها إلى الأمام، ولكن عادتي الجميلة وهي أن أقرأ عن كل ما أسمع كي تتشكل صورة متكاملة عن الشخصية التي أبهرتني، فقرأت عن نظام عبد الناصر الداعي إلى التحرر فوجدت العُجاب.

شهدي عطية وهو المفكر الشيوعي المرموق والباحث الديمقراطي الكبير صاحب النهج المركسي والديمقراطي النقدي الذي قُتل إثر التعذيب الوحشي في سجن أبي زعبل 15 يونيو 1960م، حيث كانت رجال عبد الناصر مصرة على إذلاله وجعله أضحوكة لهم وهو العالم الكبير والمثقف المطلع، وهم لم يأخذوا قسطًا وافيًا من التعليم وإذا كتب عطية وجهة نظره في موضوع ما، أعتقد أن مُعذبيه لن يفهموها وقد حانت ساعته وخالف الرجال مبدأ زعيمهم الذي يدعو للتحرر وهم يغلقون المعتقلات ويضيقون على الناس أكثر فأكثر.

المفارقة الغريبة أن هذا النظام لم يستطع التكتم على أسراره فخرج نعي شهدي عطية في صحيفة الأهرام الحكومية وفي أثناء خروج الخبر إلى النور كان عبد الناصر المحرر في يوغوسلافيا حيث دعاه الرئيس تيتو، وفي أثناء تواجد عبد الناصر في جلسة أمام البرلمان اليوغوسلافي هناك قام أحد الأعضاء وطالب بأن يقفوا دقيقة حدادًا على روح شهدي عطية بدلًا من الاستماع إلى قاتله، الأمر الذي وضع عبد الناصر في حالة من الإحراج الشديد فكيف يدعو إلى مصطلح وهو أول من يناقضه فالحرية تقبع في القبعة مثل أرنب الساحر يخرجه وقتما يشاء ويسجنه في القبعة أيضًا وقتما يشاء.

الديمقراطية هي آفة النظم العربية منذ القديم وقدمها يتماشى مع قدم كونها عربية أصلًا وهذا ما جعل فئات كبيرة من المواطنين تمل من الخوض في تُرهات السياسة وفئات أكبر تخاف منها حتى لا يتم التنكيل بها لدخولها في أمور كونية كبيرة لا قِبل لهم بها وليس لهم أن يتحدثوا فيها، وهذه الفئة الخائفة أنصحها بقراءة العقد الاجتماعي لقائد الثورة الفكرية في فرنسا وباعث الثورات الحديثة جان جاك روسو، مع أني أعتقد أن الخائف لن يزول خوفه إلا وإن تعرض لصدمة كبيرة وهذا ما حدث في ربيع 2011م حيث قامت الثورات.

(ملحوظة لقد أخذت الثورات غفوة هذه الأيام وتحتاج لمن يوقظها ولكن هذه المرة إيقاظها سوف يكون أسهل مما سبق).

إذا ما قارنت نفسك بين 2011م و2017م فسوف تجد الكثير من الاختلافات، فإذا أخذت هذه المقارنة على نفسي فسوف أقول إن بعد الثورة كنت أستطيع الحديث بكل جرأة عما يحدث في البلد ويتطور أحيانًا الأمر إلى النقد للقيادات والحكام والإعلاميين وأي شخص لديه ظهور على الساحة الإعلامية ولم أكن لأهتم أين أنا أو إلى أي شخص أتحدث لأنني كنت فعلًا في بلد حر يُقر بحرية التعبير عن الرأي والتقيد بحقوق الإنسان وكل سبل الكرامة الآدمية للمواطن، وهو الأمر العصي في أذهان الفئات الكبيرة في السن الآن التي ترعرعت في أحضان البيروقراطيات الخمسينية مع توالي الأسماء الرائدة لهذه السياسات، وهذه الفئات هي التي لا تقدر نجاحات الربيع العربي الذي فك قيود الحريات عن الأذهان وهدم حديد الزنزانة الصدئ ولكن هذه الفئات تربت وترعرعت في الزنزانة فبالتالي أنت كسرت عليه باب بيته الذي يحتمي به، فلا تنتظر منه أن يعترف بثورتك أو حتى يقدر نجاحك الكبير في قدرتك على قول «الشعب يريد».

أما الآن – العودة المباركة للزنزانة الناصرية – أقر بأن الوضع أسوأ ما يكون وقد يؤول الأمر إلى بداية عهد خمسيناتي جديد بنفس الشكل القديم ولا حتى يُراعى فيه اختلاف العصور والوسائل، لذا إذا تحدثت فأنت تتلفت من حولك وتراعي أي كلمة تقول وإلى من تقولها، والقلق يساورك حول الأشخاص الذين من حولك فلا أمان وأنت تشعر أنك مُراقب، ونحن الآن مراقبون فكل شيء يراقبنا وأول المراقبين ضمائرنا التي تقول كيف وصلتم إلى هذه الحال بعد هدم زنزانة الناصرية.

لا تتحدثوا في السياسة، هكذا قالت المدرسة لنا حينما كنا في المدرسة الابتدائية وها هي نفس الجملة تتكرر على مسامعي في جميع المراحل التعليمة حتى الجامعة التي قيلت على لسان أكبر أساتذتي في الجامعة: السياسة لم تُخلق للدول النامية فقد فُرضت علينا سياسات خارجية ونحن نطبقها لذا لا تتحدثوا في سياسات أنتم لم تضعوها ولا تعاتبوا السياسيين المحللين فهم «يطبشون» عن جهل فلا يعرفون الفرق بين الشيوعية والماركسية والاشتراكية ولا تعاتبوا السلطة فهي أكثر جهلًا وإذا احتارت تستعين بـ«المطبشين» لتوضيح الوضع السياسي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل