المحتوى الرئيسى

مذبحة سجن "صيدنايا" تفضح النخبة المصرية

02/09 15:30

اقرأ أيضا: درس أوربي تاريخي للإخوان والليبراليين المصريين (2/2) درس أوربي تاريخي للإخوان والليبراليين المصريين (1/2) بيان الأزهر وقيمته ورمزيته وأهمية الفتوى الجماعية كرة القدم : صناعة السعادة وصناعة الوهم ! دروس سياسية من جريمة الهجوم على متحف اللوفر

نشرت منظمة العفو الدولية تقريرها المروع أول أمس عن ما يحدث في سجن "صيدنايا" العسكري السوري بالقرب من العاصمة دمشق ، وعرضت المنظمة تفاصيل تشيب لها الولدان ، حكاها حوالي خمسة وستين معتقلا سابقا في هذا السجن الرهيب ، تحكي قصص التعذيب وأنواعه وطرق التعامل مع المعتقلين بصورة تجعلهم أقل كثيرا من الحيوانات ، فضلا عن قيام السلطات بإعدام حوالي ثلاثة عشر ألف معارض سوري شنقا في هذا السجن وحده خلال خمس سنوات الثورة السورية ، في حفلات إعدام جماعية ، بعد محاكمات صورية لا تستغرق المحاكمة أحيانا دقيقتين اثنتين .

تقرير منظمة العفو الدولية بشع للغاية ومخيف ، ويجعلك تذهب بخيالك إلى عصور ما قبل التاريخ في ظلاميتها التي يحكيها المؤرخون ، أو العصور الوسطى في وحشيتها ودمويتها واستباحتها فكرة الإنسان بالكامل ، على النحو الذي ذكر تفصيلا في كتب ووثائق ، وأعترف أنه أحيانا يصعب عليك أن تمضي في قراءة التقرير من فرط الألم الذي يصيبك ويجعلك غير قادر على المتابعة .

التقرير بالنسبة لي ليس مفاجئا ، وإن كانت التفاصيل مروعة وبعضها لم يكن يخطر على بالك ، لكن نظاما مثل نظام بشار الأسد ووالده أعرف مسبقا أنه لا يمكن نسبته لأي أخلاق أو إنسانية أو فكرة الدولة في حدها الأدنى ، فهذا نظام قام بإحكام على سيطرة شاملة للأجهزة الأمنية بما يشبه الميلشيات ، واصطناع شبكة من تلك الأجهزة بحيث يكون بعضها رقيبا على بعض ، وصنعت تلك الشبكة الرهيبة مناخا من الخوف والرعب في عموم الناس من مجرد أن تفكر في معارضة أو احتجاج أو مطالب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ، فتجد نفسك هناك ، وراء الشمس ، بل خارج التاريخ والجغرافيا والزمن والإنسانية ، وإنت وحظك ، إن سمحت نفوسهم بإخراجك بعد عدة سنوات من الاعتقال ، أو أن يروا قتلك ودفنك سرا وإبلاغ أسرتك بهروبك ، أو أن تموت تحت التعذيب فيقرروا دفنك في مقابر جماعية قرب أحد المطارات الشهيرة ، وهي التي نشرت بعضها موثقة بالصور والأسماء وأثارت فزعا عالميا قبل عامين ، وبعض المحظوظين الذين خرجوا من السجن يستحيل أن تتعرف عليهم إلا بعد مطابقة البصمات ، لأن حجم التشوه في الجسم والشكل والهزال الشديد يحيل المعتقل شخصا آخر .

في سوريا ، كما النظم المستبدة التي تحكم بقبضة أمنية شديدة القسوة والعنف والإحكام ، توضع بعض المؤسسات كنوع من الديكور الضروري أمام العالم الخارجي ، أو "ميك أب" لتحسين شكل النظام دوليا ، مثل برلمان شكلي مزور وقضاء وقانون ودستور ، وكل ذلك وهم لا وجود له حقيقي ، وإنما هي أدوات ملحقة بالأجهزة الأمنية وتأتمر بأمرها ، ومن فرط الاستخفاف والسخرية أحيانا يشكل النظام نفسه منظمة مدنية لرعاية حقوق الإنسان ! ، وإن كان الأمر في سوريا زاد من عنفه ووحشيته تأسس نظام "آل الأسد" على البعد الطائفي ، ووضع مفاصل الأجهزة الأمنية الكثيرة تحت سيطرة طائفته العلوية ، وعادة ما يكون البعض الديني أو الطائفي مترعا بالكراهية للآخر وموغلا في الوحشية وأحيانا تصفية حسابات تاريخية ، خاصة عندما تحكم أقلية دينية أو طائفية كانت تشعر بالتهميش قديما . 

المؤسف ، والمحزن ، أن ترى في مصر صمتا شبه تام عن ما يجري في سوريا ، وكأن الشعب السوري هم بقايا داعش والقاعدة ، وليسوا ضحايا إرهاب داعش وبشار كليهما ، وكأن سوريا ـ استثناءا من الربيع العربي ـ لم تعرف ثورة شعب يشتاق مثلهم إلى الحرية والعدالة والكرامة وكان يرقص في الميادين ويغني للحرية بشكل سلمي قبل أن تدهسهم الدبابات ، والنخب المصرية ، وحتى النخب الحقوقية ـ إلا قليلا ـ تتجاهل كل هذه الوحشية لنظام بشار ، بل لا يخفى عليك أن بعضهم يميل في بعض إشاراته إلى دعم بشار الأسد ونظامه ، "ويتفهم" ما يعتبرها أحيانا "تجاوزاته" ، بل هناك من النخبة المصرية المشاركة في ثورة يناير ومن أصحاب الصوت العالي أيامها ، نشطاء وناشطات ، من يكتبون في صحف بشار الأسد وأذرعها اللبنانية ويعملون لحسابها ويتقاضون "المكافآت" السخية منها ، ثم يعود في اليوم الثاني لكي ينتقدوا "النظام" المصري ويهاجموا السيسي منددين بإهدار للحريات والتعدي على حقوق الإنسان ، في حين أنك لو قارنت ما يحدث في مصر الآن بنظام بشار فإننا سنكون ـ هنا ـ أمام أولياء الله الصالحين أو المهاتما غاندي ، وبطبيعة الحال من واجبك أخلاقيا أن تدين التجاوزات والاعتداءات ، هنا أو هناك ، وأينما كانت ، ولكن أن تنتقد ما يحدث في مصر وتتجاهل عشرات أضعافه مما يحدث لأهلنا وشركاء الربيع العربي في سوريا ، بل وتدعم الطاغية القاتل بصمت أو تأويلك ، فأنت خائن لثورتك بالأساس ، وخائن لضميرك ، وخائن لإنسانيتك ، وأنت كاذب عندما تتحدث عن حقوق الإنسان ، أو تدعي نضالا من أجل الحرية والعدالة والكرامة .

الثورة السورية التي حشرت بين إرهاب بشار الأسد وإرهاب منظمات إرهابية مثل داعش ، لم تكشف فقط عورات كثير من الدول والمنظمات ، لم تفضح إيران وحرسها الثوري وفيلق القدس الذي شكلته ولم يطلق رصاصة واحدة تجاه القدس منذ نشأته قبل ثلاثين عاما وأول حرب خاضها كانت ضد المعارضين لبشار وأول رصاص أطلقه كان في صدور الشعب السوري ، ولم تفضح فقط تنظيم حزب الله اللبناني الذي "دجل" علينا جميعا بأنه حزب للمقاومة والممانعة ويحشد سلاحه من أجل مواجهة "إسرائيل" بينما هو يخوض معاركه دعما لطاغية مثل بشار الأسد بأضعاف ما خاضه ـ شكليا ـ مع إسرائيل وخسر في أرض سوريا أكثر من عشرة أضعاف من خسرهم من مقاتليه أمام "إسرائيل" ، الحزب الذي بدأ بالحديث عن المستضعفين فانتهى إلى التمسح بحماية مرقد السيدة زينب ليذبح المستضعفين في سوريا لحساب بشار الديكتاتور ! ، ما يحدث في سوريا فضح النخب العربية أيضا ، وكشف خواءها الإنساني ، وأنها محض شلل تدافع عن نفسها ومصالحها ووجاهتها الاجتماعية ومموليها .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل