المحتوى الرئيسى

أبو طالب وخديجة في الخيام

02/08 21:48

الخيام قهرتكم يا سادة العالم، هكذا أبدأ معكم بلا أي مقدمات، الخيام أظهرت مدى كذب ادعاءاتكم، الخيام التي حملت همّ الضعفاء، وهي التي اتفق أهل الظلام والكفر من سادة العراق وسوريا واليمن والعالم أجمع على أن يرموا فيها كل مَن يعارضهم الفكر والعقيدة، الخيام التي لها تاريخ طويل مع هذه القبائل، نعم إنها الخيام ذاتها التي يعاني داخلها كل من يقول ربي الله ويسقط الصنم.

من أين آتيكم بأَرَضة عاشت في زمن تطلقون عليه عهد الجاهلية؟ من أين آتي لكم بغيرة تلك الحشرة على الإنسان؟ كيف لي أن لا أقارن بين دار الندوة وحكوماتكم، وأنا أتساءل.. تذكرت أنهم تحالفوا مثلكم اليوم، وجاءوا بمقاتلين من كل القبائل، وما أشبه اليوم بالأمس.

ما يحدث اليوم من إذلال متعمد، وهلاك معدّ له وسلب ونهب للممتلكات واعتقال وتعذيب للأبناء أمر ليس بالجديد على هذه القبائل، في كل زمن تفعلون الشيء ذاته مع مَن يعارضكم أفكاركم البالية، أو يهدد حكم سادتكم، لكن لأصدقكم القول سمعت عن شِعب أبي طالب، وسمعت عما حصل للمؤمنين مع سيدنا موسى -عليه السلام- وسمعت عن أصحاب الأخدود، وقرأت عن كل أولئك الأقوام، ولم أشعر بما حل بهم حتى رأيت قومي يحرقون ويدفنون أحياء ويسلخون ويغرقون ويهجرون ويحصل ما حصل، عندها علمت أن مَن شابه أباه فما ظلم، فأنتم أبناء أولئك الظلمة المجرمين، هي جيناتهم تسري في عروقكم، آباؤكم الأولون عذبوا وقتلوا، فلماذا أنتم لا تفعلون الشيء ذاته مع المستضعفين؟ تقتلون آلاف البشر من البسطاء الآمنين بحجة القضاء على بعض المسلحين! من أي قانون استنتجتم أحكامكم؟ وأي نظام سمح لكم بتهجير الناس وإذلالهم، وسلب وتدمير ممتلكاتهم وإهانة أبنائهم؟ ومن أنتم حتى تحكموا بفناء البشر؟ ولماذا لا توجد اليوم غيرة في القبائل المجاورة لكم مثل غيرة أولئك الذين جنحوا لتمزيق صحيفة العار؟

أصبحتم أمراء حرب بعد أن كنتم زعماء قبائل، أشعلتم فتيل الحرب لأجل أطماعكم، ولأجل أن تحصلوا على ثناء أسيادكم تجار الحروب والأزمات، دعاة الإنسانية المزيفة وطواغيت العصر، ثم عدتم وأثريتم على حساب المظلومين، نهبتم مساعدات النازحين والمهجرين التي قدمتها لهم المنظمات الدولية لإسعافهم، لكن جشعكم دفعكم لسرقة قوتهم بعد أن نهبتم حقهم في بلادهم، حاولت إيجاد وصف لأفعالكم فما وجدت، وكيف لي إيجاد وصف لكل هذا؟

تآمرتم ضدهم سُمتوهم سوء العذاب، ثم الحصار المطبق، وبعدها القصف الهمجي، ولم يهمكم في كل ذلك صغير ولا كبير، فما حفظتم فيهم إلّاً ولا ذمةً، وكل ذلك ليخرجوا من ديارهم! فخرجوا وتركوا لكم كل شيء لتخربوا وتعبثوا، وتلك هوايتكم المفضلة، ولم تكتفوا بذلك.. فهؤلاء بنظركم مجرمون أو متعاونون مع الإجرام، وكأنكم لستم السبب في كل ما حصل معهم، وكأنهم ليسوا الضحايا في كل هذا! وكأن العالم أجمع أصم أبكم أبرص!

من استطاع أن يفرّ من الحصار والقصف عليه أن يقطع مسافات شاسعة من الأراضي الموحشة والخروج سالماً، بعد رحلة سفر ملؤها المخاطر مع أطفاله وعجائزه، فالطريق للخيام ليس سالكاً، هناك القصف والعصابات السائبة وحقول الألغام، فإن لم تُقصف ولم تَدُسْ على لغم، ولم تمت جوعاً وعطشاً، سيستقبلك أولئك الذين يعتقدون أن الجميع دخلاء على الوطن، وأنهم أبناؤه الغيارى! ويبدأون بعزل الرجال عن النساء والأطفال، فيضعون الحريم في عجلات للحمل الثقيل تسمى "قلّاب" وهي لم تصنع للنقل البشري بطبيعة الحال، ومع انتظار لساعات في الحر والبرد وإجراءات بائسة، ينقلونهم إلى "مدن القماش"، وهذه طامة كبرى وعار كبير في جبين القبائل والدول والمنظمات والمشايخ وكل من له شأن، فهي عبارة عن مئات الخيام القماشية نصبوها في الصحاري والوديان؛ ليبدأوا مرحلة أخرى من مراحل العذاب بحق هؤلاء الهاربين الناجين من الموت بأعجوبة، أما الرجال فيتم حبسهم في أول الأمر في أماكن ضيقة مع سيل من السباب والشتائم والضرب، بحجة ما يسمى بـ"التدقيق الأمني" وهذا التدقيق لا يجري في يوم أو يومين؛ حيث لا بد لهؤلاء "المشتبه فيهم" أن ينال منهم، ومع استمرار الاعتداء عليهم والتنكيل بهم، يجري حبسهم في أماكن ضيقة لا تتوافر فيها أدنى مقومات الحياة، بغية تعذيبهم بالطريقة التي يحبذها رعاة الإرهاب، من يشكّ بأنه متّهم يتمّ قتله والتنكيل به، ومن يتأكدون من سلامة موقفه إما أن يبقى في سجونهم غير المعلنة أو يتم إخراجه وهو في حال يرثى لها ويذهب به إلى المخيمات؛ ليبدأ فصل آخر من التعذيب، وهو فصل الإذلال والتجويع والبرد والحرّ الشديدين؛ حيث لا بد لمن يدخل أسوار المخيم أن يكره اليوم الذي ولدته فيه أمه؛ لما يراه من استهانة بحياته وكرامته وحريته.

في الخيام أناس كانت لهم أحلامهم قبل أن تربطوا مصيرهم بأطماعكم، يا أمراء الحرب، وفي الخيام نفوس تتعذب وتتمنى لو أنها بعثت في زمن آخر؛ حيث للإنسان مكان وحق وعليه واجبات، في الخيام ليس كما في المنزل كل شيء يختلف، لا خصوصية لأحد، ولا راحة ولا خلوة، ولا أمل ولا دفء، ولا حياة تستحق أن تذكر، حتى الغسول هم كبير، في الخيام، أناس يبكيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما بكى خديجة وأبا طالب؛ لأنهم أحبابه آمنوا به دون أن يرَوه فأي رجل خاصمتم؟

لا أستبعد أن يخسف الله بنا الأرض، فنهلك جميعاً بعد الذي حصل، ملايين من المسلمين في خيام بائسة متهالكة بلا غذاء وبلا علاج ولا دفء ولا رحمة حتى، ونحن ننعم بكل شيء! ما بال أمتنا، هل هذا ما أوصينا به؟

في قوانين الإسلام لا يجوز الاستعانة بكافر؛ لذا فأنتم لا تقاتلون لأجل دين أو عقيدة دينية، الأمر متعلق بالمكتسبات والمصالح، ويبدو أن مكتسباتكم ومصالحكم تتعارض مع وجود مدن غير مدمرة، ومع بشر غير متضررين، ومع أموال وممتلكات عامرة، ولا يمكن لأي قول أو فعل يبرر أفعالكم بعد حدوثها؛ إذ لا قيمة للأرض إذا هلك البشر وما يملكون، إلا إذا كانت مصالحكم حدّثتكم أنكم ورثة من يُقتل فعمدتم إلى قتل وطرد أكبر عدد منهم، ونسيتم أن القاتل لا يرث.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل