المحتوى الرئيسى

الكنوز ليست دائمًا تحت الأرض

02/08 21:39

نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالًا لـ«إحسان الفقيه» ــ الكاتبة الأردنية ــ حول ضرورة البحث عن القدرات والطاقات الموجودة داخل النفوس البشرية ورعايتها وتطويرها وتوفير البيئة الملائمة من أجل ذلك.

تستهل الكاتبة المقال بأن العثور على الكنوز، حلم البشر منذ القدم وإلى أن تبلغ الحياة البشرية على الأرض منتهاها، الغرب مثلنا يبحث عنها، غير أننا لا نبحث عنها إلا تحت الأرض، أما هم، فقد زادوا علينا البحث عن الكنوز التى تمشى على التراب، عن تلك العقول والطاقات المتمثلة فى الثروة البشرية التى هى أساس كل حضارة وبنيانها.

من هنا كان الإبداع والكشف عن المبدعين ورعايتهم وتطويرهم ضرورة نهضوية، فالمبدعون هم ثروة ضخمة، يقوم أحدهم بما يقوم به الكثرة، لذلك كان اهتمام الدوائر العلمية المختلفة بالغرب، بخلق البيئة المناسبة التى تفجر الإبداع وتحتويه، ويتأكد هذا الاهتمام فى محيط العناية بالنشء، إذ قامت العديد من المدارس التى تعمل على تنمية العملية الإبداعية لدى التلاميذ.

لذا تلاحقت الدعوات فى البلاد الإسلامية والعربية أخيرا للاهتمام بهذا الجانب لدى الأطفال، بل ولاكتشاف قوانينه لجعل الإبداع صناعة لها مقوماتها وآلية إنتاجها، تتيح لنا صناعة المبدعين وتطويرهم ورفع مستوياتهم الإبداعية، والحديث بين الأكاديميين والمختصين بالتربية يدور الآن حول اكتشاف تلك القوانين.

تنتقل «الفقيه» إلى الجدل الذى ثار بين العلماء حول علاقة الإبداع بالذكاء، فبعضهم يرى أن هناك علاقة طردية بينهما، وأن الإبداع ما هو إلا صورة من صور الذكاء، بينما يذهب آخرون إلى أنهما مختلفان، وأن الاعتقاد بأن كل ذكى مبدع وأن كل مبدع ذكى هو من الأخطاء التى وقع الناس فيها قديما، فالإبداع نعم يُعد مظهرا من مظاهر الذكاء، لكنه ليس بالضرورة أن يكون الشخص الذكى مبدعا، وصاحب الذكاء العادى أو الشخص البسيط يمكنه أن يجد لنفسه مكانا بين المبدعين.

تتفرع عن المسألة السابقة مسألة أخرى، هل يعتبر مستوى التحصيل الدراسى مؤشرا ودليلا على قدرة الطفل على الإبداع؟

رغم أن التحصيل الدراسى وعملية التعلم بصفة عامة تنمى القدرات العقلية لدى الطفل، إلا أنه لا يلزم من ذلك أن يكون دليلا ومؤشرا للإبداع، والتاريخ خير شاهد، فعلى سبيل المثال نجد أن المخترع الأشهر «توماس إديسون» ذهب إلى المدرسة ذات الفصل الواحد وهو فى الـ11 من عمره مع 39 طفلا. ولكنه ليس ككل الأطفال، إنه لا يكف عن الملاحظة والسؤال، وتلفت انتباهه أشياء غريبة جدا، وبعد 4 أشهر لم تكتمل، أعلن مُدرّسه أنه طفل غير طبيعى متأخر، مُتبلّد الذهن لا يصلح للدراسة.

والدته لم تكن بعيدة عن المشكلة، فقامت بسحب توماس من المدرسة وبدأت تعلمه بنفسها فى البيت، وتُنمّى بداخله حب الدراسة، ليتجه بعدها للعمل الميكانيكى، ونبغ فيها حتى سجل ما يزيد على ألف اختراع، منها المصباح الكهربائى، الذى يعرف كل طفل فى المدارس الابتدائية عندما يلمس زر الإضاءة، أن صاحب هذا الإنجاز هو توماس إديسون.

أما «أينشتاين» فلم يكن متفوقا فى مادة الرياضيات، حتى أن معلمه ركل الكرسى الذى كان يجلس عليه أينشتاين، فشعر الأخير بالإهانة فقرر أن يتحدى المدرس، فأخرج للعالم نظرية النسبية المشهورة. إذن، فالتحصيل الدراسى الجيد وحده غير كافٍ فى تحديد الجانب الإبداعى فى الطفل، وإن كان مؤشرا مهما.

ربما كانت سياسة التعليم فى الوطن العربى وراء الحرص الجماهيرى على تخصصات بعينها كالطب والهندسة مثلا، نظرا لمكانتها الاجتماعية، والدفع بالأبناء فى اتجاه هذه التخصصات، من دون النظر إلى الإمكانات والمواهب والميول، ومن ثم تُقتل وتُباد الطاقات الإبداعية.

الاهتمام بالإبداع وتفجير الطاقات الإبداعية، يبدأ بوضع برامج للكشف عن المبدعين بين الأطفال فى المحاضن التربوية والتعليمية، ومن ثم يتم تصنيف الأطفال وفق ما لديهم من استعدادات طبيعية. لكنه بالتوازى مع ذلك، ينبغى إعداد المعلمين القائمين بعملية الترشيح، للقيام بهذه المهمة، بتوضيح أهداف تلك البرامج ومحددات اختيار الموهوبين والمبدعين، حتى لا يُترك الترشيح لمدى القبول النفسى لدى المعلم تجاه الطلاب.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل