المحتوى الرئيسى

عماد الأطير يكتب: الرشوة وثقافة الفساد فى مصر  | ساسة بوست

02/08 18:54

منذ 1 دقيقة، 8 فبراير,2017

هل أصبحت الرشوة هى لغة التخاطب الرسمية في المصالح الحكومية؟ في الحقيقة نعم، فلقد انتشرت الرشوة في مصر في الآونة الأخيرة بصورة مبالغ فيها، وبدأت تأخذ أشكالًا مختلفة ومتعددة، وقد ساعدت ظروف البلد هؤلاء الموظفين في انتشارها؛ لأننا نعيش فى بلد لا ينتمى إلى أسس أو معايير أو قوانين مطبقة فعلًا، فالقانون يطبق فقط، على من لا دهر له، والعمل أصبح لفئة معينة، والوظائف العالية لأصحاب النفوذ، وخصوصًا ممن يمتلكون العلاقات والمال.

من يقرأ تاريخ النهب والسرقة وتهريب مليارات الدولارات فى مصر الى الخارج يعلم إنه لم يتم محاكمة أحد لانهم بكل سهولة قاموا بتهريب أموالهم ثم هربوا بواسطة شركائهم فى البلد اللذين أستخرجوا لهم جوازات السفر والتأشيرات اللازمة للخروج بصورة طبيعية من المطارات والموانىء والكل يفهم جيدًا ما أقوله.

ومن هنا ينعدم دور الرقابة، فمن يراقب من؟ فالمسئول الذى من المفروض أن يراقب الفاسدين، يعلم في قرارة نفسه، إنه جاء إلى وظيفته بطريقة غير مشروعة، نظير مبلغ من المال، فكيف يراقب الفاسد فاسدًا مثله، فمن هنا لا نجد جهازًا رقابيًا محترمًا، يستطيع أن يتصدى للرشاوى، وكافة أنواع الفساد في المجتمع المصري.

ومن هنا لم يعد هناك جهاز رقابي محترم يضمن للفقير حقه، وعدم استغلاله، ولكن هيهات أن يحدث هذا في بلد باع نفسه لرجال المال ورجال الأعمال، ومجموعة من الوزراء المرتشين، أمثال عاطف عبيد، والمغربي، ومرورًا بالوزراء الجدد في حكومات الثورات، فأي ثورات هذه التي انتشر فيها الفساد.

فنحن كل يوم نسمع عن سقوط مرتش جديد، وفاسد جديد في حوزته العديد من الأموال، ولكن أين حيتان الفساد من رجال الدولة، ورجال الأعمال، فهؤلاء الذين تم الإعلان عنهم الآن ما هم، إلا أدوات صغيرة فى يد الحيتان الكبيرة، فهم مثل العرائس الورقية يحركونهم كما يشاءون، وعندما ينتهي دورهم يسلمونهم، ويقضون عليهم.

فأين الحيتان الكبيرة من الرشاوى والفساد؟ التي تعيش على مص دماء المصريين، وأين حق الشعب المصري من هؤلاء؟ فكيف نطالب الشعب بالصبر، وهو يرى شخصًا، مثل أحمد عز، وحسين سالم، ومحمد أبو العينين، ومبارك، وأولاده، وغيرهم من نجوم المجتمع والقنوات الفضائية، ويراهم يتحكمون في قوت يومهم، والشعب يأكل الطوب والحجارة، ويسمع شعارات رنانة لا تغنى ولا تثمن من جوع.

إن سبب الفساد الذي يحدث الآن في مصر، يرجع إلى عدم وجود الشفافية والوضوح في كل شيء، والفساد يظهر بوضوح في المؤسسات التي تتسم بالأنفاق المبالغ فيه، وليس هناك قيود أو متابعة ومراجعة لنوع الأنفاق، وليس هناك حق لأي جهة أن تتدخل في ذلك، وبالتالي نجد جزء كبير من موازنة الدولة غامض لا نعلم عنه شيئًا، فعادة ما يقال إن هذا الجزء ذهب للتنمية الاقتصادية أو التنمية الاجتماعية.

وفى الحقيقة فنحن لا نعلم سبل تلك التنمية، ولا يحق لنا أن نسأل عنها، فهي حق مشروع لتلك المؤسسات، ومٌحرم على الشعب أن يتناقش أو حتى يسأل في هذا؛ لأننا عشنا عصورًا طويلة ليس هناك حساب، أو تقديم كشف حساب من أية جهة للشعب.

كما نجد قيام الدولة بدفع أموال طائلة في أسلحة مخزنة في مخازن الدولة، ولم يعد لها قيمة لآن السلاح يتجدد ويتغير ولا يخزن لفترات طويلة، والبعض استغل هذا في إظهار السمسرة والعمولات، وهذا طبيعي في كل الدول، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، فهو العالم الخفي لسمسرة وعمولات السلاح.

لذلك قام بعض الموظفين في مصر في ابتكار ثقافة جديدة، وهي ثقافة الرشاوى، فالبعض يطلق عليها مجاملات، والبعض الآخر هدايا، وحق مشروع نتيجة تأدية الخدمة التي يطلبها الشخص، فهم يعتبرونها نوعًا من المجاملات، وإعانة لهم مقابل أدائهم خدمات ومنافع حكومية، فهذه الثقافة من وجهة نظر هؤلاء الفاسدين، إنها توفر الوقت وتظل الصعاب أمام أصحاب المنفعة، وانتشرت تلك الثقافة بسرعة البرق بين صغار وكبار الموظفين.

إن حجم الرشوة يتوقف على حجم المنفعة، ومن هنا نشأ سوق الرشوة والعمولات، وانتشار الغش والفساد تحت مسمع ومرئى من الحكومات المتوالية على الشعب المصري، فكل حكومة تأتي ومعها موظفوها الذين تربوا على ثقافة الرشوة، وكانت حكومة شريف إسماعيل خير شاهد على ذلك، وظهرت فضائح رجال في مجالس الدولة، وفي الوزارات، وهم يأخذون رشاوى تتعدى الملايين، ومازال كل يومًا يظهر علينا مرتشيًا جديدًا.

ففى الحقيقة، إن رجال الأعمال الذين يظهرون علينا بمظهر الوطنية حاليًا، فهم أشخاص تضخمت ثرواتهم من دم فقراء الشعب المصري، وذلك من خلال الأراضي التي تم أخذها من الدولة بحجة إقامة مشاريع إستثمارية ، وهم يأخذونها ويسقعونها، ثم يبيعونها بمئات الأضعاف.

ومنهم من استولى على القطاع العام، مثل أحمد عز وحديد الدخيلة، وغيره ممن نهبوا وسرقوا خيرات هذا البلد الذي يعاني الآن شعبه الظلم والذل والهوان، وارتفاع الأسعار في ظل حكومة لم تستطع أن تقف أمام هؤلاء، وتعاملت بعشوائية وقلة حيلة، وبفكر عفا عليه الزمن لم يعد يواكب العصر.

إن مصر تسير في اتجاه مظلم، ما دامت الحكومة قد قررت أن تعتمد على القروض من البنك الدولي الذي يفرض شروط من شأنها إلغاء الدعم ودور الرعاية الاجتماعية؛ مما ىسوف يساعد على انتشار الفقر بصورة أكثر، وظهور الفساد بصورة أبشع، وانتشار الجرائم والسرقات والقتل.

فنحن يا سادة نسير إلى حافة الهاوية نتيجة العشوائية فى القرار، وعدم التفكير الصحيح في النهوض بالدولة، فنحن نساعد المرتشين، وندعم الفاسدين ونحارب الشرفاء، ونقضى على آمال الفقراء في حياة كريمة، وعدالة اجتماعية في مجتمع أذاقه حكامه المرارة والعذاب على مر العصور.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل