المحتوى الرئيسى

الدكتور بشير الدليمي يكتب: العراق ما بعد الانتخابات القادمة | ساسة بوست

02/08 17:23

منذ 1 دقيقة، 8 فبراير,2017

هو المتغير الأبرز الذي يمر به العراق حاليًا على الصعيد السياسي، والأمن الداخلي منذ ثلاثة عشر عامًا. ما يميز المرحلةَ التي باتت تتشكل بوادرُها في التوقيت الحالي الذي يسبق موعد الانتخابات البرلمانية لعام 2018 بأشهر قليلة، هو تصاعدُ الخلافات الشيعية– الشيعية التي بلغت مرحلة لم تشهد لها نظيرًا على صعيد الصف الطائفي الشيعي الذي حكم البلاد منذ احتلال العراق عام 2003، وَفق مبدأ المظلومية التي لحقت بهذه الطائفة، أو ما رُوج له رغم العدد الكبير من الوزراء الشيعة الذين حكموا العراق جنبًا إلى جنب خلال فترة حكم حزب البعث.

الأحزاب الشيعية، وأبرزها المجلس الأعلى الإسلامي، وحزب الدعوة، والتيار الصدري، وغيرُها من المسميات الأقلِ شأنًا، رفعت شعار إِنصاف الشيعة، ووجهت رسائلها تحديدًا إلى المحافظات الجنوبية ذات الغالبية المؤيدة لهذة الطروحات. حاليًا تعيش هذه الأحزاب حالة من الخلافات وصلت إلى مرحلة نشر بعضهم غسيل البعض الآخر، بما في ذلك من تهم بالفساد والمجاهرة بالعداء عبر أبرز وسائل الإعلام المحلية، وأكثرِها متابعةً من الجمهور العراقي، بعدما كانت تخفيها تحت الطاولة على مدى السنوات الماضية، وتفنـّدها في العلن بتأكيد وحدة الصف «الشيعي».

الصراع الدائر والمعلن حاليًا برزت ملامحـُه العلنية بالصدام المباشـِر بين أنصار كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي» و«حزب الدعوة»، وقياديي وأنصار المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة «عمار الحكيم» في المحافظات الخاضعة لسيطرة كل حزب، إضافة إلى طرف ثالث يتمتع بشعبية في بعض المحافظات الجنوبية، ويتمثل في أنصار التيار الصدري بزعامة «مقتدى الصدر».

إنّ متابعة التطورات في هذه المناطق، وما يرافقها من تصريحات واتهامات متبادلة بين الأطراف الثلاثة على الصعيد السياسي، وتزامنـَها مع تطورات أمنية وصلت حد الاشتباك بينها، تـُظهر أنها مبنية على متغيرات ومدركات باتت جلية لدى هذه الأطراف. فالتحالف الشيعي السابق الذي يضم «المجلسَ الأعلى، والتيارَ الصدري، وحزبَ الفضيلة» يدرك انحسار شعبيته لدى القواعد الجماهيرية في المحافظات الجنوبية، ونضوبَ فرص فوزه بالانتخابات البرلمانية القادمة لعدة أسباب أبرزها السخـَط الشعبي على التيار الإسلامي الذي يحكم العراق لما عـُرف عنه بالسرقة، والفساد، والمحسوبية بين عموم الشعب العراقي.

والعامل الآخر هو بروز نوري المالكي زعيمِ حزب الدعوة المنشق عن التحالف الشيعي، تحت مسمى ائتلاف دولة القانون الذي أصبح الإمبراطورية المالية الأكبر في البلاد بعد سنوات حكمه الثماني للبلاد. فقياديون شيعةٌ بارزون اتهموا المالكي بسرقة نحو ستمائة مليار دولار من مجموع ميزانيات العراق التي تجاوزت ألف مليار دولار في تلك السنوات.

المتغير الثاني الذي لا يقل أهمية عما سبقه هو مباشرة المالكي بعد الاعتراض الدولي والعربي، فضلاً عن الشعبي على توليه رئاسة الوزراء لدورة ثالثة خلال انتخابات عام 2014، محاولة كسب فصائل مليشيات مسلحة كانت حتى وقت قريب تابعة للمجلس الأعلى الإسلامي، كفيلق بدر، وأخرى تابعة للتيار الصدري كعصائبِ أهل الحق، وما تبع ذلك من تشكيل مليشيات الحشد الشعبي بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على عدة محافظات في العراق، عقب فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني.

اليوم أصبح المالكي يسيطر على مختلـِف المليشيات التي أضحت تبطش بقوة تفوق قوة الجيش التابع للحكومة والأجهزة الأمنية الأخرى. وبالتالي فخصوم المالكي من الشيعة أنفسهم يرون في الحشد الشعبي وقوتـِه عوامل تـُجيـّر أصوات الناخبين له بالقوة، فضلاً عن عامل كسب بقية الشرائح بالمال الذي يستحوذ عليه في مقابل شبه إفلاس للدولة العراقية. إذ قـُيدت بالديون، وأثقل كاهلـَها الإنفاقُ على المعارك مع تنظيم الدولة، في ظل استمرار انخفاض أسعار النفط.

هناك أيضًا عواملُ أخرى تكاد تكون مكملة لمشهد بروز قوة المالكي المهدِدة للأحزاب والقيادات الشيعية قبل السنية، منها تنوعُ شبكة العلاقات التي عززها المالكي خلال السنوات الماضية بمختلـِف الأطراف الإيرانية وامتداداتها في لبنان عبر حزب الله، وفي سوريا، وكذلك في اليمن عبر الحوثيين، عدا عن علاقته المميزة بالجنرال قاسم سليماني قائدِ الحرس الثوري الإيراني الداعم بقوة للمالكي، سواء عن طريق دعم الحشد الشعبي التابع له، أو دعمِ وزراء يـَدينون له بالولاء، كوزيري الداخلية والدفاع المعينين حديثًا.

فوزير الداخلية قاسم الأعرجي الذي فرضه سليماني لوزارة الداخلية هو من الشخصيات البارزة والمقربة من قاسم سليماني، وهو أيضًا قيادي في فيلق بدر التابع لهادي العامري الصديق المقرب من المالكي. أما بالنسبة لوزارة الدفاع التي تـُحسب للسنة كوزارة سيادية، فتمت مصادرة هذا الاستحقاق وَفق المحاصصة السياسية لصالح شخصية تتماشى مع طروحات الإصلاح في هرم الدولة العراقية، التي رفعها شعارًا حيدر العبادي رئيسُ الوزراء الحالي، وعضو حزب الدعوة الذي يقوده المالكي.

العبادي طبق دعوة الوزارات المستقلة على وزارة الدفاع حصةِ المكون السني الذي يعيش حاليًا حالة من الوهن والضعف، بما يمثله من سياسيين ثبت فشلهم، بعد تواصل سعيهم خلف المصالح الشخصية، وما يلاحقهم من ملفات فساد، فضلاً عن تأثرهم ببطش مليشيات الحشد الشعبي التي تواظب على التنكيل بهم.

هي أشهر معدودة، ويدخل العراق في مرحلة أحادية السلطة، وبروز صفة القائد الحاكم الواحد بدون شراكة، أو ديمقراطية وفق مبدأ المالكي الذي يروج لحكم «الأغلبية» منذ سنوات. وهو ما سيضرب به نوري المالكي كل الأطراف المنافسة باستخدام سلاح القوة، أي «المليشيات» إضافة إلى المال. هذا السيناريو القادم لا محالة يقف بينه وبين تحقيق المالكي له طرفان لا ثالث لهما، أولهما الاتفاق الروسي التركي العربي في سوريا، وهو ما قد يشمل العراق لاحقًا، والآخر هو الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب الذي أطلق الاتهامات على إيران والحشد الشعبي، كما رفض لقاء حيدر العبادي رئيسِ الوزراء العراقي في الأيام الماضية.

ما تنتظره المنطقة العربية من تطورات قد يفوق ما مرت، وتمر به حاليًا على صعيد المـِلفات الأمنية. فدول الجوار العراقي ستشهد تصعيدًا يقوده المالكي، تسديدًا للدين والأوامر الإيرانية له. وإيران بدورها ستجعل من بغداد عبر رجلها هناك نقطة انطلاق مباشـِر نحو أهدافها في الدول العربية كالبحرين، والسعودية، وغيرهما من الدول المنضوية تحت لواء المملكة العربية السعودية.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل