المحتوى الرئيسى

"الدستور" تحقق: أين اختفى الصينيون من شوارع القاهرة؟

02/08 15:15

> اتجهوا إلى محافظات الصعيد.. لكن الدولار والإقامة دفع بعضهم للعودة إلى بكين

> الباقون فى مصر انتقلوا للعمل فى 20 مصنعًا بـ«شق التعبان» برواتب تتراوح بين 3 و5 آلاف جنيه

على مدار سنوات مضت، غزت الصناعة الصينية السوق المصرية، لتشهد رواجًا شديدًا فى ظل حالة الركود الاقتصادى للسوق. الصينيون انتشروا فى كل حدب وصوب يبيعون بضائعهم، بداية من المدن وصولًا إلى القرى، ينتشرون على نواصى الشوارع، وأمام محطات مترو الأنفاق، بل إنهم أصبحوا يمرون على كل شقق وعمارات المحروسة.

ووصل الأمر بالصينيين إلى العمل «حلاقين» يذهبون للزبائن فى المنازل مقابل بعض الجنيهات، ولم يقفوا فقط عند البيع والشراء بل قاموا بتقسيط مبالغ على المشترين ليعودوا إليهم مرة أخرى لتحصيلها منهم، قبل أن يعرضوا عليهم منتجاتهم الجديدة مرة أخرى.

فترات طويلة ظلت فيها تجارتهم رابحة، ووجودهم يزداد يومًا عن الآخر، يبيعون كل شىء: هواتف محمولة، مفروشات، أدوات منزلية، ملابس، أدوات نظافة شخصية، وحتى السلع الموسمية، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت غيابهم عن الساحة المصرية بشكل لافت تمامًا.

الأمر الذى دفع «الدستور» للتقصى عن تلك الظاهرة التى اختفت فجأة، ونخوض رحلة لفتح ملف اختفائهم مرة أخرى، وهل عادوا إلى بلادهم بعد تراجع الأوضاع الاقتصادية فى مصر، أم تركوا تجارة الشنطة وراحوا يعملون فى تجارة أخرى أكثر ربحًا بعيدًا عن الشارع المصرى، الذى أصبح الوضع فيه مختلفًا عن بداية وجودهم، أم أن الحكومة المصرية كان لها رأى مخالف وضيقت عليهم الخناق. فى الآونة الأخيرة ترددت أحاديث، تناقلها المصريون، تشير إلى أن هناك قوانين فى الصين لإرسال السجناء غير المدانين فى قضايا جنائية متعلقة بسفك الدماء إلى دول أخرى لبيع المنتجات الصينية المُصنعة فى بلادهم، وما يعود بالفائدة المالية على بلادهم، إلا أن جميع المصادر التى تحدثت معها «الدستور»، ومن ضمنهم الصينيون أنفسهم، نفوا ذلك الكلام جملة وتفصيلًا، مؤكدين صعوبة وجود مثل تلك القوانين ووصفوها بـ"الكلام العبثى".

لاحظت «الدستور»، بعد تقصى الأمر لأسابيع، ظهور بائعين صينيين فى محافظات الصعيد وعلى رأسها سوهاج وأسيوط، وذلك بعد اختفائهم من القاهرة، إلا أن معظم الصعايدة رفضوا منتجاتهم أو وجودهم، لأنهم لا يثقون إلا فى المنتجات الأصلية، حسبما قالوا، ولذلك تواصلنا مع عدد من أهالى محافظات صعيد مصر لمعرفة طبيعة وجود الصينيين هناك.

البداية كانت مع مصطفى الشندويلى، من قرية شندويل بمحافظة سوهاج، يقول «مصطفى»: «مبقاش فى أى صينيين عندنا، تقريبًا ما بشفش غير كل شهور طويلة واحد منهم، اختفوا بشكل كبير بدون ما أعرف أسباب لده»، فيما تابع أشرف حسام، من محافظة المنيا، قائلاً: «طبيعة أهالينا مبيحبوش يشتروا من الحاجات اللى مش معروف مصدرها زى اللى مع الناس بتوع الصين، بنفضّل نشترى من محلات علشان لو حصل فيها أى شىء نعرف نرجعها تانى»، مشيرًا إلى أنه من الممكن أن يكون سبب تراجع وجودهم مؤخرًا فى الشارع هو رفض الأهالى لهم.

"أم محمد"، من محافظة المنيا، أكدت أنها اشترت منهم من فترة أكثر من منتج، وكانوا فى قمة الاحترام والود معها: «محدش فيهم ضايقنى، بل بالعكس كانوا ممكن يسيبوا عليك فلوس لحد لما يلفوا ويرجعوا»، ضاحكة: "كانوا بيربوا زباين".

وتضيف السيدة الأربعينية حول أسباب تراجع وجودهم فى الفترة الأخيرة: "أكيد السبب هو التغيرات اللى تمت فى مصر، والوضع بقى صعب، وأكيد معرفوش يكملوا وسط ارتفاع الأسعار والوضع الأمنى الصعب".

يرى «إبراهيم»، صينى الجنسية ويدرس فى كلية اللغة العربية جامعة الأزهر، أن اختفاء الباعة الجائلين الصينيين من شوارع مصر، وانكماش حجم «تجارة الشنطة»، سببه وجود بعض الأزمات مع الحكومة المصرية، وهذه الأزمات اضطرتهم لتوزيع بضائعهم فى بعض المحافظات البعيدة عن القاهرة، مشيرًا إلى أن هناك عددًا كبيرًا أيضًا عاد إلى الصين مرة أخرى بسبب مشاكل الإقامة فى مصر.

ويضيف «عبدالله»، وهو اسم اختاره بديلاً لاسمه الصينى اتجانج، ويعمل بأحد المصانع فى المعادى، أنهم: "كانوا موجودين وبيبيعوا، ولكن الدولار والوضع الاقتصادى فى مصر جعلهم يعودون لبلادهم مرة أخرى، لأنهم أصبحوا مبيكسبوش بعد تغيير العملة".

ويعبر «عبدالله» عن استيائه من المصريين: «كل حاجة هنا بفلوس، المصريين لما بيلاقوك غريب بياخدوا منك فلوس كتيرة، لما رحت أزور الأهرامات وأركب حصان اتفقت على مبلغ أروح وأرجع، لكن بعد ما وصّلنى كان عايز فلوس تانى منى»، مشيراً إلى أن مثل تلك الأفعال من الممكن أن تجعل الموجودين فى مصر لا يقبلون على البقاء فيها مرة أخرى.

وأكدت الكلام «مى»، وهو اسم بديل لاسمها الصينى شياو اتجين: «جاءوا لأن السوق المصرية كانت بالنسبة إليهم مربحة للغاية، ولكن مع تغير العملة منهم من عاد إلى بلاده، ومنهم من ذهب لدول أخرى أصبحت أكثر ربحًا بالنسبة لهم، بجانب بعض المشاكل فى الإقامة بمصر".

وبلغة عربية ضعيفة، يتابع «يونج»: ".مصر تحتل مكانة مهمة لدى الحكومة الصينية، لأن المنتجات تُباع هنا بكثرة وتلقى رواجًا شديدًا وإعجابًا تامًا من المصريين، ويزداد الإقبال عليها، ما حدث بعد ذلك أن الأمر بات غير مربح لمن يأتون إلى هنا طالبين الرزق والأموال، وهذا ما جعلهم يعودون عندما تغيرت الأحوال المادية»، مضيفًا بحس فكاهى: «المصريون مريحون فى التعامل ويحبون الفكاهة".

تواصلت «الدستور» مع عدد من خبراء الاقتصاد فى مصر، لمعرفة حجم تراجع التجارة الصينية عن طريق «تجار الشنطة» الذين ظهروا بكثرة فى الشوارع.

فى البداية أكد الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادى، أن تراجع «تجارة الشنطة» يرجع إلى شقين، ظروف التجارة الدولية ثم الظروف المحلية.

واستطرد «الدمرداش» حول ظروف التجارة الدولية قائلاً: «الدول التى كانت مراكز لتجميع الكونتينرات المطلوبة من تجار الشنطة، أمثال العقبة الأردنية، أصبحت تعانى هى الأخرى من ظروف التجارة الخارجية بعد حدوث انكماش فى ظروف التجارة فى دول المنطقة على مدار الخمس سنوات الأخيرة». ويشير الخبير الاقتصادى إلى أنّه مع زيادة حدة الظروف الاقتصادية الداخلية أصبحت المنافسة الداخلية أكثر شراسة، فالتاجر المصرى أضحى شرسًا فى الحفاظ على لقمة عيشه، فلا يريد أن يقاسمه آخر فى رزقه، وهذا بنى مشاعر عدائية بين التاجر المصرى وأى تاجر آخر يحاول كسب الرزق.

وحول القانون الصينى، الذى يشاع فى الأوساط المصرية، نوّه «شريف» عن أنه "عبثى ولا يوجد له أى أساس من الصحة، فوجوههم لم تكن تعبر عن مجرمين، دا إحنا كمصريين لما بنروح أى بلد بنبهدلها".

فى الوقت نفسه، تقول بسنت فهمى، الخبيرة الاقتصادية والنائبة البرلمانية، إنّ الصينيين الذين ظهروا بكثرة فى شوارع مصر ما هم إلا أناس حاولوا العمل بشكل غير رسمى، ولكنهم لم يستطيعوا الاستمرار فى ذلك لعدم قانونية تحركهم فى الشوارع وبيع منتجاتهم. وتتابع: «من المؤكد أن الجهات الرقابية ضيقت عليهم وجودهم وجعلتهم لا يستطيعون السير فى الشوارع وبيع منتجاتهم غير المضمونة»، حسب قولها، منوهة عن أن عدم وجودهم فى الشارع لم يؤثر بأى شكل على الاقتصاد المصرى.

تقول مريم موريس، مترجمة صينية لدى إحدى الشركات الصينية فى مصر: «لدينا فى الشركة عدد كبير جدًا من الصينيين، موجودين فى كل حتة»، وأضافت: «الصينيون الذين كانوا يبيعون فى الشوارع بضائعهم قلّ عددهم بشكل كبير بالفعل، وفى اعتقادى أن الثورة والوضع الأمنى هما سبب ذلك، بجانب العملة المتغيرة من آن إلى آخر»، منوهة عن أن هناك فى منطقة «شق التعبان» بمحافظة القاهرة عددًا كبيرًا من المصانع التى احتوتهم بعد الاختفاء تتعدى الـ٢٠ مصنعًا، تحوى عددًا كبيرًا من العمالة الصينية.

وتضيف «مريم» لـ«الدستور»: «فيه شركات كتيرة ومصانع فى أكتوبر بالمنطقة الصناعية وبدر والعاشر، وفيه مصانع فى الإسكندرية بالتحديد فى برج العرب، وعدد من المصانع فى الإسماعيلية، وهناك مناطق كاملة صينية مثل الموجودة فى العين السخنة، كل تلك المصانع تحتوى على عدد كبير من الصينيين»، مؤكدة أن غالبيتهم يسكنون فى محيط تلك المصانع، فعمارات الأمل فى «شق التعبان» جميع قاطنيها صينيون يعملون فى تلك المنطقة.

وتابعت «مريم»: "مصر تعتبر أكبر سوق فى الشرق الأوسط استهلاكًا للمنتجات الصينية، بالإضافة إلى وجود باعة جائلين فى مصر بالأساس، لذا يمكنهم أن ينخرطوا وسطهم دون أن تضيق عليهم الحكومة".

انتقلت «الدستور» للحديث مع أصحاب مصانع «شق التعبان» لمعرفة الوضع هناك، وحقيقة وجود الصينيين بكثرة كما يقال. فى البداية أكد خالد صديق، صاحب مصنع للرخام، بقوله: «الفترة الحالية الصينيين بيسافروا بلادهم علشان بياخدوا الإجازة السنوية، لكن فى الأوقات العادية المنطقة هنا تنتفض من الصينيين». وأوضح «صديق»: «معظم الموجودين هنا طلاب يدرسون وبجانب دراستهم يعملون هنا لكى يكسبوا أموالا تعينهم على الدراسة والبقاء فى مصر»، غير أنه يشير إلى أن «عددهم الآن قلّ عن الفترة الماضية بنسبة تتراوح بين ٥٠ - ٦٠٪». وحول قانون الصين المعنى بإرسال المساجين غير المتورطين فى أعمال دم، تعجب «صديق» من هذا الكلام قائلاً: «اتكلمت مع ناس منهم ومفيش حد قالى الكلام ده إطلاقًا، القوانين دى مش حقيقية»، منوهًا عن أنه ذهب مرات كثيرة للصين، ورأى عددًا كبيرًا من المصانع القائمة على الرخام المصرى، تعبيرًا على حجم العمل الموجود بين البلدين.

فى الوقت نفسه، أكد حسن محمد، صاحب مصنع رخام آخر بـ«شق التعبان»، قائلاً: «الصينيون بيزيدوا مش بيقلوا، بيزيدوا علشان الأحوال هنا بتسوء كل يوم، بيأجروا المصانع اللى أصحابها مش عارفين يشغلوها وبيستسهلوا إنهم يأجروا بـ٥٠ ألف ضامنينهم». وتابع «محمد»: "الصين تعطى دعمًا للصينيين ١٥٪ عندما يقومون بجلب منتجاتهم وبيعها هنا، لذلك فالسوق المصرية رائجة بالنسبة لهم، كل قطع الغيار صينية، والعمالة بتاعتهم، وشغلهم كويس للغاية".

لكن الأمر لا يخلو من ظهور علامات الضيق: «الصينيون بييجوا زيارات بدون عقد عمل، ليه الدولة ساكتة على فلوس هى مصدر دخل ليها، ولما بيحاولوا يمسكوهم بيبلغوا بعض وبيهربوا شوية ويرجعوا تانى»، معبرًا عن وجودهم بـ"بياخدوا الدعم بتاعنا كمصريين وبيستفادوا بيه، علشان كده مش عارفين ننافسهم لأنهم بيتهربوا من دفع الضرايب".

وأضاف صاحب المصنع قائلاً: «لدى عمالة ٣ صينيين فقط من جملة العمالة، عندى الخبرة الكافية فى التعامل مع كافة الأمور، لا أستعين بهم إلا عند بالضرورة، أنا عن نفسى بفضل أشغل الفنى المصرى عن الفنى الصينى»، منهيًا حديثه بنفى القانون الذى أشرنا إليه سابقًا: «الكلام ده سمعته وبس، لكنه مش حقيقة علشان بيسافروا وبييجوا، لو عليهم أحكام مستحيل يسافروا»، منوهًا عن أن أجر العامل الصينى شهريًا يتراوح 3 و 5 آلاف جنيه. يذكر أن الصينيين تورّطوا، العام الماضى، فى عدد من القضايا تركزت غالبيتها فى مجال تجارة الجنس، غير أن هناك قضية خاصة بسرقة حسابات عملاء البنوك بنسخ بياناتهم على بطاقات ائتمان تمكنهم من سرقة أرصدة الضحايا.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل