المحتوى الرئيسى

«غلابة» على باب «أبوالريش»

02/08 20:02

الأهالى يفرشون الأرض فى عز البرد أملاً فى فرصة علاج

30٪ عجزاً فى الأطباء.. و55٪ لطاقم التمريض

نقص حاد فى عدد الغرف.. وسرير لكل ألف طفل

السطور التالية تحمل آهات وأنين وأوجاع أطفال مصر.. شاء القدر لهم أن يولدوا بأمراض متنوعة وخطيرة ومؤلمة.. السرطان، سيولة فى الدم.. ضمور العضلات.. ضور الأعصاب.. ومرض حوض البحر المتوسط وغيرها.. رضوا بالألم ولكنهم لم يجدوا العلاج والراحة لتخفيف الأنين لعدم وجود مستشفيات فى مصر كافية لعلاجهم.

الكارثة أن عدد مستشفيات الأطفال فى مصر أقل من 10 مقابل 32 مليون طفل مصرى كما قدرهم الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2015، أما رقم «صفر» فكان من نصيب المستشفيات المتخصصة لعلاج الأمراض الخطيرة باستثناء مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال، أما مستشفيات أبوالريش «اليابانى والمنيرة» وأطفال مصر.. تستقبل يوميا 5 أضعاف قدرتها الاستيعابية فلم يجد الطفل المريض سريراً لاحتوائه فتضطر أسرته القادمة من شتى محافظات مصر إلى افتراش رصيف الشارع انتظاراً وأملاً فى رحمة ربنا ولطفه بهم.

هذا التحقيق يكشف معاناة الأهالى وأطفالهم على أبواب مستشفى أبوالريش من أجل الحصول على فرصة للعلاج.

هويدا أحمد، أم لسبعة أبناء، الابنة الكبرى فى المرحلة الجامعية وآخر العنقود طفلة لا يتعدى عمرها ستة أشهر، تعانى منذ ولادتها من قىء وإسهال حرمت من الرضاعة الطبيعية لأسباب صحية خاصة بالأم، فاضطرت الأخيرة إلى اللجوء للألبان الصناعية لإرضاع وإشباع الصغيرة.

تقول الأم فى مرارة: فى البداية كنت أحصل على علبتى لبن من المستشفى، وكانت تكفى لسد جوع ابنتى فى الأسبوع إلا أننى فوجئت بتخفيف الكمية إلى علبة واحدة فقط وعندما سألت عن السبب قالوا إن الناس كلها عاوزة والدنيا زحمة وعلبة اللبن غالية حيث بلغ سعرها 160 جنيها، والعلبة الواحدة لم تعد تكفى لإشباع طفلتى فهى تكفى لثلاثة أيام فقط، وعندما أبلغت الطبيب المعالج بالمستشفى نصحنى بأن أطعمها بجانب اللبن كى تشبع، فكيف يحدث ذلك وهى تعانى من إسهال شديد منذ ولادتها والأطباء عجزوا عن إيقافه أو حتى التقليل منه.

شيماء وجدى، أم لمحمد متولى طفل 10 سنوات من شبين الكوم، يعانى من ضمور فى أعصاب الجسد، عمل جميع الأشعة والتحاليل والصدمة الكبرى عندما علمت الأم ألا يوجد علاج لفلذة كبدها حتى ولو فى الخارج وهو الآن يرقد فى معهد الكبد والأم تجرى وتبحث ولن تكل ولن تمل فى البحث عن علاج لمحمد.

توحة عبدالستار جاءت من الفيوم تحمل ابنها أحمد 4 سنوات على يديها، بمجرد أن لمحتنى اقتربت منى وقالت بصوت مخنوق دون انقطاع: من ساعة ما اتولد مابيعرفش يبلع خالص، قمنا بعمل مناظير وحتى الآن لم نصل إلى حل، مرة يقولوا «زوره» ضيق ومرة كويس ومفيش مشكلة، ثم فوجئت أن طلبوا خلع أسنانه كلها وتركيب طرابيش بدلاً منها لضعف أسنانه، ثم اقترح الأطباء إجراء عملية جراحية وبعد تحديد ميعاد العملية فوجئت بأنهم أخبرونى أن العملية ستؤثر تأثيرا سلبيا على الأحبال الصوتية، حتى الآن لم أستقر على حال، وابنى ما زال يعانى من عدم القدرة على البلع وعايش على السوائل والألبان الصناعية، وعلبة اللبن وصل سعرها لـ170 جنيهاً، والمشوار نفسه من الفيوم للقاهرة يتعدى الـ250 جنيهاً.

وقالت فى حرقة: «بقالى 4 سنوات بهذا الشكل رايحة جاية على المستشفى ولم أجد من يدلنى على حل، والده فلاح بسيط ولم يعد فى استطاعتنا شراء علبة لبن واحدة، وإذا قمت بإطعامه أى شىء آخر من المأكولات الصلبة تقف فى حنجرته ووجهه يحمر ويكاد يموت، لا أريد غير الحل المفيد، لو حيعمل العملية أو لا.. الجراحين فى أبوالريش حولونى للأغذية وكل أسبوع يقولوا اللى بعده والطفل بيفقد وزنه أعمل إيه؟!

جاءت من قنا لتفترش رصيف المستشفى وتقيم بالأيام والليالى، صابرين ربيع، لديها ثلاثة أبناء أصغرهم محمد 8 شهور مصاب بعدم الانتباه نهائياً منذ ولادته قالت: دوخنا السبع دوخات، فى البداية طلب منا أشعة مقطعية على المخ ورسم مخ اكتشف من خلاله أنه يعانى من زيادة فى الكهرباء وأخذ علاجاً لذلك، ولكنه لم يكن مجدياً وبالتالى لم يتحسن ثم طلب أشعة على الأذن و الحنجرة بـ900 جنيه.

ونصحونى بتركيب سماعة لابنى حتى لا يصبح أبكم، ورغم ذلك ظل يعانى من نفس المشكلة وذات المرض، من رسم المخ لأشعة على الحنجرة والأذن إلى أن وصلنا إلى طلب مقياس سمع، وبالفعل تم عمل مقياس لسمع محمد وظهرت إصابته بمياه والتهابات فزادت جرعات العلاج، علاج لزيادة الكهرباء وعلاج لالتهابات ومياه على الأذن وعلاج للمخ والأعصاب ومع كثرة الأدوية انتاب الطفل حالة من التشنج ورفض الرضاعة وتم حجزه فى مستشفى قنا العام شهر كامل.

محمد أتم 4 شهور وقتها ولم تتحسن حالته، بل زادت فتوجهنا به إلى هنا فى مستشفى أبوالريش وبدأنا رحلة عذاب جديدة، عندما أخبرنا الأطباء بأن محمد مصاب بضمور فى المخ وكهرباء ويجب حجزه فوراً فى المستشفى ولكن الطامة الكبرى كانت بعدم وجود مكان فى المستشفى ولا حتى سرير واحد، افرشنا رصيف المستشفى يومين، بعدها تم حجزه 20 يوماً، تم خلالها عمل أشعة تحليل وراثى بـ1000 جنيه على نفقتنا وتحليل بول، ثم دخلنا مرة ثانية فى متاهات أشعة لضمور العضلات، السمع، الكهرباء، الكلى وبعد 20 يوما خرجنا من المستشفى ووصل بى الأمر - ومازالت الأم تحكى - كنت حأحب على إيديهم عشان الولد يظل فى المستشفى، وكل يوم رايحين جايين من قنا للقاهرة، وفى أغلب الأوقات نفترش الرصيف بالأيام والليالى.

اعترف الدكتور أشرف الشيحى وزير التعليم العالى والبحث العلمى بأن الإقبال على خدمات مستشفى أبوالريش يفوق طاقته الاستيعابية بـ5 أضعاف، واصفاً انتظار المرضى دورهم فى العلاج أمام المستشفى لأيام بالمظهر غير الحضارى أو اللاإنسانى، موضحا أنه فى حال توفير كامل الدعم للمستشفى ستتحسن الخدمة المصنفة حالياً عند المستوى الثالث ومن أجل ذلك أطلق وزير التعليم العالى مبادرة «أطفال مصر أمانة» فى حضور عدد من رؤساء الجامعات وعمداء كليات الطب، على أن تتضمن المرحلة الأولى للمبادرة بدء توفير خدمة علاج الأطفال على مستوى الجمهورية فى 6 مستشفيات تابعة للجامعات.

حملت كل هموم وآلام الأطفال وذويهم وطرحتها على الدكتورة هناء راضى، نائب مدير مستشفى أطفال أبوالريش، فلخصت معاناة ومشاكل المستشفى فيما يلى:

للأسف كما قالت د. هناء، مصاعد المستشفى لم تتجدد منذ 33 عاما، فجميع التبرعات يشترط أصحابها أن تخصص طبقاً لرغباتهم الشخصية، إما أن تكون موجهة لكفالة سرير أو علاج طفل دون الرغبة مثلاً فى أن يتوجه التبرع لوحدة التعقيم وتجديد المطبخ أو صيانة التكييفات.

وأكدت أن جميع الأشعات متوافرة بالمستشفى عدا أشعة الرنين المغناطيسى الذى كان يبلغ سعره قبل ارتفاع الأسعار 10 ملايين جنيه وعندما أردنا شراءه وصل الآن إلى 24 مليون جنيه!! فى الوقت الذى تبلغ ميزانيته المخصصة لنا 15 مليون جنيه فقط لا غير سنوياً، أيضاً أشعة الصبغة غير موجودة سوى فى مستشفى قصر العينى.

ودعت د. هناء المواطنين لزيارة المستشفى والاطمئنان على المرضى وزيادة أعداد المتبرعين دون أن يشترطوا جهة إنفاقها بل تترك لاحتياجات المستشفى.

وأنهت مدير مستشفى أبوالريش كلامها بأنها تقدمت بطلب للبرلمان لزيادة الميزانية المخصصة للمستشفى فى 2017 لـ70 مليون جنيه فما نحصل عليه 15 مليوناً فقط، ويتم إنفاق 55 مليون جنيه سنوياً قيمة أموال التبرعات.

بنظرة شاملة للهيكل الصحى أكد الدكتور محمد حسن خليل، مؤسس حركة الحق فى الصحة أن مصر تمتلك 98 ألف سرير حكومى يغطى كافة المستشفيات الجامعية ومستشفيات وزارة الصحة وهيئاتها ومستشفيات مصلحة السجون ووزارة الزراعة مضيفاً: إذا أضفنا عدد أسرّة مستشفيات القطاع الخاص سيصل عدد الأسرّة فى مصر 123 ألف سرير، متسائلا: كيف يتم حساب الأسرّة مقارنة بعدد السكان؟ قائلا: سيكون هناك 1٫1 سرير حكومى لكل 1000 مواطن و1٫4 سرير حكومى وخاص لكل مواطن، سنجد هذا المعدل مقارنة بالمعدلات العالمية متواضع جداً.

وأضاف: مصر طوال فترة الستينات كان لديها 2٫2 سرير حكومى لكل 1000 مواطن وإذا أردنا العودة لمستوى الستينات سيكون لدينا عجز أسرّة بمقدار 43٪ فى الأسرّة كلها.

نفس المشكلة فى عدد الأطباء مقارنة بعدد السكان، فلدينا عجز فى الأطباء بنسبة 30٪ فى مصر، ونقص فى التمريض بحوالى 55٪ والأخطر أننا نواجه عجزاً فى أسرّة الحضانات يفوق الـ50٪ علما بأن أسرّة الحضانات الموجودة فى القطاع الحكومى ثلثها مغلق لعدم وجود تمريض!!

إذن ما الهيكل الطبى الموجود فى مصر وما مدى كفاءته؟ سؤال طرحه د. محمد مؤكداً أن الإجابة عنه ستساعد فى حل أزمة الصحة فى مصر.

مستشفيات الأطفال فى مصر لا تتعدى الـ10 مستشفيات أو ربما لا تكمل هذا العدد، أشهرها أبوالريش المنيرة، أبوالريش اليابانى، أطفال مصر، ولا توجد كما قال الدكتور محمود فؤاد مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، مستشفيات للأطفال متخصصة فى أمراض القلب وسيولة الدم وأمراض حوض البحر المتوسط وأمراض السكر فى الأطفال والتقزم.

ولكن هناك أقساماً كبيرة خاصة بالأطفال فى معهد القلب ومستشفيات القلب بجامعة عين شمس وقصر العينى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل