المحتوى الرئيسى

قِصة الإنسان

02/07 22:31

يوجد ثلاثة وعشرون فصلاً تسمى "الكروموسومات"، كل فصل يحتوي على عِدة آلاف من المقالات تُسمى "الجِينات"، كل مقالة مؤلفة من فقرات تُسمى "الأكسونات"، وتتخللها فقرات كُل فقرة مؤلفة من مجموعة من الكلمات تُسمى "الكودونات"، كل كلمة مكتوبة بحروف تُسمى القواعد؛ فهناك مليار كلمة في كِتاب "الجينيوم" الذي يروي "قِصة الإنسان وأجداده، ومعاركهم البيولوجية مع الطبيعة.

إن تلك الآلة الهلامية الشكل الموجودة في رأسي تُجفل في كل مرة تراودني فيها هذه الفكرة، فخلال أربعة آلاف مليون عام من تاريخ الأرض، كُنت محظوظاً أن أولد إنساناً عاقلاً مُدركاً ومن بين ستة آلاف مليون شخص على ظهر هذا الكوكب حظيت بميزة أن أولد في قلب إفريقيا السوداء، بيضاء القلب، معقل الطبيعة، ومهد الإنسان الأول.

وُلدت بعد حوالي أربعين عاماً من اكتشاف أعظم سر في تاريخ العلم؛ بل تاريخ هذا الكوكب، وهو اكتشاف (DNA) على أيدي واطسون وكريك -لك إن شئت أيها القارئ أن تعتبرني من أتباع المذهب المادي السُخفاء حِيال هذا الحماس والفخر الذي أُبديِه في مُختصر لفظي، ولكن فقط اتبعني في رحلة "أصل الحياة"- سنذهب بآلة الزمن إلى أقاصيه، ونغوص في أعماق أعماق الخلايا الحية؛ لنكشف النقاب عن تلك المخطوطات التي كُتب بها مصيرنا، وهي الكروموسومات.

- في عام 1794م تساءل الشاعر والطبيب إرازموس داريون سؤالاً واجه به نفسه قائلاً: "لّما كان مُحتملاً أن تكون الأرض والمحيطات قد سُكنت بأشكال من النباتات قبل وجود الحيوانات، وسُلالات وُجدت قبل أُخري، فهل لنا أن نفترض أن نوعاً واحداً وحيداً من هذه الخيوط الحية هو أصل الحياة العضوية؟".

- لقد كان هذا تخميناً مُذهلاً وجديداً على عصره، ليس فقط لأنه تكلم عن أعقد المسائل، وهي أصل الحياة، وتطور الأنواع التي استكملها حفيده "تشارلز داروين"، وسردها في كِتابه أصل الأنواع، ولكن كانت العظمة في استخدامه كلمة "خيوط"، فالحق أن سر الحياة ما هو إلا خيط، ولكن كيف لخيط أن يبُث الحياة في شيء ما؟!

ومنذ ذلك الأمد البعيد كان من الصعب على الجميع تفسير كلمة حياة، بيدَ أن أنها نظامً معقد من أنظمة الديناميكا الحيوية.

وهذا النظام المُعقد يتكون من آلتين كبيرتين هما آلة القدرة على التكاثر، وآلة القدرة على خلق النظام، والقدرة على التكاثر تكمُن في أن تلك الكائنات الحية تُنتج نُسخاً مماثلة لها، فالأرانب تُنتج أرانب، وأسود السافانا تُنتج أسوداً.

ولكن تلك الأرانب والأسود تفعل ما هو أعقد من ذلك، فالأرانب تأكل العُشب وتحوله إلى لحم على أجسادها، وتبني أجساداً على قدر من التنظيم والتعقيد أكثر من تلك الفوضى العشوائية لهذا العالم.

وهي بهذا تتحدى القانون الثاني للديناميكا الحرارية الذي ينص على: (في أي نِظام مُغلق يميل كل شيء إلى التحرك في حالة النظام إلى حالة عدم النظام).

ولكن الأرانب والأسود ليست أنظمة مُغلقة، فالأرانب تبني حِزماً من النظام والتعقيد على هيئة أجساد، ولكن على حِساب استهلاك مقدار كبير من الطاقة، وعلى حسب تعبير "إرفين شرودنجر" فإن الكائنات الحية تمتص النظام من البيئة المُحيطة بها.

ومفاتيح خواص تِلك الحياة هي المعلومات، فالقدرة على التكاثر والتكون لا يمكن أن تتم دون سيناريو مكتوب مُسبقاً وخارطة طريق تتم عليها؛ لذلك فإن بويضة الأرنب تحمل المعلومات اللازمة لنمو وتكوين جسده وتطوره، وتحتاج أيضاً القدرة على خلق النظام عن طريق عملية الأيض هي الأخرى المعلومات.

إن كُل ما عليه (الأرنب البالغ، والإنسان، والأسد) من القدرة على التكاثر والأيض، فهو مُحدد مسبقاً ومكتوب منذ ملايين السنين داخل تلك الخيوط الحية الموجودة بداخله.

وهذه الفكرة ترجع مُباشرةً إلى أرسطو، الذي قال: "إن مفهوم الدجاجة موجود ضمناً في البيضة، وإن جوزة البلوط مُحددة حرفياً داخل شجرة البلوط".

وعِندما اُعيد الحديث عن تِلك الفكرة في القرن الحادي والعشرين في ظل زخم عِلم الجينات وتطوره، تقترح ماكس ويلبروك مازحاً أن يُمنح ذلك الحكيم اليوناني جائزة نوبل لاكتشافه الـDNA.

- إن خيط الـDNA ما هو إلا معلومات ورسالة مكتوبة برموز مُشفرة تتكون من أحرف كيميائية، فكل حرف له مدلول مُعين، يبدو هذا الأمر رائعاً إلى حد لا يمكن تصديقه.

وعندما نعود بالزمن قليلاً إلى عام 1943م قبيل اكتشاف هذا السر الأعظم، إلى هؤلاء القلائل الذين فكروا في تِلك الاحتمالية، نجد أن:

- فرانسيس كريك كان يعمل في تصميم الألغام البحرية بالقرب من بورتسموث.

- في الوقت نفسه يبدأ جيمس واتسون عامه الأول في جامعة شيكاغو ولديه إصرار على تكريس حياته لدراسة الطيور.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل