المحتوى الرئيسى

Mohamed Shabrawy يكتب: انهض لنُغيّر الواقع! | ساسة بوست

02/07 19:41

منذ 1 دقيقة، 7 فبراير,2017

تفرّد الله -جل شأنه- بالكمال، مما يجعلنا جميعًا ندور وبدرجاتٍ متفاوتة في حيز النقصان. والمرء يسعى للتطوير من ملكاته ومواهبه حتى يكون جديرًا باحترام ذاته أولًا، ثم باحترام الآخرين له، وقد تتفاوت السبل التي يحاول الشخص من خلالها اقتناص مساحةٍ من احترام الذات وتقدير الآخرين. وقبل أن نتطرق لصلب هذا الموضوع المهم، أدعوكَ -صديقي القارئ- للنظر معي عن كثب لهذا الشاب، كان بطلُ قصتِنا شادي يعيش في بيئة محايدة لم تُمارس عليه ضغوطٌ ولا مضايقات. كان شغوفًا بالسباحة، وبمرور الوقت ارتقى به طموحه لينال ميدالية ذهبية في أولمبياد السباحة. كان يواصل الليل بالنهار في تدريباتٍ ممنهجة ليحصد الميدالية التي تحفر اسمه بين الأفذاذ في تاريخ هذه الرياضة، وجاء اليوم الموعود ولم يُكتب له الحصول على مراده؛ فقد كان المنافسون على درجة من التميز لم تخطر له ببال، وقد حصل على الميدالية البرونزية.

عاد شادي لمنزله وقد اكتنفته حالةٌ من الصدمة وإنكار الواقع، اقتادته للزهد في التدريب، ودخل في دوامةٍ من التصرفات التي تتصادم مع هدفه الأول الذي خطط له؛ ألا وهو حيازة احترام ذاته جنبًا إلى جنبٍ مع تقدير واحترام الآخرين له، وانكب على ممارسة العديد من التصرفات غير المسؤولة، وانبرى يُلقي باللائمة على كل ما حوله، وقد أخرج نفسه من دائرة المسؤولية ولاذ بكهف التبريرات بشكلٍ غير مسبوق. ظل شادي لفترةٍ ليست باليسيرة يرزح تحت وطأةِ إنكار تفلُّتِ الميدالية الذهبية من بين أنامله، ودارَ في حلقةٍ مُفرغة وتراجع مستواه كثيرًا. كان والدُ شادي يرقُبُ الأمرَ بعينِ الشفقة، وآثَرَ ألا يطولَ صمتُه فاتخذ موقفًا حاسمًا. قرر والد شادي إنقاذ ابنه من براثِنِ التردي في متاهاتِ إنكار الواقع، ودخل على ابنه غرفته ونادى عليه بصوتٍ ملؤه الحنان والرأفة قائلًا: يا بني! انهض لنُغيّر الواقع! وكان وقعُ الكلمات على شادي غيرَ مألوف، بيدَ أنه امتثل لأمر والده، وتحققَ ما رمى إليه الوالدُ حرفيًّا. فماذا كان يقصِدُ الوالِد؟ وما الذي غيّر الواقع؟

كان الوالد قد قرأ عن وليم جلاسر مؤسس نظرية العلاج الواقعي، والتي ظهرت للدنيا عام 1965، وطبقها على عددٍ كبيرٍ من فئات المجتمع، ولنتائِجِها المرضية قام جلاسر بإدخال بعض التعديلات على نظريته لتوائم المجالات المتباينة من التعليم، والصحة، والعلاقات الأسرية، والإدارية، وغيرها. تقوم نظرية العلاج الواقعي على أنّ السلوك السوي هو السلوك الصحيح، ومن خلاله يحظى المرء بدرجات عالية من تقدير الذات واحترام الآخرين له، بينما السلوك غير السوي فهو سلوك من شأنه تراجع مستوى الثقة بالنفس واحترام الفرد لنفسه، فضلًا عن ممارسة تصرفات تحول دون قبول الآخرين له واحترامهم. نظرية العلاج الواقعي ترى أن الشخص المسؤول هو الشخص الذي يحظى بالاحترام، والمسؤولية في ظل العلاج الواقعي توازي الصحة النفسية. ومع ذلك فإن انعدام المسؤولية، أو التصرفات غير المسؤولة لا توازي المرض النفسي، ولكنها توازي السلوك غير الصحيح، والذي يتعين تغييره.

نظرية العلاج الواقعي تقتضي أن يقوم المعالج، أو المرشد بتسليط الضوء على التصرفات والسلوكيات غير السليمة التي يمارسها المسترشد، وتسمى هذه العملية بعملية الإرشاد. هنا المرشد يقوم بإبراز السلوك غير السليم، ويجعل المسترشد يقوم بتقرير عدم جدوى المضي قُدُمًا في متابعة هذا السلوك، ثم يبحث المسترشد بنفسه عن سلوك إيجابي ليحل محل السلوك السلبي السابق، ويحدث ذلك بدون توجيه مباشر أو إلزامي من المرشد. العلة من ترك المسترشد يقرر خطأ السلوك هو أن ذلك يولّد دافعًا قويًّا لدى المسترشد لمتابعة التغيير، وعدم الركون للمحفزات الخارجية سواء من المرشد أو البيئة؛ أي أن يمتلك قوة دافعة داخلية للتغيير لا تتأثر بالظروف الخارجية.

كغيرها من النظريات، فإن نظرية العلاج الواقعي تستند إلى مجموعة من المفاهيم وهي المسؤولية Responsibility، والواقعية Reality، والصواب Right، بالإضافة إلى الاندماج Assimilation، ويمكن جمعها في الرمز 3R-s ولأنّ النظرية لا تعقيد فيها، وسهلة التطبيق فإنه يمكن لأي شخص الاستفادة منها وتطبيق مفاهيمها على نفسه وعلى من حوله، بشرط التدريب والممارسة، ومع ذلك فإن أفضل النتائج يتم الحصول عليها عند قيام المختصين بتطبيق الجوانب العملية لنظرية العلاج الواقعي؛ حيث إنّ لكل حالة ملابسات تختلف في عمقها وتداعياتها؛ مما يجعل الرجوع لأهل الاختصاص الأمر الأرجح والأقرب لبلوغ الهدف المقصود. وقبل أن نعود إلى شادي يتعين علينا الإشارة -ولو على عجالة- إلى مفاهيم نظرية العلاج الواقعي لننتفع بها قدر المستطاع.

1. المسؤولية: من منظور العلاج الواقعي فإن الشخص السوي مسؤول عن كافة تصرفاته، وكلنا دون استثناء نسعى لإشباع حاجاتنا؛ فإن كان إشباع الحاجات الفردية لا يترتب عليه حرمان الآخرين من إشباع حاجاتهم فهذه هي المسؤولية. على النقيض فإن كان المرء يهرول تجاه تحقيق إشباع حاجاته حتى وإن تعارضت مع حاجات الآخرين، فهو شخص غير مسؤول، فالمسؤولية تقتضي محاسبة النفس على التصرفات، وعدم إيذاء الآخرين، والبعد التام عن إدمان التبريرات واللوم على الظروف المحيطة. المسؤولية هنا هي الصحة النفسية، ونقيضها اللامسؤولية وليس المرض النفسي. فالشخص متى وجد نفسه مريضًا سَهُلَ عليه اصطناع المعيقات واختلاق المسوغات لكل ما يقوم به من ممارسات وتصرفات غير سوية.

2. الواقع: يمثل الخبرات الحقيقية للفرد، وينضوي تحت لواء الواقع تقبُّلُ هذا الواقع وعدم إنكاره أو تشويهه. الوقت الراهن جزء من الواقع، ومع ذلك فإن العلاج الواقعي يولي أهمية قصوى للوقت الراهن؛ فمثلًا التنقيب في الدفاتر القديمة قد لا يفيد في محاولاتنا لتعديل السلوك غير السوي. وعليه يكون تعاملنا مع التصرفات الحالية وبغض الطرف عن الماضي؛ وتعليل ذلك أن البحث في الماضي يؤدي أحيانًا لطفو بعض المبررات التي تساند التصرف غير السوي، حتى وإن كانت هذه المبررات واهية؛ فإن المرء ربما يتشبث بها ويرفعُ بها عقيرته. في ذات الصدد يكون الرجوع للماضي مهمة المرشد، فهو الخبير الذي يدرك المناسب للحالة، ويقوم بلفت نظر المسترشد لهذا الجزء المناسب من الماضي، ويتقي تسليط الضوء على البقع السوداء ومستودعات الألم في حياة المسترشد.

3. الصواب: يتباين مخزون القيم من شخص لآخر ومن أمة لغيرها، ومعه يختلف مفهوم الصواب والخطأ. تصبح أفعال الشخص اعتباطية ورعناء إن أهمل النظر إليها بعينٍ تقويمية. معايير الصواب نستمدها من الدين والثقافة والعادات والتقاليد والتراث وغير ذلك. وكلما تمسّك المرء بالصواب مع درجة من المرونة، كان أقرب للحياة الهانئة.

4. الاندماج: من منظور العلاقات الاجتماعية يُعد الاندماج علاقة ودية حميمة بين فردين أو أكثر، وهو في العديد من العلاقات، وليس قاصرًا على العلاقات الأسرية. قد يؤدي فشل المرء في غير تجربة سعى خلالها للاندماج إلى الدخول في كهف الانعزال، ومقاومة الاندماج -في الوقت الذي يكون الفرد في أمَسِّ الحاجة للاندماج- وهذه صورة من صور إنكار الواقع التي يتجسد فيها تخبُط المرء، وتستوجب الحل الفوري والناجع.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل