المحتوى الرئيسى

عرَفهم المسلمون منذ القدم.. هذا هو الفرق بين الفايكنغ الدنماركيين والنرويجيين والسويديين

02/06 23:28

في يومنا هذا، يُشار إلى الاسكندنافيين من عصر الفايكنغ باسم "الفايكنغ"، وكأنهم جماعةٌ واحدة. وبغض النظر عن الفوارق اللغوية في استخدام وصف الفايكنغ في العصر الحديث، فحقيقة الأمر هي أن الجماعة التاريخية المعروفة باسم "الفايكنغ" لم تكن شعباً من جنسٍ واحد.

ووفقاً لمصادرٍ عديدة، ظهرت على الساحة بدءاً من القرن الثامن الميلادي أشكالٌ للهوية مرتبطة جغرافياً، مثل الدنماركية والنرويجية والسويدية. وتختلف هذه الهويات تماماً عن مفهوم الهوية الوطنية في دول العصر الحديث؛ إذ لم توجد وقتها تنظيماتٌ حكوميةٌ تسمح لنا باعتبارها دولة، رغم ظهور مفهوم الدولة بعدها بفترةٍ في أواخر القرون الوسطى، كما جاء في موقع الكاتب التاريخي، C.J. Adrien.

وزادت الاختلافات الإقليمية من تعويم فكرة ومفهوم الهوية بين الاسكندنافيين من عصر الفايكنغ. فعلى سبيل المثال، كانت جماعة النرويجيين التي سلبت ونهبت مدينة نانت عام 843، تشير إلى نفسها بالـ"فستفالدينجي" أو رجال فستفولد. وهو ما يشير إلى وجود اختلافاتٍ إقليميةٍ بين الجماعات التي تقع ضمن سياق الانتماءات الجغرافية نفسه.

لماذا نعتبر الفايكنغ شعباً واحداً؟

ترجع مصادر معلوماتنا عن الفايكنغ لسجلاتٍ وتأريخاتٍ متراكمةٍ كتبها رجال دينٍ أولاً وأخيراً. وحتى المؤرخين المسلمين قد صاغوا أوصافهم للفايكنغ من خلال المنظور الثقافي للإسلام.

وفي الدراسة الجغرافية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، التي كتبها المؤرخ المسلم اليعقوبي، رَبَطَ المؤرخ بين الاسكندنافيين من السويد، "وشهرتهم الروس"، والاسكندنافيين من الدنمارك الذين سلبوا ونهبوا إشبيلية في إسبانيا. وكتب اليعقوبي أن الهجوم على إشبيلية عام 844 ميلادياً قد شنَّه "المجوس الذين يُطلَق عليهم اسم الروس".

كانت الأديان السماوية في ذلك الوقت تسعى لتوحيد شعوب العالم تحت راية إلهٍ واحد. وتسببت قناعاتهم بمعتقداتهم الخاصة في خلقِ مفهومٍ إدراكيٍ عن العالم، نطلق عليه اليوم "نحن، ضدهم"؛ إذ كانوا ينظرون للجماعاتِ الأخرى في العموم من منظور أنها ستتحوَّل إلى الإيمان بديانتهم وتنضم إليهم.

لذلك، فالاختلافات بين الجماعات الأخرى ووصفها لم تكن ذات قيمةٍ أو أهمية. وهو ما أدى إلى خلق وجهة نظرٍ "ثنائية الأبعاد" عن الاسكندنافيين من عصر الفايكنغ، وهي وجهة النظر التي وصفتهم في بُعديها بـ"الوثنيين".

وبالانتقال إلى القرن الـ19، حين ظهر اهتمامٌ كبيرٌ بعصر الفايكنغ، لم يكن بحوزة المؤرخين سوى هذه النصوص المنحازة طائفياً إلى دراسة هذا العصر. ولا يمكننا تجاهل فكرة أن القرن الـ19 كان من العصور الدينية، حيث كانت العقيدة المسيحية مُسيطرةً ومُتعارفاً عليها بشكلٍ كبيرٍ في أوروبا الغربية، وهو ما سمح باستمرار الاعتقاد المغلوط عن الاسكندنافيين من عصر الفايكنغ لفترةٍ من الوقت، وهو ما تسبَّب أيضاً في نهاية المطاف في انتشار التصوُّر الثقافي السائد عن الفايكنغ بأنهم شعبٌ واحد.

لكننا أدركنا مع الوقت خطأ هذا التصور. ومع الأسف، لا يزال التصور الثقافي السائد عن الفايكنغ ينشر خرافة الشعب الواحد.

إذاً، ما الفارق بين الفايكنغ الدنماركيين والنرويجيين والسويديين؟

معظم ما نعرفه عن حياة الفايكنغ السياسية والثقافية مُستقىً في الأصلِ من تحليلاتِ المؤرخين للشعب الدنماركي. وقد انصبَّ تركيز مؤرخين، مثل دودو، وألكوين، وساكسو غراماتيكوس، وريمبرت، ونوتكير، بصفةٍ أساسيةٍ على الشعب الدنماركي للوصول إلى استنتاجاتهم.

لذلك، نحن نعرف الكثير عن الدنماركيين من عصر الفايكنغ وإنجازاتهم، أكثر من أي جماعةٍ أخرى. وهو أمرٌ ليس مفاجئاً؛ نظراً لانخراط الدنماركيين في الحياة السياسية للقارة العجوز أكثر من النرويجيين والسويديين.

وعكس أبناء عمومتهم في النرويج والسويد، كان يُنظر إلى الدنماركيين باستمرار باعتبارهم قوة إقليمية وثقافية وعسكرية، بدايةً من منتصف القرن الثامن الميلادي. إلى درجة أن الفرنجة أنفسهم اعترفوا في سجلات فولدا التاريخية بأن الدنماركيين كانوا الأقوى بين شعوب النورمانديين الشماليين.

وكقوةٍ سياسية، كان الدنماركيون هم الأقرب إلى النظام الملكي من بين تلك المناطق الثلاث. ورغم معاناتهم بعض الاضطرابات السياسية في أوائل القرن التاسع الميلادي، فإن حكام الدنمارك قد حكموا بالعدلٍ طوال عصر الفايكنغ، وهو الأمر الذي منح الدنماركيين قوةً سياسيةً واجتماعيةً لم يحظ بها غيرهم.

انخرط الدنماركيون أيضاً بشكلٍ كبيرٍ في السياسة الإقليمية. وذكرت سجلات الفرنجة الملكية التاريخية أن الدنماركيين أرسلوا مبعوثاً عام 782 إلى محكمة شارلمان؛ ليشارك القادة الساكسونيين الآخرين في إجراءِ محادثاتٍ سياسيةٍ رسميةٍ رداً على مجزرة فردن نيدرزاكسن، التي ارتكب فيها الفرنجة أعمال قتلٍ وأسرٍ وتعميدٍ بالقوة بحق أكثر من 3 آلاف مقاتلٍ ساكسونيٍ على بعد أميالٍ قليلةٍ من الحدود الدنماركية.

ورغم عدم ذكر تفاصيل ونتائج الاجتماع، فإنه يدل على مدى انخراط الدنماركيين في أحداث ذلك العصر وعدم ظهورهم فجأةً من العدم.

وأخيراً، وضع الدنماركيون خططاً للتوسع واحتلال الأراضي أكثر طموحاً من غيرهم. وتعج أحداث ذلك العصر بالشواهد على طموحاتهم الاستعمارية، مثل غزو بريطانيا، وتأسيسهم سلسلةً من القوانين الدنماركية، معروفةً باسم Danelaw. وعلى المستوى العسكري، يسود الاعتقاد بأن الدنماركيين كانوا أكثر تنظيماً وانضباطاً من أبناء عمومتهم السويديين والنرويجيين.

وفي ضوء هذه المعلومات المتوافرة عن الدنماركيين، نستطيع الآن أن نقارن بينهم وبين بقية جماعات الفايكنغ. ولكن لسوء الحظ، لا نعرف الكثير عن التشكيلات السياسية الأولى للنرويج والسويد. وتروي "ملحمة اليانغلينغ" (وهم أقدم السلالات الاسكندنافية في النرويج) حكاية الأحداث التاريخية التي أدت إلى تأسيس الملكية في النرويج، ولكنها لا تحمل الكثير من المعلومات عن جوهر تركيبتهم المجتمعية، ومدى النفوذ الذي فرضوه على الشعوب المجاورة، والعصب الثقافي الذي بنوا عليه طموحاتهم.

نحن نعلم أن النرويجيين عمدوا إلى شنِّ الهجماتِ قبل جيرانهم الدنماركيين؛ إذ كانوا أول من هاجم إيرلندا وغرب فرنسا، كما يُعتقد أنهم هم من شنوا الغارة على ليندسفارن، لكنهم في النهاية لم يكن نفوذهم يفوق الدنماركيين في أوروبا.

ويُعد غزو بريتاني (منطقة بفرنسا حالياً) في أواخر القرن التاسع الميلادي مثالاً على ذلك؛ إذ سيطر الفايكنغ النرويجيون على نانت (المركز الإقليمي في المنطقة). واستمرت هذه السيطرة سنواتٍ طويلة، حتى قام البريطانيون بطردهم ليجدوا المدينة مهجورةً دون أن تُبذل أي جهودٍ لاستيطانها، تماماً كما فعل الدنماركيون في بريطانيا ونورماندي.

وكذلك، كان السويديون (الذين اشتُهروا وقتها بالفارانجيين أو الروس) عازمين على استكشاف ونهب الأراضي الجديدة في الشرق، على طول نهري فولغا ودنيبر. ولكن حملاتهم اختلفت نوعياً عن حملات الدنماركيين والنرويجيين في الغرب.

فقد كانت حملات الروس تهدف إلى التبادل التجاري بشكلٍ رئيسي (أو هذا ما نظنه)؛ إذ أسسوا خطوطاً تجاريةً طويلةً إلى الشرق الأوسط وحول البحر الأسود حتى أواخر القرن التاسع الميلادي، حتى دعا السلافيون الإخوة روريك وسينيوس وتروفر إلى حكم بلادهم، وفقاً لسجل الأحداث التاريخية الروسي.

وحتى يومنا هذا، تظل أسباب هذه الواقعة التاريخية لغزاً غير مفهوم، لكن معظم المؤرخين يعتقدون أنها كانت إشارةً إلى استسلامِ السلافيين بعد سنواتٍ من الهجمات التي شُنَّت عليهم. لكن الأمر الواضح للعيان هو أن الجزء الذي يتحدث عن الروس قصيرٌ للغاية. ومنذ تلك اللحظة، أصبح الروس الذين انتقلوا إلى الشرق لينضموا إلى الطبقة الحاكمة جزءاً من الثقافة السلافية، ولم يعد باستطاعتنا تسميتهم "الفايكنغ".

ومن حسن الحظ أننا عرفنا أن السويديين كانوا على الأرجح الأكثر اختلافاً بين الجماعات الثلاث. وأظهر وصف أحمد بن فضلان، خلال رحلته كسفيرٍ للخليفة العباسي إلى بلاد الخزر، بعض الاختلافات الواضحة بين الروس والدنماركيين. فعلى سبيل المثال، يُزعم أن الروس كانت أجسامهم مُغطاةً بالوشوم الزرقاء، وهذا ليس ضمن ما أرّخه علماء الفرنجة. وتظل طريقتهم في دفن الملوك وعاداتهم في النظافة وغيرها من الأشياء مختلفةً عن أبناء عمومتهم الغربيين.

كما يروي المؤرخ الفرنجي ريمبرت حكاية مهمة القديس أنسجار في السويد من أجل تحويلها إلى المسيحية؛ إذ وصف الطقوس الدينية الصادمة والغريبة للسويديين في أوبسالا. وهذا دليلٌ على أن السويديين كانوا مختلفين عن أبناء عمومتهم الدنماركيين والنرويجيين، لفترةٍ من الوقت، من حيث المنظور الثقافي والديني.

بسبب جهلنا العام بالهيكل السياسي والثقافي للمجتمعين السويدي والنرويجي، يمكننا القول إن الفارق الحقيقي بين الجماعات الثلاث يكمن في قدر المعلومات التي نعرفها عن كلٍ منهم، خاصةً في العصور الأولى.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل