المحتوى الرئيسى

احنا لايصين يا برادعى

02/06 22:45

فى نهاية الحلقة الخامسة والأخيرة من حواره مع « شبكة التليفزيون العربى»، جاءت تحذيرات د. محمد البرادعى الخطيرة من اندلاع موجات من العنف لتغيير الأوضاع الراهنة فى مصر، إذا فشلنا فى تغييرها بالطرق السلمية، وكأنها تكرار بليد للعديد من الأصوات السياسية المعارضة، كما جاءت مطالبته بعقد مصالحة بين العسكريين والمدنيين والإسلاميين، غامضة لم تتعد حدود المواعظ الأخلاقية، حيث لم يوضح لمشاهديه كيف يمكن أن يتحقق هذا الهدف، وعلى أى أرضية سياسية!

لم يقدم البرادعى مفاجأة سياسية واحدة خلال حلقاته التليفزيونية الخمس، تكشف عن توصله لقراءة نقدية جديدة لأحداث السنوات الست التى أعقبت ثورة يناير، ظل الرجل قابعا فى المربع الأول للثورة، لا يجد لنفسه أى دور سوى توجيه النصائح الأخلاقية للشباب، دون أن يجد لنفسه أى دور سياسى واضح ومحدد فى المشهد القادم، رغم توقعاته الغامضة باندلاع موجات من العنف الاجتماعى بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية والديموقراطية!

خلال هذه الحوارات، كشف لنا البرادعى ــ بدون أن يقصد ــ أن الهوة التى تفصل بين «أفكاره الثورية» وبين «تحركاته السياسية» لاتزال كبيرة وواسعة. فالرجل الذى يطالب الشباب بتنظيم أنفسهم وتكوين حزب من 100 ألف عضو لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، يعلن أنه لن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها العام القادم، وانه لن يتولى أى منصب تنفيذى، وانه سيكتفى بدور «الناصح» للثوار!

حيرة البرادعى ــ أو بالأحرى تردده ــ بين «الثورة الشاملة» التى تتطلب منه دفع أثمان غالية من أجل بناء نظام سياسى جديد، وبين «المهادنة مع الثورة المضادة» التى عكستها رغبته فى الابتعاد عن المشهد السياسى، تعكس بوضوح لماذا حققنا مجرد نصف ثورة فقط، حيث أسقطنا نظام حسنى مبارك، وتمسكنا بتطبيق سياساته، فالبرادعى الذى يرى مؤيدوه أنه الأب الروحى للثورة، كان أول من ترك ميادينها ــ غاضبا أو يائسا ــ فى أحرج اللحظات، مرة كما قال هو شخصيا خلال حواراته التليفزيونية لأن الشباب خذلوه ولم ينظموا أنفسهم فى ائتلاف سياسى يخوض انتخابات البرلمان، ومرة ثانية عندما اشتد الاستقطاب والعنف بين قوى المجتمع، ومرة ثالثة وأخيرة عندما تم فض اعتصام رابعة، رغم أنه شخصيا شارك فى الفعاليات المضادة لحكم الإخوان المسلمين.

دراما البرادعى تتعدى «حيرته الثورية»، إلى فشله فى قراءة الواقع السياسى الذى يعانى من تشوهات هائلة فى مصر، أو بمعنى أصح كيفية تعامله مع الجدب السياسى فى البلاد، وتأميم العمل العام لعشرات السنوات، وسيطرة الأمن على المجال العام وتحجيمه على مقاس السلطة، فأحاط نفسه بتجمعات شبابية متنافرة التوجهات منهم الشرفاء والمخلصون ومنهم أيضا النصابون والمراهقون السياسيون والباحثون عن الشهرة والمكاسب الشخصية، وخاض معهم وبهم معارك سياسية، لم يكن مقدرا لها ان تحقق أية نجاحات ثورية.

نقطة الضعف الكبيرة فى مسيرة البرادعى السياسية القصيرة فى مصر، لخصتها مأساة عجزه عن بناء تنظيم جماهيرى ببرنامج ثورى، حيث تنصل هو شخصيا من مسئوليته عن القيام هذه المهمة الصعبة، وألقى بعاتقها على عاتق مجموعات سياسية افتقد بعضها للخبرة وافتقد بعضها الآخر للنزاهة، ومنهم من تاجر باسمه، ثم صار يكيل له الشتائم والاتهامات رغم المكاسب الكبيرة التى حققوها من ورائه!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل