المحتوى الرئيسى

اسلام ايمن العدوي يكتب: شبابنا والتفاهة | ساسة بوست

02/06 16:33

منذ 2 دقيقتين، 6 فبراير,2017

إنَّ ثَمَّة شيء ما يجعلني مندهشََا ومتسائلََا دومََا لماذا جُلُّ الشباب في عالمنا العربي تافهََا؟

تافهََا في أفكاره واهتماماته تافهََا في أهدافه وطموحاته تافهََا في أدق تفاصيل حياته بما فيها قَصَّةُ شعره وسعة بنطاله ونوعية الكلام الذي يتلفظ به والأغاني التي يسمعها.

 ودائمََا ما كنت أفكر ما هو السبب في وصول شبابنا إلى هذه الدرجة من اللا وعي واللا قيمة واللا مبالاة التي جعلت شبابا يُوصفون بالورود يكونون بهذه الكيفية.

أعتقد أن لهذه التفاهة والدُونية في العقلية أسبابََا عديدة.

منها التربية وهي العامل الرئيس في تدني اهتمامات الشباب حيث وُلِدوا لأبوين لا يَعْرِفان أن يُفَرِّقا بين الرعاية والتربية فَهُم يسعون ليوفروا لأبنائهم المطعم والمشرب دون أن يستغرق تفكيرهم لحظة ما هو الزرعُ الذي وضعوه في عقول أبنائهم من قيم وآداب وأخلاق وطموحات يستطيعون أن يواجهوا بها مجتمعا مليئََا بالملهيات والتفاهات، فضلََا عن أن يكون الأبوان فاقدان لقيم العلم والأصالة.

إن ما يثير حزني وشفقتي على هؤلاء الآباء هو اندهاشهم وتعجبهم من مصير أبنائهم ومن مما وصلوا إليه من فقدان لحلم وإرادة ورؤية جعلت منهم أفرادََا يسيرون في المجتمع بلا هدف ولا غاية لا يستفيقون إلا وهم على الأكفان محمولون، وأقول لهؤلاء الآباء بكل قلب مُشْفِق هذا زرعكم وذاك حصادكم.

فلذلك لا تندهش عزيزي حينما تجد رجلا شَاخَ في السن مَوْصُوم بالدناءة لا تجد له عليك حقا غير كبر سنه بدل أن تجد له حقوق السن والخبرة والعلم والحكمة والتعمق في فهم حقيقة الأشياء وكنْهِهَا، فالتفاهة ليست مخصصة بعمر فقد تجد ابن الخمسة عشر عامًا أدق في فهمه لهذه الحياة وتفاصيلها وكيفية التعامل معها أكثر من ابن السبعين، ولكن دائما ما تُوَّجَهُ النصائح للشباب لأنهم القلب النابض والحاضر والمستقبل لأي أُمَّة تود أن تُلَمْلِم ما تبعثر من أوراقها لتصنع المجد لا أن تخطو في خطاه وفقط.

البيئة وهذا لفظ فِضْفاض كثيرََا ما يعزي إليه المصلحون فساد أحوالنا في بلادنا ووجودنا في ذيل الأمم بعد أن (ولا يَشْفع الاستشهاد بالماضي في ظِلِّ الهزيمة الحاضرة).

ويأتي تحت ظِلِّه الأنظمة التافهة وما يليها من غياب للقدوة الحقيقية وإبراز لِنُخَبِِ فاسدة جعلت من الثقافة مصدرا للتكسب والأُبَّهَة فأصبحوا خبراء لا مثقفين والفرق بينهما شاسع ذكره الفيلسوف الكندي آلان دونو في كتابه (ميديو كريت أو نظام التفاهة) «الخبير». هو ممثل «السلطة»، المستعد لبيع عقله لها. في مقابل «المثقف»، الذي يحمل الالتزام تجاه قيم ومثل.

ووسائل الإعلام وما تقوم به من صناعة المشاهير والسُخَفاء والأغبياء تدعمها تارة الأنظمة السياسية التي ترى أن تَتْفِيه شعوبهم مَدْعَاةََ لبقاء حكمهم بتزييف واقع مرير وتزوير حلول لمشاكل مجتمعية تنطلي على الحمقى من الناس.

 وتارة بعض الجماعات السياسية التي ترى في صناعة ودعم التفاهة والتافهين ملاذََا آمنََا لبقائهم أطول فترة ممكنة على ساحة سياسية لا يُسيطر عليها سوى أصحاب الآفاق الضيقة لأنه لو وُجِدَ العقلاء والناضجون لَجُرِّدوا من ألقاب المفكر والناقد والناشط والسياسي المحنك وَلَفَقدوا المساحات الواسعة على شاشات الفضائيات.

والتفاهة لاتقتصر فقط على الأنظمة والجماعات بل للأفراد نصيب منها حيث حُب الشهرة على أكتاف المتابعين حتى وإن كان المحتوى الذي صعد به هؤلاء الأشخاص ساذجاََ وتلك نحن من نمنحها ونعطيها ونشارك بها ونصنعها.

وما يحدث من جدال وَنِزَال حول قضايا تشغل الناس وتقض مضاجعهم وتُهدر أوقاتهم على مواقع التواصل وغيرها وأراد أصحابها بها الشهرة سائرين خلف المثل العامي (خالف تُعرف) دون أن يكون لهم أيديولوجية واضحة وإيمان كامل بمواقفهم لهو خير دليل على سيطرة التفاهات على عالمنا الصغير.

وتجمعاتنا وندواتنا الفكرية والثقافية التي لا يُنَاقَش فيها مع إحسان الظن إلا قضايا سطحية فضلا عن أن تكون قضايا لها قيمة وذاتَ خير لأوطان ومجتمعات.

ولقد وَضَع الإسلام التافهين في نِصَابِهم وأعطاهم  قَدْرَهم إذ منع من توسيد الأمر إليهم، قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس سنوات خَدَّاعات … وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة يا رسول الله قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة).

قد يقول أحد القراء الأعزاء لقد أعلنت الثورة على التفاهة وأسبابها إلا أنك لم تعطنا حلاََّ لما صار إليه حالنا فلماذا تثور وتنتقد إذا لم يكن لديك رؤية للتغيير.

وأنا دائما أُرَدِّد أنَّ إبراز المشكلة وتشنيعها هو جزء كبير من حلها، لذلك عزيزي لا تجعل للتافهين وقتاََ في حياتك، ولا تعطهم رصيدًا يستطيعون أن يُصَدِروا ويُسَوِقوا به تفاهاتهم بقصد او غير قصد (توقف عن جَعْل التافهين من الناس مشهورين).

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل