المحتوى الرئيسى

ألغام فكرية فى طريق الخطاب الدينى

02/06 05:51

شيوع الفكرة لا يعكس قيمة خاصة تتمتع بها، والقاعدة الشعرية تقول «كل معروض مهان»، وقِدم المفهوم أو وراثته عن الأجداد لا يمنحه وجاهة، فالإرث قد يكون نعمة، لكنه بالنسبة للسفيه -قليل العقل- لعنة، ورسوخ التصور لا يعنى تجذره فى العقل، بل قد يعكس حالة من حالات الصدأ الفكرى. هذه السلسلة تنطلق من حقيقة أن كل شىء قابل للمراجعة وإعادة النظر، وأن ثمة أفكاراً ومفاهيم عديدة تتسكع فى أدمغة المسلمين فى أشد الحاجة إلى ذلك. والأسباب التى تدعو إلى القيام بهذه المهمة عديدة، أولها أن المسلم المعاصر «حافظ مش فاهم». هل تحفظ «سورة الإخلاص»؟!. مؤكد أنك تحفظها وتصلى بها، دعنى أسألك: ما معنى كلمة الصمد؟. إنه اختبار بسيط بإمكانك أن تعرف من خلاله بصورة مبدئية إلى أى فئة تنتمى «الحافظين.. أم الفاهمين». ثانى الأسباب أن المراجعة سمة من سمات العقل النشيط، أما الركون إلى «الحفظ والتسميع» فيعكس بلادة فى العقل وكسلاً ذهنياً لا يليق بمسلم. ثالثها أن أغلب المسلمين آثروا الابتعاد عن الكتاب المقرر «القرآن الكريم»، والسنة النبوية الشارحة له، وانصرفوا إلى الكتب الخارجية «كتب التراث»، وهى تحوى الغث والثمين، والقيم والمتهافت، ومقياس الحكم على ما فيها أساسه الكتاب المقرر على المسلمين، القرآن الكريم الذى تركه المسلمون، واستعانوا، مثل التلميذ الكسول، بالكتب الخارجية، أما «البلداء» منهم فقد لجأوا إلى الدروس الخصوصية التى يتلقونها من ألسنة الدعاة وأمراء الجماعات!.

هذه السلسلة تقدم اجتهادًا يستهدف مراجعة عدد من المفاهيم والأفكار التى أضرت الفهوم الشائعة والموروثة والمحفوظة لها بالمسلمين أشد الإضرار، والمعيار الحاكم الذى استند إليه فى تحليل كل مفهوم أو فكرة منها هو الكتاب المقرر «القرآن الكريم»، والسنة النبوية المفسرة له، والتحليل النقدى لمحتوى كتب التراث. ودعونا نبدأ بمفهوم خطير.. هو مفهوم «الجماعة»، لنحلل حكاية «جماعة المسلمين» الممتازة أو الاستثنائية التى تدعى لنفسها الجدارة بالقوامة على المسلمين، وهو المفهوم الأب الذى تناسلت منه «الجماعات الإسلامية»، ومن بينها الجماعة الأم «جماعة الإخوان».

كان المسلمون أمة واحدة ثم تفرقوا.. فارق كبير بين مفهوم الأمة ومفهوم الجماعة. كلمة الأمة هى الوصف المعتمد فى القرآن الكريم لكل المنضوين تحت لواء الإسلام. وقد وردت فى القرآن الكريم بمعانٍ مختلفة، أبرزها «الجماعة من الناس» كقوله تعالى: «ووجد عليه أمة من الناس يسقون»، وقد تأتى بمعنى الجماعة المتحلقة حول فكرة أو رؤية أو معتقد، كما يتبين من قوله تعالى: «إن هذه أمتكم أمة واحدة». وقد نشأت البشرية تحت مظلة فكرة «الأمة»، والدليل على ذلك قوله تعالى: «كان الناس أمة واحدة فاختلفوا». نخلص من هذا إلى أن كل من يؤمن بالإسلام هو من أمة المسلمين، لأنه ببساطة دخل تحت مظلة نفس الفكرة التى يؤمن بها المجموع. هذا هو المفهوم الواضح والجلى لمصطلح الأمة فى القرآن الكريم، وهو لا يعبر بحال عن جماعة استثنائية تخرج من رحم هذه الأمة، لتمتاز عليها بميزات معينة، تجعل لها القوامة على باقى المسلمين. وتقديرى أن كل من يعتبر معنى الأمة دالاً على جماعة استثنائية تظهر بين المسلمين، تعسف إلى حد كبير فى فهم الآية القرآنية الكريمة التى تقول: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون».

 فمن تمسكوا بدلالة الآية على فكرة «الجماعة الاستثنائية» التى تخرج من بين المسلمين لتكون قيمة عليهم، استندوا فى ذلك إلى دلالة كلمة «منكم» على «التبعيض»، بمعنى أن ينهض «بعض» المسلمين بمهمة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، رغم ما أكده بعض المفسرين من أن كلمة «منكم» يصح النظر إليها كـ«حرف زائد»، وأن المعنى المقصود بالآية فلتكونوا أيها المسلمون أمة تتشارك فيما بينها فى الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وفى تقديرى أن المعنى الأخير هو الأرجح، إذ ليس من المنطقى أن تختص جماعة محددة من المسلمين بالمفاهيم الإيمانية التى اشتملت عليها الآية. 

فكل من آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم مطالب بالقيام بهذه المهام، حتى ينطبق عليه وصف «الفلاح»، كما تنص الآية «وأولئك هم المفلحون»، وليس من المنطقى أن يكون «المفلحون» من أمة محمد أقلية، لأن أى جماعة -مهما بلغ عددها- هى قطرة فى بحر الأمة. كما أن تفسير الآية بالمنطق الذى تتبناه أدبيات الإخوان وغيرها من الجماعات «التى تعتبر نفسها جماعة المسلمين» يتناقض مع الآية القرآنية التى تقول: «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى». 

إننى أستغرب من شأن من يستدلون على فكرة الجماعة من آية: «ولتكن منكم أمة»، كيف يزكون أنفسهم، وما المعايير التى يستندون إليها فى تمييز المنتمين إلى جماعتهم عن غيرهم من المسلمين، فيجعلوا لأنفسهم القوامة عليهم؟. أتصور أن هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة، لأن مذهبهم هذا يؤدى إلى تفكيك الأمة، فكل مجموعة يمكن أن تزعم لنفسها الجدارة بالقوامة، وهو ما تكشف عنه الآية التالية لآية «ولتكن منكم أمة» –فى سورة آل عمران- والتى تقول: «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم». والتجربة التاريخية، كما سنحكى بعد قليل تدلل على أن فكرة الجماعة الممتازة أو المستثناة هى المقدمة الطبيعية لتفكك الأمة، لأن انخراط هؤلاء فى جماعة، وانطلاق أولئك إلى جماعة أخرى، سيؤدى إلى تحويل الأمة إلى مجموعات متصارعة، تنذر بتمزيقها.

ومن اللافت أن الوجه الأول لتفسير الآية الكريمة «ولتكن منكم أمة» مثّل الدعوى التى استندت إليها كل الجماعات الإسلامية –دقق فى وصف جماعات- فى النظر إلى أتباعها كجماعة استثنائية أو كمجموعة ممتازة بين المسلمين الذى يسعون فى جنبات الحياة.

 والأصل فى هذه المسألة يجد جذوره فى جماعة الإخوان. فعندما شرع المرحوم حسن البنا فى تأسيسها عام 1928 وأراد أن يختار اسماً لها، اختار اسم «الإخوان» ثم أضاف إليه وصف «المسلمين»، ليخرج –عن قصد أو دون قصد- كل من ليس على «دين الجماعة» من دائرة الإسلام. ولو أنك تأملت وصف الإخوان، وبحثت بعض الشىء فى أصله، فستجد أنه لم يكن من اختراع «البنا»، بل ظهر قبل نشأة جماعة الإخوان. فقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة مع مطلع العقد الثانى من القرن العشرين، بالتحديد بدءاً من عام 1911، عندما بدأ الملك عبد العزيز –مؤسس الدولة السعودية الحالية- فى إنشاء جيش يكون أداة لمشروعه فى السيطرة على الجزيرة العربية، فظهر «جيش الإخوان» والذى تكون من مجموعة من البدو الأشداء الذين قاتلوا تحت راية «عبد العزيز»، وشكلوا فيما بعد تهديدًا خطيرًا له، دعاة إلى احتوائهم بالقوة مرة وباللين مرات.

 مصطلح «الإخوان» ليس نبتاً مصرياً أصيلاً، بل اختراع بدوى بامتياز، يصح أن يكون حسن البنا تأثر به، وجعله اسماً لجماعته، ولا خلاف على أن أمر استعارة المصطلح من المملكة إلى مصر يثير العديد من التساؤلات، ربما جاءت مناسبة فى المستقبل لأقدم إجابات عليها.

منذ نشأتها تبنت الإخوان مفهوم «الجماعة الاستثنائية»، وكان من الطبيعى أن يخرج من رحم الأمة استثنائيون آخرون، يرون أنهم الأجدر والأقدر على النهوض بالقوامة على غيرهم من المسلمين، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف الإسلام –عندما سئل عنه- بأنه: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»، كما ورد فى الحديث الذى رواه عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وعندما سئل عن الإيمان، فى الحديث نفسه، أجاب: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره». 

القرآن الكريم يؤكد فى العديد من مواضعه أن الله تعالى هو القيم على البشر، وهو وحده المسئول عن حسابهم، فالإيمان مسألة فردية، والدليل على ذلك أن القرآن الكريم نص فى آيات عديدة قطعية الدلالة على أن الحساب يتم بشكل فردى. من ذلك على سبيل المثال قوله تعالى: «وكلهم آتيه يوم القيامة فردا»، وقوله: «وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا». وقوله: «كل امرىء بما كسب رهين».

 هذا المفهوم الفردى للإيمان ولحساب الإنسان على الدور الذى لعبه الإيمان فى سلوكياته فى الحياة، يجعل كل من يعلى الجماعة على الفرد المسلم جديراً بمراجعة أفكاره. ولو أنه قلب فى صفحات التاريخ الإسلامى لأدرك أن أصل الكثير من الفتن والعديد من الصراعات الدموية التى أوجعت المسلمين مردها هذه الفكرة العجيبة، فكرة «الجماعة الاستثانية» أو «الفئة الممتازة» من المسلمين.

ويستطيع المراجع للتاريخ الإسلامى أن يؤرخ لهذه الفكرة بالأيام الأخيرة فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم. من المعلوم أن النبى نعى نفسه إلى المسلمين فى حجة الوداع «فى شهر ذى الحجة من السنة العاشرة للهجرة»، يحكى ابن كثير فى «البداية والنهاية» أن النبى وقف على عرفات خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: « إن عبدًا من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله». والأرجح أن النبى صلى الله عليه وسلم توفى بعد هذه الخطبة بنحو ثلاثة أشهر «فى 12 ربيع الأول فى السنة الحادية عشرة للهجرة». 

وتقديرى أن هذه الفترة بدأت تشهد نوعاً من الترتيب –من جانب الصحابة الأجلاء- لشكل الحياة بعد وفاة النبى، وربما يكون النبى صلى الله عليه وسلم قد أحس بهذا الأمر، وبدأ يتوجس منه، بسبب ظهور بعض التجاذبات داخل الصف المسلم، وانخراط كبار الصحابة –رضوان الله عليهم- فى ترتيبات تمهد لعملية انتقال السلطة من بعده والخروج من دولة «النبوة» إلى دولة «السياسة والحكم». وقد بدأ هذا الأمر منذ اللحظات الأولى التى شرع المرض يتسلل فيها إلى جسد النبى الطاهر ليؤذن بالنهاية، فوقتها بدأ النبى صلى الله عليه وسلم يشعر بالإشكالية التى يمكن أن يقع فيها المسلمون من بعده بسبب التنازع على الحكم. وهو التنازع الذى كان يستند دائماً إلى فكرة «الجماعة الممتازة».

ولو أننا حللنا مشهد الليلة التى بدأ فيها مرض النبى صلى الله عليه وسلم فسوف نلاحظ حالة القلق التى انتابته بسبب إدراكه لاحتمالية التنازع. وهو ذلك المشهد الذى زار فيه النبى صلى الله عليه وسلم «البقيع»: الأرض التى دفن بها صحابته الأولون الذين استشهدوا فى سبيل الله.

 ويذكر صاحب السيرة الحلبية «عن أبى مويهبه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله قال له فى جوف الليل إنى قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معى، قال فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها والأخيرة شر من الأولى». 

هكذا تصور النبى صلى الله عليه وسلم المشهد وهو يدخل مرض الموت: مشهد الفتن التى تتدفق كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها والأخيرة شر من الأولى. ولا خلاف على أن أصل الفتنة يرتبط بطلب الدنيا والتشبث بمعطياتها، إحساساً من شخص أو فئة أنها أجدر وأقدر على قيادة المسلمين والقوامة عليهم.

لم يكن النبى وصلى الله عليه وسلم، يتوقع الأحداث المختبئة فى رحم الغيب، بل كان يقرأ معطيات مشهد بدا صامتًا فى حلقاته الأولى، وكان من الطبيعى أن يعلو عجيجه وضجيجه بعد أن لم يعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين، ومنهم من كان يعج ويضح بين ظهرانيه إلى حد نزول قرآن كريم ينهاهم عن ذلك، كما جاء فى الآية الثانية من سورة الحجرات «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ». 

لم يكن الأمر تنبؤاً بمستقبل بل كان قراءة لمعطيات واقع. والحقيقة فإننى أتحفظ على ما يذهب إليه البعض من أن النبى صلى الله عليه وسلم تنبأ بالفتن والصراعات بين المسلمين وما شهدته من أحداث جسام. فليس من المنطقى أن نقبل أن الرسول كان يرسم خرائط الغيب ونتناقض مع ما نؤمن به من قرآن تنفى آياته ذلك «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».

بعد زيارة البقيع، عاد النبى صلى الله عليه وسلم إلى بيته وبدأ يشعر بالتوعك والوجع، وتحكى أم المؤمنين عائشة هذا الموقف قائلة إنها كانت تجد فى رأسها صداعاً عندما قفل النبى عائداً، فدخل عليها وهى تصيح: وارأساه، فرد عليه الصلاة والسلام: بل أنا وارأساه، ثم دخل مع عائشة فى حوار حول الموت. 

قال لها النبى ماذا لو مت يا عائشة قبلى فأكفنك وأصلى عليك وأستغفر لك؟، فردت أم المؤمنين بما معناه: لو أننى مت إذن لجئت ببعض أزواجك وأعرست معها. ويشير صاحب السيرة الحلبية إلى هذه الواقعة بالتفصيل بما نصه: «قالت عائشة رضى الله عنها لما رجع من البقيع وجدنى وأنا أجد صداعًا فى رأسى وأنا أقول وارأساه فقال صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه قال لو كان ذلك وأنا حى فأستغفر لك وأدعو لك وأكفنك وأدفنك؟ وفى لفظ وما يضرك لو مت قبلى فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك؟ فقلت: واثكلاه والله إنك لتحب الموتى فلو كان ذلك لظللت يومك معرساً ببعض أزواجك قالت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم».

هذا المشهد الذى تلا زيارة البقيع يدل على أن فكرة موت النبى صلى الله عليه وسلم كانت مطروقة فى أيامه الأخيرة، ولم تكن بعيدة عن أذهان المقربين منه، سواء من أزواجه، أو أهل بيته، أو صحابته المحيطين به. فموته صلى الله عليه وسلم لم يأت فجأة بل كان مسبوقاً بالعديد من الشواهد والدلالات. وكانت عائشة أم المؤمنين الأكثر إدراكاً لهذا الأمر بحكم قرب موقعها منه صلى الله عليه وسلم. وتشير كتب السيرة إلى أن محمداً صلى الله عليه وسلم أراد –حين شعر بدنو الأجل- أن يترك وصية تجنب المسلمين تلك الفتن التى حذّر منها حين تحدث إلى خادمه «ابن مويهيه» بعد زيارته لمقابر البقيع. وقد وردت قصة الوصية فى إطارين: أولهما إطار خاص بعائشة رضى الله عنها، وثانيهما إطار عام طرح النبى صلى الله عليه وسلم فيه موضوع الوصية أمام الجماعة المؤمنة التى كانت تحيط بفراش مرضه.

فى الإطار الخاص بعائشة أشارت أم المؤمنين فيما تحكيه عن ذلك اليوم العصيب الذى بدأ المرض يطرق فيه باب النبى صلى الله عليه وسلم، فذكرت أنه طلب كتابة «عهد» للأمة من بعده. وقد قدمت عدة روايات لهذه الواقعة:

1 – قال النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة بعد أن اشتكى لها الصداع: «لقد هممت أن أرسل إلى أبيك وأخيك فأقص أمرى وأعهد عهدى فلا يطمع فى الدنيا طامع».

2 - وفى رواية أخرى أنها قالت: «قال لى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى مرضه: ادعى لى أباك أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاباً فإنى أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».

3 – وفى رواية ثالثة جاءت على لسان عبدالرحمن بن أبى بكر هذه المرة «لما ثقل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال لعبدالرحمن بن أبى بكر، رضى الله عنهما: ائتنى بكتف أو لوح حتى أكتب لأبى بكر كتابا لا يختلف عليه، فلما ذهب عبدالرحمن ليقوم قال: أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر».

تريد هذه الروايات الثلاث التأكيد على أن النبى صلى الله عليه وسلم أراد أن يعهد بالحكم من بعده إلى أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، وهو أمر يصعب معه تصديق أن أبناء أبى بكر «عائشة وعبدالرحمن» رضى الله عنهما لم يسعيا إلى تمريره وتفعيله فى الواقع، والشك فى هذه الروايات وارد. فلو كانت صحيحة كما تذكر كتب السيرة لسارع الاثنان إلى تلبية طلب النبى وكتابة الوصية. فعائشة رضى الله عنها كانت تحب أن يذهب الأمر إلى أبيها بعد وفاة النبى. ومؤكد أنها لم تكن لتفوت هكذا فرصة دون أن «تشرعن» عملية انتقال «الأمر» إلى أبيها وقد كان جديراً به.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل