المحتوى الرئيسى

مدحت شرف الدين يكتب: الفجوة بين الأقوال والأفعال.. محاولة فهم | ساسة بوست

02/05 23:42

منذ 4 دقائق، 6 فبراير,2017

يستاء كثير من الناس من أرباب الأقلام والكلمة بسبب الشرخ الكبير الذي يرونه بين الكلمات والواقع،خاصة واقع هؤلاء الذين يتحدثون ويكتبون، فكثيرًا ماتدهش بكلمات أحدهم التي تمس روحك، وشغاف قلبك، ثم إذا ما رأيته واقتربت منه دهشت ثانية، ولكن هذه المرة لحاله، وشخصه الذي لا يوحي أبدًا أنه ذاته الذي كتب أو قال، فما هي قصة هؤلاء؟

تساءلت كثيرًا عن الفجوة بين الأقوال والأفعال، الأفكار المقولة والسلوكات،تساءلت عن نفسي قبل أي أحد، وتبين لي أخيرًا أن المسافة بينهما ليست إلا الكذب.

والحقيقة الأدق أنه لا يوجد أقوال ذات معنى، بلا أفعال، فالحروف تفيض بالمعنى والإحساس عندما تصدر عن قلب رآها ماثلة أمامه متلبسة بالحياة، فيجذبها بقلمه أو لسانه من الغيب إلى الشهادة، سواء عن تجربة واقعية عاشها وعاينها وعايرها بقلبه و جوارحه.

أو ربما عن تجربة روحية تجاوز الواقع والمادة لتستشرف المستقبل، وتستشفه كما ينبغي له أن يكون وكما لا ينبغي، وكذلك مع ماض ذهب بأحداثه وبقيت معانيه وآثاره، أو معايشة لمختلف الحالات الإنسانية بما يعرف بالتقمص العاطفي، وهو مايتقنه الروائيون.

وفي الحالات جميعها يعيش الكاتب أو المتكلم الحدث كما هو، بلا أدنى مبالغة، تعيشه أعصابه، يخفق قلبه فرحًا، خوفًا وحذرًا، يستشيط غضبًا، يذوب شوقًا، يتمزق ألمًا، يعيشه بتفاصيله الصغيرة ودقائق معانيه.

ثم بمداد التجربة، حسية كانت، أو معنوية، تكتب الكلمات الصادقة التي تبقى وتحيا في أناس وجدوا أو سيوجدون؛ ليجسدوا تلك الكلمات، التي عجزت جوارح مؤلفيها أن تكونها، وكانتها أرواحهم وأعصابهم.

ولو علم الناس أي مأساة يعيشها هؤلاء بين عالميهم، غيبهم وشهادتهم، لرقت قلوبهم رأفة بهم وإشفاقًا عليهم.

أما الحروف المتحجرة، المبتورة المسروقة من كتب اللغة والأدب، الفاغرة أفواهها على شفاه المتعالمين، الشاخصة أبصارها على أوراق المتثاقفين، فهي الجفاء، يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم، وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض.

يبتدر هنا السؤال: ولكن ماذا إن وضع الصادقون من القائلين على محك تجربة حسية تحاكي تلك الروحية التي عاشوها فسقطوا في الاختبار؟

فرق كبير بين السقوط وبين الرضا بالسقوط وبين الرغبة بالسقوط.

أما السقوط فربما يكون نتيجة الخطأ، وربما يكون نتيجة العجز والضعف، وربما يكون عن ضعف إيمان ويقين يؤدي إلى ضعف الرؤية وظلام يطمس نور الحق، وماسمي القلب قلبًا إلا لكثرة تقلبه.

فإذا رضي بذلك السقوط وألفه وتعايش معه وكأنه ، كأن خائنا للحرف، منسلخًا من روحه، مخلدًا إلى الأرض.

وأما الرغبة في السقوط فهي الكبر والتعالي على الحق، وهو مايسمى (التكذيب) في القرآن، وهي خيانة من نوع آخر، ولكنها من جنس خيانة الرضا بالسقوط تكون فتنتها الحياة الدنيا بعد إدبارها عن الحق وأهله.

وهكذا يتجلى مآل القائل في الحالات الثلاث، فإن تاب فقد تعهد الله بالمغفرة  ( والناس ليسوا كذلك )، وإن لم يتب كانت العاقبة الوخيمة وسوء الختام .

أما الأقوال الفارغة من المعنى أو الشعارات، التي تسبق الأفعال،بغير أفعال فهي من النمط الذي ذمه القرآن في سورة الصف… يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون… كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، وهي أشبه بالتعهدات التي لا طاقة لأصحابها بها، تأتي مع الحماس الساذج، والتعجل من غير تبصر، ومن دون استعداد ولا تدبير، ومن أراد أن يتحرى فليراجع سياق الآيات وأسباب نزولها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل