المحتوى الرئيسى

ياسر غريب يحذر : بعض "معلبات التراث" .. منتهية الصلاحية!

02/05 16:08

مقدسو التراث والمتمردون .. جرائم واحدة!

ابن اسحق وابن هشام .. تدليس بالسيرة النبوية !

وعاظ الشعوب المقهورة .. أكثر ميلا للكذب

“الفتنة الكبرى” لطه حسين تتهم “عليّ” بخيانة الأمة

تناقض فج لروايات عن “ابن عباس” و”أبو هريرة” و”عائشة”

الصوفيون نسبوا لابن حنبل ما يناقض مذهبه وفكره

هل يحتاج الأزهر لخطاب دعوي جديد .. يناسب العصر؟

غواية التراث أم استبداده؟.. تلك هي المشكلة. فمنذ بدايات القرن العشرين، دارت معركة فكرية بين التقليديين (حماة الماضي) وبين المجددين (دعاة التغريب) إلا أن الجزء الأكبر تقاسمه المعتدلون الذين كانوا يدعون أن التوليف بين منجزات الثقافة الشرقية والغربية أمر واجب .

أبن نحن من مقولة الإمام الشافعي يقول قولته الشهيرة : “ما ناظرت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من الله رعاية وحفظ، وما ناظرت أحدا إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه” .

ماذا نفعل مع تراث إسلامي يمتد زمنيا لأربعة عشر قرنا، وبشريا لآلاف من العقول والمذاهب والرؤى، وجغرافيا على مساحة الأرض التي عاش عليها المسلمون من حدود الأطلسي إلى قلب آسيا . وهو مقسم بين علوم القرآن والسيرة والتاريخ والحديث والعقيدة والفلسفة، وغيرها من دوائر المعارف؟!.

في كتابه الجديد “استبداد التراث .. قراءة صادمة في الإلف والعادة” والصادر عن دار المغربية بالتعاون مع “الكلمة” ، يقرر الدكتور ياسر غريب أن حالة كبيرة من تضخم الكذب تداهمنا حين نعيد قراءة مرويات التراث وصولا لواقعنا المعاصر؛ فقد تأثر كثير من الرواة بالواقع الاجتماعي والسياسي. ووصل الأمر لتلفيق أحاديث منسوبة لرسول الله  . وهو يقرر العديد من مظاهر الآفة بمجتمعاتنا الإسلامية كتضخم التراث عند السلفيين والنفوذ الكبير للأسماء الدينية بلا تفنيد عقلي. لكن الكاتب وعلى الجانب المقابل ينتقد بضراوة التيار العلماني المنبري بهدر التراث بحجة نقده وتفنيده؛ وأثبت أن هؤلاء وقعوا بخطايا أشد حماقة من التي ينتقدونها بكتابات الأجداد !

يقول المؤلف : إن العقل المسلم ينهض مادا يده للأرفف المنتظمة ليتناول “المعلبات المجانية” ذاتها، دون أن ينظر لتاريخ المنتج ومكوناته!

وعلى العكس، نجد الوحي الحكيم يخاطب عقل الإنسان، في أدق وأجل المسائل العقيدية كالتوحيد والألوهية والنبوة والاتباع، ثم يقوم بتثبيت ما أقره العقل من خلال الفؤاد، كقوله تعالى لسيدنا محمد  “قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين” (الزخرف : 81)

ولكن هناك من يقيد الأمور النسبية فيجعلها “معلومة من الدين بالضرورة” بدون سند قاطع لذلك. ومن ذلك مفهوم الولاية المعلومة من الدين بالضرورة لدى الشيعة الإثنى عشرية، وهي شرك بالله لدى غيرهم، و”خلق القرآن” كان معلوما من الدين عند المعتزلة ومنكرا لدى غيرهم، و”الكرامات” معلومة عند المتصوفة ومنكرة عند غيرهم.

لما جاءت مرحلة الثلاثينات بالقرن العشرين، نشأت تيارات فكرية متعددة، أحدثت معاركا فكرية كبيرة، وظهر جدل وانقسام وصراعات على الساحة الفكرية والحزبية . إلا أن الصراع ازداد تميزا بين الاتجاهين؛ الأصالة والمعاصرة، التراث والتغريب، في تصور الأسلوب الذي ينبغي أن يتبع للنهضة بالمجتمع من حالة الركود الفكري والاجتماعي والسياسي التي أصابت المجتمعات العربية والإسلامية جميعا وعلى رأسها مصر .

وانقسمت الساحة الفكرية بين النموذج الغربي المقتبس، ومنهج النموذج الإسلامي الموروث، وحاولت فئة ثالثة المواءمة أو التوفيق بين الاتجاهين ولهذا كانت مواقفهم من فكرة التجديد والتراث على ثلاثة تيارات رافضة للفكر الغربي برمته وداعية لمقاومته من مثل أفكار حسن البنا ومحمد الخضر حسين وسيد قطب ، وتيار منبهر بالغرب داعٍ لأخذ كل شيء عنه كعاداته وتقاليده بل وذهب بعضه لأهمية استعماره بلادنا كأفكار محمد حسين هيكل وأحمد لطفي السيد وطه حسين وسلامة موسى وإسماعيل مظهر ومحمود عزمي وعلي عبدالرازق ومنصور فهمي، وتيار ثالث يدعو للتوفيق بين الفكر الغربي المقتبس والفكر الإسلامي الموروث، باتخاذ القيم النبيلة ورفض الانحلال وتبديل الهوية والقيم . ومن رموز التيار الأخير تلامذة محمد عبده وطنطاوي جوهري ومحمد فريد وجدي .

ومن داءات الفريق المدعي للتنوير أنه يقدم العقل المحدود على الوحي المطلق المنسوب للخالق، فيصبح الدين صنيعة المزاج البشري، ويصبح مع الوقت كل نص من الماضي مرفوضا حتى لو له قداسة!

والحقيقة أن طه حسين وهو أحد أعلام هذا الاتجاه، يقدم لنا مثلا بكتابه عن “الشعر الجاهلي”منهج الشك الغربي المطلق، ثم “الفتنة الكبرى” أجزاء ملغمة من التاريخ بدون سند أن نقل للمصادر ، كأن يذكر مثلا أن ابن عباس كان يعبث ببيت مال المسلمين فترة ولايته عليها!! ثم ينقل علي الوردي عن طه حسين بلا تفنيد، أشياء معيبة منها أن ابن عباس لم يكن يرى من سيدنا علي بن أبي طالب حرصا على أموال الأمة حتى نهب بيت مال البصرة وذهب لمكة، فاشترى به ثلاث جواري !! وقال “لئن لم تدعني من أساطيرك لأحملن هذا المال إلى معاوية يقاتلك به ” وقد جاء ذلك بكتابه “مهزلة العقل البشري”!

وفي المقابل نرى فريقا متسلفا يرفض أي اجتهاد مع النصوص غير القاطعة، فجعلوا العقل مسحوقا تحت أقدام رجال التراث ومؤلفاته. والحقيقة أن الإسلام جاء لينبذ التقليد الأعمى للعادات الجاهلية.

وحول العالم، ظلت السلطة العاطفية لرجال الدين تفوق السلطة السياسية، وقديما كان بعض الكهنة يؤلفون نصوصا ويدعون قداستها. ونلاحظ اليوم التترس بالأسماء، حتى نكاد نضفي قداسة على كل من مر وألقى السلام على “ابن عباس” الذي دعا له رسول الله  بالتفقه في الدين وتعليم التأويل . والحقيقة أن الرجل نسبت له روايات متناقضة، نتيجة اهتمام جامعي الأحاديث بعملية الجمع بحد ذاتها قبل التفنيد، ومنهم العلامة ابن كثير، والدليل على ذلك حديثين منسوبين لرواية ابن عباس حول فرضية وعدم فرضية كشف المرأة لوجهها . وجرى الشيء نفسه مع أبي هريرة والسيدة عائشة رضي الله عنها ، ثم التابعين ومن جاء بعدهم .

وقد شوه المحققون بعض أحاديث “صحيح مسلم” وقد نقل الإمام النووي عنه أحاديث وعبارات لا يصدق عقل منطقها مع لغة الدين.

وأحيانا تنتشر عبارات لا أحد مدى دقتها، ومنها أن الإمام الشافعي كان يختم القرآن ختمة في كل ليلة، وكان الإمام أبي حنيفة يصلي في الليلة ألف ركعة! أو أن الإمام أحمد كان يخرج الشياطين من أجساد الممسوسين، وهذه العبارات وردت بـ”البرهان في علوم القرآن” للزركشي، وفي “طبقات الحنابلة” لأبي الحسين ابن أبي يعلى، وهي كتب معتبرة .

وقد وصل الحال بنا في بعض الأزمان للتساؤل: هل يجوز زواج الرجل من امرأة شافعية، قياسا على الكتابية ؟ ! وهو ما عبر عنه أبوالعلاء المعري ببيت من الشعر في لزومياته :

أجاز الشافعي فعال شيء وقال أبوحنيفة لا يجوز

فضل الشيب والشبان منا وما اهتدت الفتاة ولا العجوز

ووصلنا أيضا بكتب من مثل “تاريخ مكة” لأحمد السباعي، “معجم السفر” للحافظ السلفي، أن تعدد الأذان والإقامة والصلاة والواحدة أربع مرات في المسجد الحرام، حيث يصلي إمام الشافعية بأتباع مذهبه، ثم المالكي ثم الحنفي ثم الحنبلي في جميع الصلوات !!

والحقيقة أن نبرة العصبية قلت مع الوقت فنظرنا لمناهج الأزهر التي تدرس الفقه بعيدا عن التمترس بالمذهبية.

في الثمانينات لجأت جماعات الشباب لتبني العنف استنادا لنصوص من التراث، وهي ظاهرة لا نزال نعاني منها، فيقول الواحد منهم : ورد في صفحة كذا بالمجلد الثامن والثلاثين من مجموع فتاوى ابن تيمية كذا وكذا، ومن ينظر في المصنفات الجهادية التي رفع بها الجهاد والتي خفض بها فيما بعد المراجعات ، لنجدها لنفس المؤلفين، ولا فرق منهجيا بينها، إلا تطويع النص ذاته والاعتبارات المزاجية بالاستدلال بالتراث بصورة انتقائية !

ابن حنبل . . المفترى عليه

وقد نقلت عن الإمام أحمد بن حنبل تلال من التصنيفات لا تخضع لتمحيص، برغم حرصه في حياته على تخليص الحديث من أقوال وأقوال غيره والاكتفاء بالدليل، ومن تلك التصنيفات “زاد المستنقع في اختصار المقنع” للحجاوي، وهو عن كتاب “الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل” للحجاوي، وبه مهازل لا تليق بالإمام الجليل ويكفي أن نقرأ باب الغسل لنرى الحديث عن موجباته وذكر دبر الحيوان وعلاقات المخنثين!!

كما تعرضت بعد التصانيف للتناقضات في المذهب الواحد كـ “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل” للمرداوي ، وهكذا نعيش في دوامة المتون وشرحها! وهي تشعبات لا علاقة للأصل بها . وسنجد أن ابن القيم حين وضع كتابه الشهير “إعلام الموقعين” بنى كلامه على أمثلة لتراث يتكون من كتاب ضائع للخلال، وعشرات المجلدات التي حملت فتاوى وآراء منسوبة للإمام أحمد بعد قرون من رحيله، لا إسناد لها في معظمها .

و ما سبق يجعلنا نقول بالبون الشاسع بين الإمام أحمد ومذهبه الحنبلي!! على سبيل المثال نرى اتخاذ المتصوفة من الفكر الحنبلي “جراب حاوٍ” للتعبد بالأضرحة ، وهو المعروف بمحاربته للبدع!

سيرة ابن اسحق .. العجيبة

إن السيرة النبوية لابن اسحق التي أخذ عنها ابن هشام لم تعتمد مصادر موثقة في أجزاء كبيرة منها ، ولم تسلم من الوضع، حتى رأينا بسيرة ابن هشام دعاء النبي  لحسان بن ثابت بأن يؤيده الله “بروح القدس”! وقد عرف ابن اسحاق بانتحال أشعار ونسبها للجاهليين والأمم الغابرة وقد كشف ذلك المحققون ومنهم شوقي ضيف، كما كان يجمع الأحاديث الضعيفة ويعطها سندا واحدا ومجهلا أحيانا، وقد امتلأت سيرته وسيرة ابن هشام بما يمكن وصفه بالقصص الشعبي وليس السيرة النبوية، والذي يستهدف جذب العوام .

ويعترف الإمام الذهبي بأن ابن اسحق ملأ السيرة بالأشياء المنكرة والأشعار المكذوبة . كما اعترف د. حسين مؤنس بكتابه “تنقية أصول التاريخ الإسلامي” الكثير من الأخبار التي لا تليق، ثم يقع “مؤنس” ذاته بنفس ما ينتقده فينسب للطبري وابن اسحق ما لم يذكراه . فيتحدث عن تفضيل الطبري لليهود برواياته، ويتجاهل حقيقة أن الله قد فضل بني إسرائيل الأوائل المؤمنين على العالمين ، ثم أصبحوا على غير حالهم بعد إنكارهم وتجبرهم .

كما أن الطبري ذاته أثبت بمقدمته أن لم يتثبت من صحة الروايات بقدر أمانته في نقلها من مصادرها . فهو يتبرأ تلقائيا من أي قول مستبشع.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل