المحتوى الرئيسى

«أنا دانييل بلايك».. ضحايا النظم البيروقراطية في فيلم بريطاني عن الاستبداد والفزع المتصاعد.. الفرار من أسر هوليود

02/05 15:47

يمكن لمن أمضى 48 دقيقة على الهاتف في انتظار ممثل خدمة العملاء؛ أن يدرك حالة نفاذ الصبر التي عبر عنها المخرج البريطاني كين لوتش في فيلمه الاحتجاجي  "أنا دانييل بلايك".

هكذا بدأ الكاتب ستيفن هولدن مقاله النقدي عن الفيلم في جريدة نيويورك تايمز والذي تقدم البداية ترجمة كاملة له

ثمانية وأربعون دقيقة هي المدة التي قضاها دانييل بلايك البالغ من العمر 59 عامًا -وهو نجار أرمل يعاني من أزمة قلبية- في انتظار تواصل ممثل الحكومة معه، بعد عدة محاولات للاتصال بمكتب العمل دون استجابة. وقد ضاعف ذلك من إحباط دانييل الذي يسعى لاستعادة وظيفته والحصول على بدل معيشة من الدولة. بدأ دانييل يُعامل باحتقار من قبل الموظفين الحكومين، الذين يشكون في صدق روايته، وأصبح مطالب بتقديم دليل شامل على إعاقته وفشل محاولاته في إيجاد وظيفة.

ببساطة، هو عالق بين اثنين من النظم "البيروقراطية"، أحدهما طبي والآخر توظيفي. فهو لا يستطيع العمل إلا بالحصول على موافقة مكتوبة من أطبائه، وعليه أيضًا البحث عن وظيفة في الوقت الذي من المفترض أن يكون للراحة. كل هذا أودى به لبيع أثاث شقته حتى يستطيع إكمال حياته.

"أنا دانييل بلايك" هو عودة قوية للمخرج اليساري البريطاني كين لوتش البالغ من العمر 80 عامًا ولايزال في صدارة المخرجين والنقاد الاجتماعيين. هذا الفيلم كمعظم أفلام لوتش، والتي تتميز بحفرها في بواطن المشكلات والأزمات السياسية والاجتماعية في بريطانيا ووضعها ضمن السياق التاريخي للذاكرة السينمائية البريطانية والعالمية.

ولوتش معروف بانحيازه للطبقة العاملة وتجسيد أفلامه لحياة المضطهدين والمهمشين. ويعتبر هو وبول لافيرتي -شريكه في كتابة السيناريو- أحد رواد الواقعية الجديدة التي تنقل معاناة المشردين في المجتمع البريطاني المحافظ.

فاز الفيلم بجائزة "السعفة الذهبية" الربيع الماضي في مهرجان كان السينمائي. وكان أداء الممثليين -بداية من الممثل الكوميدي ديف جونز الذي لعب دور دانييل وصولًا إلى دور أصغر ممثل- هادىء جدًا ويمنحك شعور أنك تشاهد فيلماً وثائقياً لفريدريك وايزمان.

وأخيرًا ينجح دانييل في مقابلة أحد موظفي الحكومة، لكن التجربة في الواقع تبدو أكثر مذلة من التعامل معها عن طريق الهاتف. إذ يتوجب عليه تعبئة استمارات إلكترونية وكتابة سيرته الذاتية بإحكام لتتمكن الدولة من إيجاد وظيفة له، وهو ما يجهل دانييل التعامل معه. وعندما تظهر أحد الموظفيين تعاطفًا معه وتحاول مساعدته في التعامل مع الكمبيوتر توبخها مديرتها بشدة. ويظهر الفيلم موقف القادرين من الفقراء، كموقف المعلمين من الطلاب المشاغبين. ما إن يرفعوا أصواتهم احتجاجًا حتى يتم طردهم.

ما يجعل الألم محتملًا في هذا الفيلم هي الشجاعة والمثابرة التي يواجه بها دانييل الأمور. وترسمه موسيقى الفيلم صورة حية لبطل الطبقة العاملة الذي يمتلك قدر كبير من اللطف والكرم في مواجهة الظلم والإهانة. رجل يرفض الاستسلام لليأس.

وفي مكتب الرعاية الإجتماعية يقابل دانييل حالة أخرى وهي كاتي، امرأة شابة عاطلة وأم لطفلين، أخذت الحافلة الخطأ فوصلت متأخرة عدة دقائق عند موعدها. ويأخذ دانييل على عاتقه الدفاع عنها، من خلال آلامه وآلامها المتجسدة أمامه.

ويشعر دانييل بالمسئولية تجاهها، يذهب معها لشقتها ويقوم بعمل العديد من الإصلاحات لتبدو الشقة في حالة أفضل، ويصبح نوعًا ما الأب البديل لأبنائها. (لحسن الحظ أن الفيلم لا يأخذ مسار هوليود في إقامة أي علاقة رومانسية بينهما). وبنفس هدوء دانييل تظهر بطولة كاتي كأم مسؤولة ومربية، تجوع ليأكل أولادها. وفي لحظة من لحظات اليأس تلجأ للسرقة من محل بقالة لتسد جوعها، ومرة أخرى تطلب مساعدة من شخص يوصلها ببيت للدعارة.

"أنا دانييل بلايك" يعبر عن المناخ الخانق المستبد الناتج عن حالة الفزع المتصاعد، ويثير التساؤل حول كم الضغوطات التي يمكن أن يتحملها رجل في عمر دانييل وظروفه الصحية. الفيلم يذهب بعيدًا ويجعل مأزق دانييل صيحة استنفار شعبي في الشارع؛ تعطي شعور بالارتياح بعد حالة السخط الملازمة للفيلم.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل