المحتوى الرئيسى

الشعبوية الجديدة تتجه لحكم العالم

02/04 22:07

صعد بسرعة، إعلامياً، مصطلح «الشعبوية» مقترناً بالانتخابات الرئاسية فى روسيا ومصر ودول أوروبا ثم أمريكا.. وأصبحنا أمام تفسيرات كثيرة لمعنى المصطلح وتاريخه ومضامينه وانعكاساته فى سياسات الزعماء الذين جاءوا إلى قيادة العالم عبر الشعبوية، بل رأينا تحذيرات قوية من قيادات عالميين -ومنهم البابا فرنسيس بابا الفاتيكان- من هذه الشعبوية التى تحمل تهديدات جمة لما سموه «المؤسسات والقيم السائدة فى عالمنا» بما ينذر بتصادم سريع مقبل فى الخطاب والسياسات بين قيادات فى دول الغرب القوية ثم بين الأقوى والأضعف فى العالم أجمع.

ويختلط الخطاب الشعبى بالخطاب الشعوبى بخطاب الشعبوية إعلامياً نتيجة ارتباط المصطلحات الثلاثة بمفردة الشعب على الرغم من الفوارق الشاسعة بينها وهو ما يفرض علينا فهم معنى «الشعبوية» قديماً وما فرضته الظروف السياسية من متغيرات أفرزت الشعبوية الجديدة التى تتجه لحكم العالم قريباً.

و«الشعبوية» خطاب سياسى نشأ خلال الثورات الشعبية وكان أول ظهور له فى أثينا عاصمة الإمبراطورية اليونانية، وقد وأطلق على أتباعها «الديماجوجيين» تحت قيادة «كليون»، وقد أدى ظهورهم إلى العصف بالنخبة الحاكمة وانهيار ديمقراطية أثينا وعمت الفوضى مما جعل أفلاطون ثم أرسطو يحقرون فى كتاباتهم «حكم الرعاع».. وفى الإمبراطورية الرومانية كان يوليوس قيصر من أبرز القادة الشعبويين الذين سيطروا على مشاعر الجماهير وكانت فرديته وراء تفاقم الصراعات وقتله وتفتيت الإمبراطورية. وفى الثورة الفرنسية عاد المفهوم الشعبوى ليعتمد على فلسفة سياسية تسعى لتحطيم النخب والمؤسسات القديمة لصالح ثورة الشعب التى طورت نفسها وصنعت مؤسسات جديدة وأعادت للديمقراطية احترام وتقدير الشعب.

وفى إمبراطوريات شرق العالم لم يظهر المفهوم الشعبوى إلا مع ثورة يوليو فى مصر عام 1952 وما تبعها من ثورات تحرر وطنى فى أفريقيا والشرق حيث اختارت الشعوب فى الشرق مبكراً مكانة «الرعيّة» والطاعة والخضوع التام للراعى الذى هو الحاكم المطلق المعتمد على العشيرة والقبيلة مع الحفاظ على الجهل والتسليم العاطفى للشعب بالعادات والأعراف وغياب مؤسسات صناعة النخب. واعتاد المؤرخون على أوصاف الازدراء للشعب فى المجتمعات الشرقية حيث وصفوهم بالرعاع والسوقة والعوام مقابل «النخب» وهم أهل الرئاسة والسلطان والعلماء والذين يتم فرزهم بمزاجية الحاكم ونتيجة اعتبارات عائلية وقبلية وطبقية. ويتفق المؤرخون فى الشرق والغرب على أن الخطاب الشعبوى يثير دائماً الكراهية المتوارثة لدى العاطفة الشعبية تجاه النخب فى كل العصور حتى وصلنا إلى مفهوم الشعبوية اليوم.

ويقول الباحث الفرنسى بيير تاجييف، فى كتابه «الشعبوية»، الذى صدر مؤخراً، إن الخطاب الشعبوى ليس خطاباً ديماجوجياً بالمفهوم القديم، لأن الديماجوجى يهدف إلى تضليل الآخرين بينما الشعبوى يبدأ بتضليل نفسه. والشعبوية الجديدة تمثل ثورة ضد النخبة ومؤسسات صناعة القرار والمفكرين بصفة أساسية. ويروج الشعبوى فكرة «أن السياسة شىء يدركه الشعب بسهولة واعتبارها معقدة يعود إلى مؤامرة من النخبويين لاحتكار السلطة وإبقاء المواطنين العاديين خارج عملية صنع القرار.. ويشحن الخطاب الإعلامى الشعبوى حماس وعواطف الجماهير ضد عدو يتم تضخيم دوره لكسب تأييد الجماهير لسياسات القائد وتنفيذها بلا نقاش، ولا يهتم الخطاب الشعبوى بالأدلة العقلية بل يتعمد إخفاء المعلومات والأرقام وتحقير النخبة.. ويتماهى القائد العاطفى مع مشاعر وأحلام الجمهور ويؤكد الولاء والعطف والحنان للجمهور بما يجعل كل مواطن واثقاً بلا تفكير فى هذا القائد الذى يقدم الحلم الوردى ويبسط الأمور فى شكلٍ مسرحى كرنفالى، ويستحضر التاريخ بصور مجتزأة ومفعمة بالانفعالات.. ويمتطى الخطاب الشعبوى موجة المزاج الشعبى العام أو يصنعها مخططو الحملات السياسية والإعلامية لتبدو أنها المزاج الشعبى العام.. ويعجز الخطاب الشعبوى عن التعامل الجدّى والمسئول مع المشاكل الواقعية. والمعانى التى يتضمنها الخطاب الشعبوى متضاربة بين الرومانسية الثورية والتدنى السياسى، لكن ما يجمع عليه غالبية دعاة الشعبوية استخدامهم لمفردة «الشعب»، وادعاؤهم أنهم صوت وصدى وضمير هذا «الشعب»، واحتكارهم لتمثيله دون اهتمام بمفاهيم التفويض والتعاقد السليم والتمثيل.. وأن النخب منحرفة فاسدة وطفيلية تتصدر القيادة لفترة طويلة لشعب عظيم متجانس موحد وطاهر أخلاقياً، وليس بين النخب وبين الشعب قاسم مشترك.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل