المحتوى الرئيسى

سينما المرأة

02/04 22:07

بمناسبة إعلان عام (2017) عاماً للمرأة، وبمناسبة إقامة مهرجان لسينما المرأة فى «أسوان» فى نهاية هذا الشهر، فإن مفارقة مدهشة تفرض نفسها وتستحق إلقاء الضوء عليها ومناقشتها.. وهى أن السينما المصرية تعتبر السينما الوحيدة فى العالم التى تعد امرأة رائدة لها.. ومع ذلك فإنها منذ بدايتها وهى لا تقدم فى السواد الأعظم من أفلامها المختلفة لشخصيات المرأة إلا باعتبارها راقصة لعوباً تنصب شباكها لاصطياد ثرى أحمق تستولى على أمواله، أو عاهرة تغرى بمفاتنها شاباً فتضيع مستقبله الواعد أو تتسبب فى دخوله السجن، أو خادمة فاجرة تسرق زوج مخدومتها وتشرد أطفاله، أو زوجة خائنة تستولى على أموال زوجها بتدبير عشيقها.. وهكذا فى تضاؤل واضح جداً لنماذج من شخصيات نسائية فاضلة وبراقة وفاعلة وإيجابية، تدعو إلى التبجيل والتقدير والاحترام.. لكن فى عصور التراجع الحضارى وتفشى التيارات المتشددة تسيطر تلك النماذج الرديئة وتتطرف فى انحطاط متناهٍ.. ساندها جمهور من شباب عشوائى شتام بذىء يلوك لغة وضيعة ويتداولها فى جهل منتشر ووقاحة مستشرية.

ذلك لا يعنى بالقطع أن صورة وضع المرأة فى السينما المصرية سواء قبل رحيل الإخوان أو بعدها هى صورة قاتمة.. لكننا أيضاً بالطبع لا يمكننا أن نقول إنها صورة ساطعة.. ربما يرجع ذلك -بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية والتاريخية- إلى أن السينما المصرية لم تحظَ فى تاريخها الطويل سوى بعدد محدد جداً من المخرجات السينمائيات وكاتبات السيناريو والمنتجات ظهرن على استحياء.. فلم يكن هناك منذ منتصف الثمانينات سوى «إيناس الدغيدى» و«نادية حمزة» ثم «أسماء بكرى» و«ساندرا نشأت».. ثم انضمت إليهن «هالة خليل» و«كامله أبوذكرى» ومعهن من الكاتبات «مريم نعوم» و«وسام سليمان».

وإذا كانت «إيناس الدغيدى» ومعها «نادية حمزة» انشغلتا إلى حد كبير بما يمكن تسميته «الدفاع عن قضايا وحقوق المرأة ورصد عورات مجتمع ذكورى يسعى دائماً إلى إجهاض هذه الحقوق»، فإن «إيناس» استطاعت بجرأة وحرية كسر حواجز الحياء المفتعل أو الاستكانة الراضخة لأوضاع ظالمة ومتعسفة ضد المرأة، وناقشت المسكوت عنه دون تردد أو تراجع (انظر مثلاً فيلم «عفواً أيها القانون»).

أما «نادية حمزة» فقد انحرفت إلى المبالغة الكاريكاتيرية فى رسم شخصيات الرجال بافتراض مسبق بسوء السلوك وقبح المقصد والاقتصار على الدوافع الجنسية الحيوانية التى تحركهم، فانتقص هذا التوجه كثيراً من مصداقيته ومن عمق التناول لتلك القضايا التى تطرحها تلك السينما لأنه اختصر الرجال فى نموذج واحد شائه يثير النفور والاشمئزاز.. ربما انتقاماً من قهر الرجل الطويل للمرأة.. ذلك القهر الذى عاشته فى كهف سحيق من الاستعباد والجهل: «أَمَة وجارية خُلقت من أجل استغلال الآخرين، وقهرهم لها».

لكن الجيل اللاحق من السينمائيات تخلصن إلى حد كبير من تلك النزعة أو (العقدة) وتجاوزنها إلى آفاق أكثر إنسانية ورحابة.. ويتضح ذلك جلياً فى أفلام «ملك وكتابة»، و«واحد صفر»، و«يوم للستات» لكاملة أبوذكرى، و«أحلى الأوقات» و«قص ولزق» و«نوارة» لهالة خليل.

لكن هؤلاء المخرجات والكاتبات لم يشكلن حتى الآن تياراً مؤثراً.. وتظل نماذج المرأة على الشاشة يطغى عليها التصوير السلفى والإخوانى لماهية المرأة باعتبارها كائناً غير أخلاقى، ومصدراً للغواية ومنبعاً للرذيلة.

من هنا تأتى أهمية «عزيزة أمير» فى تاريخ النقد السينمائى وفى تاريخ صناعة السينما، وعنواناً لتلك المفارقة التى تحدثنا عنها، فقد اقترن اسمها بفيلم «ليلى» الذى اعتبره المؤرخون على مدار عقود طويلة أول فيلم روائى مصرى تقوم ببطولته وإنتاجه امرأة، وعرض فى 10 نوفمبر 1927، فاعتبر يوم ميلاد السينما المصرية.. وقد صدرت جريدة «الأهرام» فى 1 نوفمبر 1927 تحمل البيان التالى عن موعد هذا الفن الجديد: وُلد التمثيل الصامت فى مصر أخيراً فقد ظهر فى جو مصر نجم لامع وكوكب ساطع يريد أن يخدم مصر وأبناء مصر هو (السينما).. السينما المصرية القومية الحديثة.. هل تعوزنا المناظر؟!.. لماذا لا تكون لنا فى سنين قلائل.. مدينة مثل هوليوود.. ولتكن إمبابة.. قامت السيدة الفاضلة «عزيزة أمير» وهى كوكب من أشهر كواكب التمثيل فى مصر ببدء المشروع الخطير وهو إحياء فن السينما فى مصر.. «ليلى» هو اسم الرواية التى تدور حول الشرف المصرى.. المشروع موجود.. يحتاج إلى تعضيد وتشجيع إمبابة.. أجل إمبابة التى سوف تضارع هوليوود.

وقد تكلف إنتاج فيلم «ليلى» ألف جنيه (كان الجنيه يساوى خمسة دولارات فى ذلك الوقت)، وحقق أرباحاً كبيرة دفعت «عزيزة أمير» وآخرين إلى الاستمرار فى صنع الأفلام فى مصر.. ففى العام التالى مباشرة ظهرت أربعة أفلام روائية طويلة.. ثم فيلمان.. ثم ثالث لم يعرض إلا فى عام 1929، ثم ستة أفلام عام 1930، من بينها «زينب»، أول أفلام «محمد كريم».

وفى عام 1929 قدمت «عزيزة أمير» فيلمها الثانى «بنت النيل» الذى لعبت بطولته وشاركت فى كتابته، واستكملت إخراجه بنفسها.. وفى عام 1933 قامت بإخراج فيلمها الثالث «كفرى عن خطيئتك» الذى لعبت بطولته وكتبته أيضاً.

ولكنها توقفت عن الإنتاج بعد هذا الفيلم بسبب الخسائر التى مُنيت بها.. وفى المؤتمر الذى أقيم للسينما عام 1936 ألقت كلمة قالت فيها: يكفينى فخراً يا حضرات السادة.. أن صناعة السينما قد تقدمت هذا التقدم الكبير وأن أكون أنا الضحية والقربان.

ولم تستطع استكمال كلمتها وانهمرت فى البكاء.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل