المحتوى الرئيسى

الحماية الثانوية تحطم أحلام وآمال اللاجئين السوريين

02/04 15:06

يجلس اللاجئ السوري أبو فيصل على أريكة قديمة وسط غرفة الجلوس التي استقبلنا فيها، وإلى جانبه ابنه الذي كان شاهداً على مأساة عائلته. وبالإضافة إلى قيام ابنه بضيافتنا في منزلهم الصغير، كان هذا الفتى يقوم بمساعدة والده في كل شيء؛ ولكن مهمته الكبرى كانت عمله كمترجم لوالده في معظم تحركاته ومعاملاته مع الدوائر الرسمية، حيث تعلّم اللغة الألمانية خلال وقتٍ قصير نسبيا.

عاش أبو فيصل مع عائلته في (حيّ الشيخ مقصود) بحلب، وكانت تلك المنطقة نقطة اشتباكات بين مختلف الفصائل والكتائب المتناحرة في سوريا، يقول: "بدأت الاشتباكات في المناطق القريبة منّا، وأصبحت القذائف تتساقط على حيّنا، فشعرت أنّ الرحيل أمرٌ لابدّ منه". كانت منطقتهم تحت سيطرة النظام السوري في بداية الاشتباكات، ومن ثمّ بدأت تظهر كتائب وقوى مسلحة سيطرت على المنطقة، مما جعل الوضع يزداد سوءاً. اشتعلت المواجهات بعدئذٍ بين الكتائب المحسوبة على المعارضة وبين وحدات حماية الشعب التي تنظر لها تلك الكتائب بوصفها حليفاً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وجدت عائلة أبو فيصل نفسها بين مطرقة الكتائب الإسلامية المتشددة وبين سندان وحدات حماية الشعب الكردية والنظام السوري، مما دفعهم إلى النزوح بداية الأمر إلى إحدى القرى في ريف حلب، يقول أبو فيصل في حوار له مع DW عربية "هربت مع عائلتي بسبب القذائف العشوائية من الشيخ مقصود إلى قريتنا في ريف حلب".

تضاعفت شكاوى اللاجئين السوريين في ألمانيا ضد قانون اللجوء الجديد. وجاء ذلك بعد تشديد إجراءات لم الشمل العائلي خصوصا لمن منحوا الإقامة المؤقتة أو الثانوية. فكيف تتعامل ألمانيا مع الوضع؟ وما هي التوقعات للعام الحالي؟ (06.01.2017)

طالبت البلديات الألمانية الحكومة الاتحادية بتمديد تعليق حق لم شمل أسر اللاجئين لمدة أطول مما كان مقررا. ويذكر أن ألمانيا شددت شروط الاستفادة من لم الشمل في محاولة للحيلولة دون تدفق المزيد من اللاجئين على البلاد. (25.01.2017)

تركيا محطة اللجوء الأولى باتجاه أوربا

بعد أن ضاقت بها السبل، وجدت عائلة أبي فيصل أنّ فكرة الهرب من هذا الجحيم أمرٌ لا مفرّ منه، فكانت رحلة اللجوء الأولى نحو تركيا، أملاً في إيجاد عمل يضمن لها قوت يومها. يقول أبو فيصل: "في تركيا لا يوجد أمان، فأنت معرض للابتزاز أو السرقة أو النصب، كما أنّ متطلبات الحياة غالية جداً. لذا قررت الرحيل مجدداً". بالطبع كانت أوربا جنة اللاجئين الموعودة، هي مقصد أبي فيصل وزملاء رحلته في قاربهم المطاطي باتجاه جزيرة ميلوس اليونانية، ومن هناك حمل أبو فيصل ولده، وسار به باتجاه ألمانيا. لم يكن يملك المال اللازم لتغطية نفقات باقي أفراد أسرته في رحلته نحو أوربا، لذلك اضطر إلى تركهم في تركيا ريثما يتمكن من لمّ شملهم. في حين ترك والده وشقيقته في ريف حلب، لتغدو أسرته مشتتةً بين بلدانٍ ثلاثة (سوريا، تركيا، ألمانيا) بعد أن كانت مجتمعة في بيت واحد في حلب.

تعمل ابنته الكبرى وعمرها أربعة عشر عاماً في إحدى ورشات الخياطة، وتحصل على أجرٍ لا يغطي نفقات معيشتهم. أجرى أبو فيصل اتصالاً هاتفياً مع زوجته، إلا أنّ الزوجة العائدة من العمل برفقة ابنتها لم تكن تقوى على التحدث لشدّة مرضها، لتزداد معاناته أكثر وتنهمر دموعه ويختنق صوته، وهو يحاول أن يسرد كيف تعيش أسرته داخل غرفة صغيرة تمّ استئجارها في تركيا، ريثما يستكمل الإجراءات القانونية الخاصّة بلم شملهم.

عدم التمكن من لم الشمل وتشتت العائلة تحطم آمال اللاجئين وتدفع بعضهم للتفكير في العودة إلى سوريا

لم يتوقع أبو فيصل أن يعانده القدر إلى هذا الحد، فقد غامر باللجوء إلى ألمانيا أملاً بحياةٍ أفضل له ولعائلته، ولكنّه فوجئ بمنحه حق الحماية الثانوية، وهذا يعني (مصيبة كبرى) على حد وصفه في حديثه مع DW عربية، فـ "مع منحي حق الإقامة والحماية الثانوية لن أتمكن من التقدم بطلب لمّ شمل عائلتي حتى ربيع عام 2018، وإذا أضفنا مدّة تقديم الطلب وما يتبعها من إجراءات تغدو المدة ثلاث سنوات وهذه مصيبة كبرى". وبسبب صرامة القوانين الألمانية، وإجراءاتها البيروقراطية حاول جلب عائلته عن طريق البحر أيضاً، لكن مرض زوجته وحالتها الصحية وضيق ذات اليد حرمته من هذه المحاولة أيضاً. ولم تفلح محاولات منظمات المجتمع المدني في مساعدته، الأمر الذي جعل حالته النفسية تزداد سوءاً كلّ يوم، وهو يرى ابنه يتألم حنيناً لوالدته وأشقائه الذين تركهم في تركيا.

وعن منح حق الحماية الجزئية للاجئين السوريين حدّثنا هاينز كولر، الخبير الاجتماعي في منظمة (دياكوني) في مدينة هاغن بولاية شمال الراين وستفاليا، حيث قال: "يعتمد الأساس القانوني لمنح صفة اللجوء على اللجوء المبرر مثل الملاحقة أو الاضطهاد أو بسبب العنصرية أو المعتقدات السياسية أو الانتماء الديني". وأكد كولر أنّ من يتمكن من إثبات تعرضه لمحاولة الاضطهاد في بلده سيحصل على الحماية الكاملة (صفة لاجئ). أمّا عن تبعات هذه الحماية الثانوية فيقول كولر في حواره مع DW عربية: "المشكلة الكبرى هي حق لم شمل العائلة، حيث يتوجب على اللاجئ الانتظار لفترة أطول، بالإضافة إلى منحه جواز سفر بلون رمادي يختلف عن ذي اللون الأزرق الذي يمنح لمن يحصل على حق الحماية الكاملة".

هاينز كولر: لم الشمل مشكلة كبرى لمن يمنحون الحماية الثانوية فقط

وحسب كولر، فإنّ اللاجئ الذي يحصل على وثيقة السفر ذات اللون الرمادي لا يحقّ له السفر خارج البلاد، طبعاً في حالة لم يكن لديه جواز سفر سوري، أمّا لو قام اللاجئ السوري بتقديم طلب للحصول على جواز سفر من السفارة السورية في ألمانيا، فهذا يعني أنه تحت حماية الدولة السورية. وعن حق اللاجئ في الاعتراض على منحه حق الحماية الثانوية، يقول "بعد أن يتسلم اللاجئ قرار الحماية الثانوية من مكتب الهجرة، يجب عليه الإسراع بإجراءات رفع دعوى (استئناف القرار) من خلال محام مختص بقضايا اللاجئين". لم يفوت أبو فيصل هذه المعلومة، وبمساعدة بعض الأشخاص قام بالاتصال بأحد المحامين، وتقديم طلب الاعتراض عن طريقه، ولكن تبقى الإجراءات البيروقراطية العائق الأكبر أمامه ويقول إنه غامر "بكل شيء كي أصل إلى هنا وأجلب عائلتي، في البداية رحبوا بنا واستقبلونا، والآن أشعر أنّهم يقولون لنا: مع السلامة".

 ليست حالة أبي فيصل هي الوحيدة، فهناك كثيرون غيره ممن حصلوا على مثل هذا النوع من الحماية، ولم يعد أمامه سوى حل وحيد حسب قوله: "طلبت من مكتب الأجانب أن يسمحوا لي بجلب عائلتي، ولكنهم رفضوا ذلك، ولا يوجد حل أمامي سوى العودة إلى تركيا والعيش مع عائلتي في حال لم أتمكن من جلبهم إلى هنا. وهناك كثير من السوريين مثلي يفكرون بالرجوع إلى عائلاتهم".

فيما أغلقت الأغلبية العظمى للدول الأوروبية أبوابها أمام اللاجئين، كانت ألمانيا، وبنسبة أقل السويد، من أكثر الدول استقبالاً للاجئين. ففي غضون أشهر فقط استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ، أغلبهم من السوريين. ورغم الترحيب الذي أبداه الكثير من الألمان إزاء اللاجئين، إلا أن قدومهم بأعداد كبيرة لم يرق للعديد أيضاً، إذ تسببت سياسة الأبواب المفتوحة في خسائر انتخابية لحزب المستشارة أنغيلا ميركل.

تركيا، التي تستضيف أكثر من 2,7 مليون نسمة، هي بلا منازع أكبر بلد يستقبل اللاجئين السوريين في العالم. ووسط توافد سيل اللاجئين على أوروبا العام الماضي انطلاقا من تركيا، تعهدت بروكسل بدفع 3 مليارات يورو لدعم اللاجئين السوريين وإحياء محادثات عضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي مقابل أن تساعد أنقرة في الحد من عدد الأشخاص الذين يحاولون الوصول لأوروبا من تركيا. إلا أن هذا الاتفاق يبقى هشاً.

لبنان، هذا البلد الصغير الذي لا يتجاوز عدد سكانه 5,8 ملايين نسمة، يستقبل أكثر من مليون لاجئ سوري يقيم معظمهم في مخيمات عشوائية وسط ظروف معيشية صعبة. وبالتالي، فإن لبنان، الذي يتسم بالموارد الاقتصادية المحدودة والتركيبة السياسية والطائفية الهشة، يأوي أكبر نسبة من اللاجئين بالمقارنة بعدد سكانه، إذ أن هناك لاجئاً سورياً مقابل كل خمسة مواطنين لبنانيين.

الأردن، ورغم صغر مساحته وعدد سكانه، إلا أنه من أهم الدول المستقبلة للاجئين السوريين. فوفقاً للأمم هناك نحو 630 ألف لاجئ سوري مسجل في المملكة الأردنية، بينما تقول السلطات إن البلاد تستضيف نحو 1,4 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في سوريا في آذار/ مارس 2011. ويعيش 80 بالمائة منهم خارج المخيمات، فيما يأوي مخيم الزعتري في المفرق، وهو الأكبر، نحو 80 ألف لاجئ.

يبدو أن أغلبية دول الخليج ترفض استقبال الللاجئين السوريين على أراضيها، باستثناء السعودية التي استقبلت نحو 500 ألف لاجئ سوري، دون أن تكون لهم رسمياً وضعية لاجئ، منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011. الدول الأخرى فضلت تمويل مخيمات وبرامج مخصصة للاجئين للسوريين في دول الجوار.

استقبلت السويد نحو 160 ألف طالب لجوء العام الماضي، لكن الأعداد انخفضت إلى نحو ألفين في الشهر بعد تطبيق قيود على الحدود وإجراءات تجعل من الأصعب على اللاجئين دخول الاتحاد الأوروبي. كما تبنى البرلمان السويدي الصيف الماضي قواعد أكثر صرامة حيال طالبي اللجوء، ومن بينها عدم منح تصاريح إقامة دائمة لكل من تم منحهم حق اللجوء في البلاد.

الدنمارك استقبلت بدورها في 2015 أكثر من 21 الف طلب لجوء، بارتفاع بنسبة 44 بالمائة مقارنة مع 2014، لكن ذلك أقل بكثير من عدد الطلبات في جارتها الشمالية السويد. كما أن الدنمارك كانت من أول الدول التي سارعت بفرض اجراءات التدقيق العشوائي للهويات على طول الحدود الألمانية بهدف منع "أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين" من الدخول إلى البلاد. وقبلها قامت بتخفيض المساعدات المالية المخصصة للاجئين.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل