المحتوى الرئيسى

معضلة اللاجئين في ليبيا - نُذر أزمة جديدة على مشارف أوروبا

02/03 18:23

مع اقتراب موسم الربيع يرجح أن يتزايد تدفق المهاجرين غير الشرعيين من ليبيا نحو أوروبا، وكان العام الماضي قد سجل رقما قياسيا حيث جازف 181 ألف شخص في رحلات خطرة من جنوب البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، وحوالي 90 في المائة منهم انطلقوا من ليبيا، وتفيد تقديرات بأن خمسة آلاف شخص على الأقل قضوا غرقا. مؤشرات تبعث على مزيد من القلق في أرجاء أوروبا ولدى قادتها الذين يبحثون في قمتهم بمالطا الجمعة، 03 فيبراير شباط 2017، عن رد جماعي على هذه المشكلة وسط متغيرات وتحديات كبيرة.

بالنسبة لرئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك فان إغلاق "طريق ليبيا" هو الهدف الذي يتعين تحقيقه الآن، وهي عبارة تذكر بـ"إغلاق طريق البلقان" كما أنها تعكس فكرة تراود القادة الأوروبيين بتطبيق نموذج الاتفاق التركي الأوروبي حول اللاجئين، على الحالة الليبية. لكن - حتى بعد قمة مالطا - هل سيجد رؤساء حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الطريق سالكة للتوصل إلى اتفاق أوروبي - ليبي حول اللاجئين والمهاجرين؟

الخطط المطروحة من قبل المفوضية الأوروبية ومن ايطاليا ومالطا بغرض تعزيز التعاون مع ليبيا حول ملف الهجرة واللاجئين، تركز على أولوية تأهيل وتجهيز خفر السواحل الليبيين الذين يعملون في مياههم الإقليمية التي لا يمكن أن تدخلها عمليات الإنقاذ والمراقبة التي يشرف عليها الاتحاد الأوروبي، من أجل اعتراض السفن ومكافحة المهربين. أما المهمة الصعبة التي تواجه الإتحاد الأوروبي فتتمثل في إقامة مراكز استقبال للاجئين داخل ليبيا. وقد اعترف مسؤولون أوروبيون بوجود "عقبات كبيرة" في هذا الصدد، وأبرزها عدم الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا.

قمة مالطا والبحث الأوروبي عن حلول مستعصية

وفي منحى براغماتي تسعى كل من إيطاليا ومالطا بدعم أوروبي، إلى تدشين تعاون أمني وميداني مع حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج، تحت وطأة المخاوف من ارتفاع دراماتيكي لتدفق المهاجرين غير الشرعيين، إذ يقدر خبراء عدد المرشحين للهجرة من ليبيا بحوالي 350 ألف شخص، أي ضعف الرقم القياسي الذي سجل العام الماضي. ويعول الإتحاد الأوروبي، في هذا الصدد، على وحدات المراقبة البحرية للحدود الأوروبية، وقوات خفر السواحل الايطالية والمالطية بالإضافة إلى الدعم الذي يقدمه حلف شمال الأطلسي.

تدرك العواصم الأوروبية أن تطويق موجات الهجرة غير الشرعية المتدفقة من ليبيا، مهمة شاقة للغاية في الوقت الراهن، وذلك لأسباب عديدة:

أولها، أن سواحل ليبيا التي تمتد لأكثر من ألفي كيلومتر، لا تقع كلها تحت سلطة حكومة السراج، المعترف بها دوليا، وحتى في نطاق سلطتها في المناطق الغربية من البلاد وتحديدا من سواحل سرت إلى سواحل زوارة القريبة من الحدود التونسية، فان مهربي المهاجرين يفلتون في حالات كثيرة من المراقبة بسبب قلة تدريب قوات خفر السواحل الليبية، أو بسبب النزاعات الداخلية بين الميليشيات المتعددة. كما أن الحرب التي تخوضها القوات الحكومية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في تلك المناطق لم تحسم بشكل نهائي، وما يزال التنظيم الإرهابي ينفذ من حين لآخر عمليات انتقام ضد القوات الحكومية التي طردته من معقله سرت.

أما سواحل شرق ليبيا أي من منطقة راس لانوف حتى طبرق القريبة من الحدود المصرية، فهي ما تزال مسرحا لصراع مسلح مفتوح بين قوات الجيش الوطني" بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر والجماعات الجهادية المتشددة، وتشكل الموانئ جزءًا أساسيا من المواجهات بين الطرفين، إلا أن مراقبة السواحل تظل على الهامش.

المنظمات الإنسانية تحذر من مصير مأساوي للاجئين في ليبيا

ثانيا: أن ليبيا المضطربة تشكل مصدرا للهجرة غير الشرعية، أولا بسبب حالة عدم الاستقرار التي تسودها وغياب سلطة دولة تسيطر على الأمن في البلاد، وثانيا، لأن ليبيا تعتبر بمثابة ملتقى لتيارات هجرة من شرق ووسط وغرب القارة الأفريقية، وبأن الهجرة القادمة من العمق الأفريقي، تشكل بدورها خزانا مهما للأطراف المتصارعة داخل ليبيا. إذ  تعتمد الميليشيات المتناحرة، على تجنيد مرتزقة من بلدان أفريقية. كما أن اقتصاد الحرب في ليبيا يعتمد بدوره على استغلال المهاجرين الأفارقة، ويشكل تهريب المهاجرين واحدا من الأنشطة المتفشية في ليبيا حاليا.

ثالثا: إن إقامة مراكز لاستقبال اللاجئين في ليبيا، وهي واحدة من النقاط التي تم الاتفاق عليها  في قمة مالطا، ستصطدم بالعديد من العقبات في عملية تطبيقها سواء بالنسبة إلى الطرف الأوروبي أو حتى لدى حكومة السراج، إذ ستُسَجل العديد من الاعتراضات من قبل المنظمات الحقوقية الأوروبية والدولية والتي تقول إن ترك اللاجئين يواجهون مصيرهم بأنفسهم داخل ليبيا، يشكل مجازفة كبيرة بحياة الآلاف.

وقد كشفت وسائل إعلام ألمانية قبل أيام معلومات موثقة عن تقرير للسفارة الألمانية بالنيجر أنجز للحكومة الألمانية، بأن المهاجرين يواجهون الإعدام والتعذيب وغيرها من انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان بمخيمات في ليبيا، حيث "توثق صور وتسجيلات مصورة أصلية التقطت بهواتف محمولة لظروف تشبه معسكرات الاعتقال فيما يسمى بسجون خاصة" يديرها مهربون، ويقول التقرير إن "عمليات إعدام عدد لا يحصى من المهاجرين والتعذيب والاغتصاب والرشوة والنفي إلى الصحراء تحدث يوميا."

اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورقة قد يستخدمها الروس

في أول قمة أوروبية تلتئم بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ناقش القادة الأوروبيون معضلة الهجرة غير الشرعية وسياسة اللجوء، وهي واحدة من الملفات المثيرة للخلاف مع الإدارة الأميركية الجديدة. وما يزال الأوروبيون يتلمسون الطريق حول كيفية التعايش مع إدارة ترامب،

في غضون ذلك تبعث روسيا إشارات متتالية حول سعيها إلى لعب دور متنام في ليبيا، بهدف كسب أوراق جديدة شبيهة بالورقة السورية، وقد أظهر الروس في هذا السياق دعمهم للجنرال حفتر، فيما يشبه تصفية حساب قديم في ليبيا مع الغرب، إذ يعتبرون أن دور الحلف الأطلسي في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، كان على حساب المصالح الروسية، فقد قال سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي "من هنالك (ليبيا) بدأ كل شيء" في إشارة منه لثورات الربيع العربي.

في تطور مثير، تفقد خليفة حفتر، حاملة طائرات روسية قبالة سواحل ليبيا قادمة من طرطوس. هذا التطور قد يشكل نقطة تحول في أفق بلورة تحالفات جديدة. فهل تفعلها روسيا وتقوم بتدخل عسكري في ليبيا على غرار دورها في الأزمة السورية؟ (12.01.2017)

ذكرت صحيفة ألمانية الأحد أن المهاجرين في مخيمات بليبيا يواجهون الإعدام والتعذيب. صحيفة "فيلت آم زونتاغ" كشفت إستنادا إلى تقرير أعدته السفارة الألمانية في النيجر، تفاصيل حول انتهاكات خطيرة بحق المهاجرين في ليبيا. (29.01.2017)

وفي حال انكماش الدور الأميركي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وليبيا على وجه الخصوص، فسيزداد التدخل في ليبيا إغراء بالنسبة للكرملين. وإذا حدث ذلك فان دعما عسكريا نوعيا من روسيا لقوات الجنرال حفتر، ما سيجعل حسم الأزمة الليبية يأخذ طابعا أكثر دراماتيكية وعلى حساب التسوية السلمية التي ترعاها الأمم المتحدة ويدعمها الإتحاد الأوروبي. وسيكون من نتائجه أزمة لاجئين مضاعفة بالنسبة لأوروبا. وهو ما يجعل سياسة اللجوء والهجرة الأوروبية تحت رحمة أدوار اللاعبين الأميركي والروسي، اللهم إذا حدث تغيير نوعي باتجاه تقوية السياسة الأمنية والدفاعية لدول الإتحاد الأوروبي.

وفي غضون ذلك فان الاتحاد الأوروبي يواصل مساعيه المحتشمة إلى تطويق الهجرة غير الشرعية عبر مفاوضاته الصعبة مع تونس والقاهرة لإقامة مراكز استقبال للاجئين في جنوب البحر الأبيض المتوسط، وعبر تقديمه حوافز مالية للدول الأفريقية وخصوصا الشمالية منها، بهدف حثها على التحكم في ظاهرة الهجرة.

مهمة البحث انطلقت في مدينة بنين عاصمة ولاية إيدو النيجيرية. تقريبا كل شخص نتحدث معه هنا لديه أصدقاء أو أعضاء عائلة في أوروبا. فأكثر من ثُلاثة أرباع مجموع بائعات الهوى في إيطاليا ينحدرن من هذه المنطقة. الكثيرون لا يجدون آفاقا في بلدهم بسبب البطالة في صفوف الشباب.

الأخت بابيانا إيمناها تحاول منذ سنوات تحذير النساء الشابات من السفر إلى أوروبا. وقالت لنا "الكثير منهن يتم إغراؤهن بوعود كاذبة". فالعمل الموعود كمربية أطفال أو حلاقة ينكشف في عين المكان كأكذوبة. فجميع النساء الشابات تقريبا يكون مصيرهن شوارع البغاء.

بعد مفاوضات طويلة يوافق أحد مهربي البشر على التحدث إلينا. يسمي نفسه ستيف. ويقول إنه نجح في تهريب أكثر من مائة نيجيري إلى ليبيا، وهو يرفض تقديم معلومات عن الأشخاص الذين يقفون وراء هذه التجارة ـ ويعتبر أنه خادم بسيط. ويقول ستيف "الناس هنا في إيدو طماعين. من أجل حياة أفضل هم مستعدون لفعل كل شيء".

مقابل 600 يورو ينظم ستيف الرحلة من نيجيريا إلى إيطاليا. ويقول المهرب:"الغالبية تدرك خطر السفر عبر الصحراء". ومن حين لآخر تؤدي حوادث عطل إلى وفات بعض الأشخاص. "تلك هي المخاطرة"، يقول ستيف الذي يرافق المهاجرين حتى أغاديز في النيجر حيث يتولى شخص آخر المهمة.

مدينة أغاديز الصحراوية هي المحطة الأخطر في رحلة بحثنا. سكان هذه المنطقة يعيشون من تجارة البشر والمخدرات، ويتعرض أجانب من حين لآخر للاختطاف. لا يمكن لنا التحرك إلا تحت حراسة مسلحة، كما وجب علينا تغطية الرأس بزي تقليدي لتجنب لفت الأنظار.

ويعتبر سلطان أغاديز عمر إبراهيم عمر مثل العديد من الناس أنه لا يمكن القضاء على مشكلة تجارة البشر في عين المكان، وهو يطالب بأموال أكثر من المجتمع الدولي. وحجته في ذلك عندما يقول بأنه إذا أرادت أوروبا وقف تدفق المهاجرين عليها نحو البحر المتوسط، فوجب عليها دعم النيجر أكثر.

منذ شهور تنطلق كل يوم اثنين قبل غروب الشمس حافلات تقل مهاجرين من أغاديز في اتجاه الشمال. الفوضى في ليبيا أدت إلى تمكن المهربين من العبور دون مراقبة حتى البحر المتوسط. ونلاحظ بسرعة هنا أن السلطات في النيجر لا تكثرت لأنشطة المهربين.

الكثير من المهاجرات من نيجيريا يجدن أنفسهن في إيطاليا على قارعة الطريق للممارسة البغاء. الموظفة الاجتماعية ليزا بيرتيني تعمل مع بائعات هوى أجنبيات. وقالت لنا بيرتيني:"عددهن في ازدياد". وتكشف مصادر رسمية أن حوالي 1000 نيجيرية دخلن في عام 2014 إيطاليا. وفي 2015 تجاوز عددهن 4000 . وتلاحظ الموظفة الاجتماعية أن "عمر الفتيات يصغر".

Comments

عاجل