المحتوى الرئيسى

عبد الحميد أبوزرة يكتب: ذئاب المسيري تعوي | ساسة بوست

02/03 13:08

منذ 1 دقيقة، 3 فبراير,2017

كم كان د. المسيري موفقـًا في كثير من أطروحاته الاجتماعية والسياسية أو الفلسفية، فمن تحليلاته التفكيكية للظاهرة اليهودية والصهيونية، ورؤيته العميقة للأزمة الداخلية للصهيونية التطبيقية في أسها الإسرائيلي، أو من خلال تحليلاته وتفسيراته لأزمة الحداثة الغربية وانحرافها عن خدمة الإنسان نحو خدمة الشهوة، وإلغاء الإنسان من أجل خدمة الرأس مال، أو خدمة الطوطم الوثني في تجلياته الجديدة.

في سيرته الذاتية «رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية»، طرح المسيري فكرة الذئاب الثلاثة التي هاجمته والتي تهاجم كل واحد منا بأشكال ودرجات مختلفة، يقول المسيري:

فقد هاجمتني ثلاثة ذئاب شرسة «هكذا أسميها» ظلت تنهشني بعض الوقت: ذئب الثروة وذئب الشهرة والذئب الهيجلي المعلوماتي .

أما الذئب الأول فهو ذئب براني تمامًا، وهو ذئب الثروة الذي يعبَّر عن نفسه في الرغبة العارمة في أن أكون ثريًا. فقد أتيت من عائلة تجارية، مصدر الشرعية فيها هو الثروة، ومن هنا إن لم يحققها المرء.

أما الذئب الثاني ، فهو أقل بَرَّانية ومادية، وهو ذئب الشهرة الذي يعبِّر عن نفسه في الرغبة العارمة في أن أصبح من المشاهير. وحينما عدت للمرة الأولى من الولايات المتحدة الأمريكية لم أواجه ذئب الشهرة؛ إذ إنني وجدت نفسي أكتب في الأهرام وأتحدث في الإذاعة والتلفزيون ومسئولاً عن وحدة الفكر الصهيوني في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، وأصبحت أحد كتَّاب الأهرام المنتظمين.

هو الذئب الهيجلي المعلوماتي، وهو ذئب خاص جدًّا، جواني لأقصى درجة، يعبِر عن نفسه في الرغبة العارمة في أن أكتب كتابًا نظريًا، إطاره النظري واسع وشامل للغاية ولكنه في الوقت نفسه يتعامل مع أكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل، إن لم يكن كلها. أي أنني كنت أمعن في كتابة عمل يصل إلى أعلى مستويات التعميم والتجريد والشمول، وفي الوقت نفسه تصل إلى أقصى درجات التخصيص والدقة. «من كتاب رحلتي الفكرية- في البذور والجذور والثمر – ص: 166- 176».

إنسان عصر السرعة والثورة المعلوماتية التي نعيشها اليوم هو أكثر النماذج وضوحًا عن افتراس هذه الذئاب له؛ فأما الثروة فصار الناس يلهثون وراءها بكل جهودهم يريدون امتلاك أشياء كالسيارة والمنزل أو الملابس وقضاء العطلات بأموال لم يكسبوها بعد فيسقطون ضحية استغلال البنوك التي تسهل لها الاقتراض ثم تلاحقهم لدفع أقساطهم المترتبة.

الإعلام المرئي يهاجم عقول الناس ويصور لهم حامل القروض كشخص سعيد رغم إفلاسه أو إخفائه لفقدانه الحرية وسقوطه عبدًا لأشهر أو سنوات تحت العمل الشاق من أجل دفع تلك الأقساط، الإعلام يصور سيدة البيت التي لا تغير عفشها و أثاثها المنزلي كل سنة متخلفة أو بخيلة، ولو كانت تلك الأثاث أو التجهيزات ما تزال محافظة على جماليتها أو صلاحيتها.

أما التجلي الأكبر لذئب الشهرة فهو عالم وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة شبكة الفيسبوك، وتويتر، هذه المواقع الذكية استثمرت في غريزة الإنسان للشهرة والظهور ولفت الانتباه ورغبته بالخلود، فالإنسان الناجح والسعيد حسب منطق هذه المواقع هو من يجمع أكبر عدد من المتابعين والمعلقين والمشاركين والمعجبين بنشاطاته على هذه الشبكة.

فحينها يفقد إنسان العصر الحديث خصوصيته أمام ذئب الشهرة الذي افترسه في شبكات التواصل الاجتماعي، أو ذئب الثروة الذي يبيعه وهم الثروة واللذة المادية من أجل مجاراة هذا السباق المحموم في الشراء والاقتراض والاستهلاك تحت قصف شديد من الإعلانات التجارية التي تشوه وعيه وإدراكه.

الذئب الأخير هو الذئب المعلوماتي الذي أصاب المثقفين التقليديين والأكاديميين على حد سواء، فقد تجد طالب العلوم الدينية يحاول حفظ ومراكمة الكثير من الكتب والتصانيف والأبيات الشعرية التعليمية، أو يمضي سنوات وعقود من حياته يدرس ويعاود دراسة متون وحواشي كتب التراث، ثم تضيع هذه المعلومات المتراكمة بسبب عدم الاستعمال أو النسيان.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل