المحتوى الرئيسى

أصوات من الموصل.. سكان الجانب الأيمن يعيشون وسط "قنابل موقوتة" وينتظرون معارك يوم القيامة

02/02 21:47

قبل عام من الآن، اعتاد رافع الموصلي، تاجر الأقمشة، أن يتمشى على الجسر العتيق الذي يربط بين جانبي الموصل الأيمن والأيسر، كما اعتاد أهل الموصل أن يقولوا. رائحة الكباب تغري جميع العابرين بالتوقف، وتناول الإفطار في منطقة الكورنيش أمام الجسر الذي كان شريان المدينة النابض بالحياة. كان الكورنيش منطقة تعج بصيحات الباعة المتجولين وضجيج السيارات وروائح الطعام المنتشرة في المكان، وما يميز المنطقة أن مطاعم الكباب تفتح أبوابها بين السادسة صباحاً والعاشرة صباحاً. ونسمات الهواء من نهر دجلة تضفي طابعاً آخر على المكان.

رافع، كان واحداً من 750 ألف نسمة يعيشون في الجانب الأيمن من مدينة الموصل، ويعانون الحصار منذ بداية المعارك في أكتوبر/تشرين الأول، في محاولة من القوات الحكومية وحلفائها استعادة المدينة من تنظيم داعش الذي بسط سيطرته عام 2014.

قبل شهور، أحس رافع بأن معركة مصيرية وشيكة سوف تقع بالمدينة، وذهب إلى بيت زوجته في بغداد بطريقة لا يود الإفصاح عنها.

في هذه الأحياء يختبئ قادة تنظيم داعش

سكان الجانب الغربي، أو الأيمن كما يسميه أهل المدينة، يترقبون المعركة الحاسمة بين الجانبين، فيما التنظيم ما زال يسيطر على أحيائهم التي توصف بأنها الأقدم في المدينة.

ويتخوف السكان من خسائر كبيرة في الأرواح إذا اندلعت المعارك في أحياء مثل باب جديد ورأس الجادة وفاروق والخزرج وغيرها، من الأحياء التي نقل إليها تنظيم داعش مقراته، كما سبق ان نقل عائلات أعضائه التي كانت تقطن الجانب الأيسر. وقالت مصادر من المدينة لـ"هافينغتون بوست عربي"، إن المباني العتيقة في المدينة لن تتحمل دوي القصف المحتمل، وإن السكان يشعرون بأن الجدران القديمة عبارة عن قنبلة موقوتة ستنفجر فور البدء في القصف.

يتوقف تاجر الأقمشة رافع، وهو اسم مستعار بناء على رغبة صاحبه، وهو يرى المكان الذي اعتاد أن يتناول طعام الإفطار فيه خالياً من الحركة التي كانت تملأ المكان عدا تلك التي يقوم بها مسلحو داعش، وروائح الكباب التي كانت تملأ الكورنيش أصبحت روائح البارود. والجسر الذي اعتاد أن يمر عليه ويستنشق فوقه عبير نهر دجلة انهار نتيجة القصف، مع بداية عمليات تحرير الموصل.

القتل عقاب من يقوم بهذه الجرائم

الصحفي الموصلي عماد الشمري، قال لـ"هافينغتون بوست عربي" إن :أسعار المواد الغذائية شهدت ارتفاعاً جنونياً، "شوال السكر مثلاً ثمنه 400$ بعد أن كان سعره لا يتجاوز الـ40$. أما فيما يخص الطحين، فهو من مطاحن داعش وسعر الشوال 15$، ولكن من الجدير بالذكر أن المتاح من الحنطة والشعير غير صالح للاستهلاك البشري؛ إذ تستخدم كعلف للحيوان. وهناك فتوى من داعش تبيح الاستيلاء على مخازن الغذاء في الجانب الأيسر باعتبارها أموالَ مرتدين".

يعاني المدنيون في المدينة ظروفاً صعبة جداً، كما يفيد شهود عيان لـ"هافينغتون بوست عربي". أغلب العوائل اشترت بكل مدخراتها مخزوناً من المواد الغذائية في أحسن الأحوال قد يكفيها شهراً واحداً. أما العوائل الفقيرة، فتلجأ إلى المواد المزروعة في البيت كالبصل، أو المواد الرخيصة التي يحصلون عليها من البقالين مثل الطحينية التي تنتج في المدينة. "هناك تكافل بين أبناء المدينة؛ إذ تقوم العوائل بتقاسم ما تملك من طعام فيما بينها"، كما يضيف أحد سكان المدنية.

يضيف مصدر آخر من سكان مدينة الموصل، بصوت متقطع، لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن المواد الغذائية غالية جداً بالنسبة للسكان الذين قطعت داعش عنهم جميع طرق التحويل المالي، "إلا تلك الحالات التي تتم في الخفاء بعيداً عن أعين التنظيم المنتشرة في كل مكان؛ إذ إنه يقوم بقتل كل شخص يحول الأموال إلى داخل المدينة من دون إذنه".

لماذا يتنقل سكان المدينة مشياً على الأقدام؟

كان مشتاق، ابن الموصل الذي يعيش الآن خارج المدينة، يملك سيارة للأجرة ويحلم باقتناء أخرى أجرة جديدة ليزيد من فرصته في العثور على زبائن جدد. تراجع حلمه مع دخول داعش للمدينة. أما مع أزمة الوقود الجديدة، فأصبح كل ما يحلم به هو سداد تكلفة ما تبقى من أموال السيارة.

ويقول أحد سكان المدينة إن أسعار وسائل النقل العمومية التي كانت موجودة تضاعفت 3 مرات بعد أزمة الوقود الحالية؛ إذ أصبحت تكلفتها تقريباً 1.5$ للنفر الواحد.

الصحفي عماد الشمري الذي تحدث إلى "هافينغتون بوست عربي" عبر تطبيق فيسبوك، يقول إن الوقود أصبح سلعة نادرة جداً؛ إذ يقدر سعر لتر البنزين الواحد 7$، بالإضافة إلى أنه سيئ جداً. وأفاد ناشطون بأن أغلب التنقل داخل المدينة يتم الآن سيراً على الأقدام، وتُحْجم معظم العوائل عن استخدام السيارات الخاصة؛ تحسباً لما قد يستجد من الأزمات.

وكيف يجد سكان الجانب الأيمن المياه والكهرباء؟

قبل أيام، اتصل تاجر الأقمشة رافع من بغداد بإخوته الذين بقوا داخل الموصل بصوت يملأه الخوف. لم يُبدأوا الحديث إلا بعد أن طلبوا من أحد منهم مراقبة الطريق؛ خوفاً من عيون داعش. مسلحو التنظيم يقتلون أي شخص يتحدث على الهاتف.

إخوة رافع كانوا يريدون أن يخبروه بأنهم يعيش وسط أصوات القصف بعد تحرير الجانب الأيسر من المدينة، ولا يوجد ماء لأكثر من يومين؛ بسبب انقطاع الكهرباء.

اليوم، لا يستطيع رافع أو غيره الاتصال بالمدينة؛ فقد انقطعت الاتصالات الخلوية تماماً الأسبوع الأخير في شهر يناير/كانون الثاني، كما قال لـ"هافينغتون بوست" عدد من أبناء الموصل، الموجودين في تركيا.

مكالمة رافع كانت بعد تحرير الجانب الأيسر الثلاثاء 24 يناير، وذكر شهود عيان لـ"هافينغتون بوست عربي" أنه حتى خطوط الكهرباء القليلة التي ما زالت تعمل، يصادرها تنظيم داعش ويقوم ببيعها للمدنيين.

وتزامنت هذه الأحداث مع اكتمال تحرير الجانب الايسر من مدينة الموصل على أيدي قوات مكافحة الإرهاب وقطاعات الجيش والشرطة العراقية.

للذكرى الخالدة: هنا كانت جامعة الموصل

مضى أكثر من 100 يوم على معركة الموصل، تم تحرير الجانب الأيسر من المدينة، ولكن نتيجة للمعارك التي دارت تم تدمير الجسور كافة التي تربط طرفي الموصل الأيمن والأيسر؛ لكي يتم قطع خطوط إمداد قوات داعش.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل