المحتوى الرئيسى

Ahmed Bahaa يكتب: بين غربتين | ساسة بوست

02/02 21:14

منذ 1 دقيقة، 2 فبراير,2017

عندما تقع عينك على الكلمات الأولى ستظن أنني أكتب لهدف غير الذي سيتضح لك في النهاية .

كنت أظن نفسي قادرًا على تحمل مرارة الغربة، حتى تجرعتها فعرفت أني كنت واهمًا حين ظننت نفسي قويًا.

لكن الأهم ليس في تحمل الغربة بقدر التأقلم والتعايش مع الوضع الجديد الذي أنت فيه، فسوف تعيش حياة غير التي عشتها في سنواتك الماضية، سَتُكشف لك حقائق لم يخطر ببالك يوما أنها تحدث لك أو لغيرك.

حين وطأت قدمي أرض المملكة العربية السعودية أدركت أني قد تركت وطني خلفي وعَلىَّ أن أواجه مجتمعًا جديدًا ما زال به أسرار كثيرة لا أعرفها.

فرحت كثيرًا لأني وجدت زملاء كثيرين معي في العمل من وطني –وليتني لم أفرح– قابلوني بابتسامات وأحضان وكأنهم يعرفوني منذ زمن وبالطبع منهم من لم يُلقي عليَّ حتى السلام وكأني عدو له منذ زمن، علمت فيما بعد أن معظمهم يظن أنك قادم لتأخذ رزقه أو أنك إن أثبتَّ كفاءتك فسوف تأخذ مكانه حتى لو كان يشغل منصبًا أعلى منك أو تخصصه غير تخصصك، وقتها علمت أن الحرب قد بدأت، لكني لم أشغل بالي بها كثيرًا ولن أسردها لكم فالكل يعلم ما يفعله أبناء البلد الواحد مع بعضهم البعض حينما يجتمعون في عمل في مكان واحد.

لكن الأهم من ذلك أنه كان لي صحبة –هي صحبة خير ولا أُزكّيهم على الله– كانوا عَونًا لي على طاعة الله يَسعون ليُهوّنوا عليّ مرارة الغربة لأنهم تذوقوها قبلي، كنا نجد وقتًا نلعب فيه كرة القدم أسبوعيًا، كنا نخرج في عطلة نهاية الأسبوع نتناول العشاء سويًا، كنا نتقابل ونلتقي خارج أوقات العمل فكان يشعر الواحد منا أن هناك من يوده ويهتم به.

هذا فضلا عن الأصدقاء المتزوجين فكانوا والله أهل كرم، وبمجرد أن يعرفوا أنك عازب يُبادرون باستضافتك في منزلهم، ويجعلون زوجاتهم يطهون لك ألذ وأطيب الطعام المصري الذي يعرفون أنك تشتاق إليه.

أما عن العزاب فغالبية أوقاتنا كانت سويًا، وما من شخص يسمع عن مطعم مصري أو أي مكان نستمتع بالجلوس فيه إلا ويخبرنا به لنرتب زيارة له جميعًا.

والحمد لله كان لدينا «كريم» متعهد ترتيب يوم كل أسبوع نلعب فيه كرة القدم، فقد كان له دور أهم وهو أن يخبرني بموعد المباريات المحلية أو الدولية ولم أتابع مشاهدة المباريات أو أستمتع بها إلا معه في هاي رايز، وأنا أعلم أنه يضحك الآن وهو يقرأ هذه الكلمات ويتذكر تلك الأيام.

كل هذا وكنت أشعر أني مدفون لم تكن هذه هي الحياة التي كنت أحياها في وطني .

أين السهر والسمر كل يوم على القهوة مع أصدقاء لم تتخيلوا يومًا أن يمر عليكم ثلاثة أيام دون أن تتقابلوا !

وعندما بدأت في تجهيزات سفري لتركيا أيقنت أن حياتي ستتغير وسأعود لتلك الأيام الخوالي التي كنت أحياها في مصر، لكني صُدمت بواقع أشد مما واجهته حين سافرت إلى السعودية .

خرجت من المطار لأجد أبو الصحاب فقط الذي ينتظرني –فهو الوحيد الذي ورطني هذه الورطة كما أخبره دوما– لا أحد يهتم بقدومك إلا صديق بدرجة أخ لم تلده أمك.

وتمر الأيام والأيام وتفاجأ بأن كل من يعرفك ويعلم أنك وصلت إسطنبول لا يسعى أن يلتقي بك، أو يكتفي باتصال هاتفي يرحب بك وبوصولك وأنت تحاول أن تستوعب الأمر، وتمر عليك لحظات تخاطب نفسك قائلًا: «إيه يا جدعان هو أنا شفاف ولا إيه!» أنت لم تطلب منهم أن ينتظروك في المطار أو يفرشون الأرض لك بالورود، لكنك كنت تظن على الأقل أن يتصل عليك أحدهم ليقول لك «حمدًا لله على سلامتك».

وتستسلم لحياة جديدة لم تتخيلها أبدًا، تجعل تفكيرك كله في البحث عن عمل وفقط وتلقي بأي شيء آخر خلف ظهرك، لتفاجأ وأنت تتصل بشخص أعطاك رقمه صديق لك وأخبرك أن تهاتفه، لعله يساعدك في إيجاد فرصة عمل يقول لك: «نحاول نساعدك بإذن الله لكن نصيحة مني حاول ما تكملش هنا ولو عندك فرصة ترجع السعودية ارجع أفضل لك».

فتجد نفسك بكل تلقائية تُنهي معه المكالمة وتحظر رقمه من هاتفك حتى لا تتكرر هذه الجريمة مرة أخرى.

وبعد بضعة أيام أخرى تقابل أحدهم في المواصلات والآخر في الشارع بدون ترتيب، ليخبرك كل منهم «إيه ده إنت هنا من إمتى» بطريقة غاية في السذاجة وأنت لا تصدق ما تراه ولا تستوعب أن الناس قد تغيروا هكذا، لكن بعد قليل استوعبت حين أخبرني كل منهم أنه يجب أن يستضيفني في منزله ويخبرني أنه سيجعل زوجته تحضر لنا طعامًا خصيصًا لي، لتتأكد بعدما يمر أسبوع أو شهر بل حتى الآن لم تتلق اتصالًا من أي منهم ولا حتى اعتذارًا أنه قد نسي، فهو بالفعل قد نسيك منشغلًا بحياته وبيته وزوجته.

حتى زملاؤك في العمل، لا تتعدى العلاقة بينكم كونها زمالة عمل فلديهم أصدقاؤهم يتقابلون خارج العمل وليس لك أن تجبر أيّ منهم أن يدعوك للخروج معهم، فالعلاقة بينكم هي زمالة العمل فقط، فلا تفكر أن تتكلم مع أحد منهم عن أي شيء شخصي في وقت العمل لأنه ربما يرد ردًا «سخيفًا» كالذي سمعته من أحدهم حتى لو كنت تسأله عن شيء بسيط لا يستدعي مثل هذا الرد.

وتُفاجأ أيضا أنه لا أحد منهم يتصل بك أو يُرسل لك رسالة اطمئنان حين تغيب يومًا عن العمل بسبب مرضك، رغم أنك اتصلت ببعضهم حينما مرضوا ولم يأتوا للعمل، ولم تكن تنتظر منهم أن يفعلوا معك مثلما فعلت لكن عدم تخيلك أن مجرد الاتصال قد يُرهقهم ويجعلهم يشعرون أنهم يُقربونك منهم فيمتنعون عن فعل شيء هو من صميم الدين، فكيف إذا سألهم الله عز وجل يوم القيامة «يا فلان مرضت ولم تَعدني، يسأله وكيف أعودك وأنت رب العالمين، فيقول له الله -جل شأنه- علمت أن عبدي فلانًا مرض ولم تَعده» لكن الأيام تمضي وتتناسى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل