المحتوى الرئيسى

«عهدى».. «الشروق» تعرض حكاية «خديو مصر الأخير»

02/02 16:30

- عباس حلمى: الطموح المجنون لعرابى تسبب فى تسليم مصر إلى الأجانب

- بعض قيادات الأحزاب كانوا أكثر انحيازا للاحتلال البريطانى من انحيازهم لحكم مصر

- مصطفى كامل «باذر البذور المنتظر» الذى بدأ فى نشر الفكرة الوطينة بين شباب الدارسين المصريين فى أوروبا

- كنت سعيدا وقت أحداث ١٩١٩ وأنا أرى طلبة الأزهر إلى جانب شباب الجامعات المصرية العلمانية فى العمل من أجل حرية واستقلال الوطن

«بسبب الاحتلال وهوجة عرابى التى أبعدت عن والدى (الخديو توفيق) كل عنصر قادر ونشط، لم يكن هناك أى شخص يجرؤ على ان يضع نفسه صراحة إلى جانبى»؛ هكذا يصف خديو مصر الاخير عباس حلمى الثانى سنوات حكمه الأولى، التى بدأها فى ١٨٩٢، ساردا للعديد من الأحداث ــ حتى من قبل توليه الحكم ــ وخاصة ثورة عرابى التى قام بها قائد الجيش المصرى فى وجه الخديو توفيق فى عام ١٨٨٢.

وفى المقدمة التى كتبها الحاكم السابع من اسرة محمد على، فى مذكراته «عهدى» بعد سنوات من قيام بريطانيا بإزاحته عن حكم مصر مع اقتراب الحرب العالمية الاولى فى1914 (والتى تمت ترجمتها ثم نشرها بالعربية، وقامت دار الشروق بنشرها فى عام ٢٠٠٦) يقول الخديو الاخير على عرش مصر إن ما دفعه لكتابه مذكراته هو «عدة عوامل، منها الاحساس بالوحدة وتأملات طويلة فى جدوى تأكيد عظمة الإنسان، وكذا الرغبة فى أن اقدم مشاركة مدعومة بالوثائق عن احدى الفترات المزدحمة بالاحداث فى تاريخ الوطن الحبيب».

ومذكرات عباس حلمى الثانى بحسب التقديم الدى كتبه المؤرخ أحمد مصطفى فى نسخة «الشروق» تقدم رجلا «مصريا بحتا.. نفخ فى مصر روحا جديدا أذكت نار الوطنية الكامنة وجرأت المصريين على مناهضة الاحتلال.. رغم موجة الياس التى خيمت على المصريين عقب هزيمة الثورة العرابية فى التل الكبير».

غير ان الموقف الذى يحمله عباس حلمى الثانى لعرابى وما يصفه ايضا بـ«ثورة ١٨٨٢ التى كانت ضربة فظيعة لمصر» لا يعبر عن أى تقدير لهذه الثورة، بل يصفها بأنها «مدت اطناب الفوضى فى كل مكان، وحطمت كل شىء، وكان كل فرد قد فقد طريقه بين هذا الضياع العام، وكانت فكرة الواجب قد اختفت عند موظفى الدولة، فلم يعد هؤلاء يعرفون الطريق إلى السلام، وحملتهم غرائزهم صوب المصالح الذاتية أكثر من أن تحملهم صوب العمل الشريف المتجرد والتفانى فى خدمة الوطن».

كما أن عباس حلمى الثانى، يصف عرابى بأنه صاحب «العملية الجنونية» ويصفه بأنه «ضابط غير ملتزم ومن اصل شعبى.. اعتقد فى ذلك الوقت أنه يمكنه ان يجرؤ على أى شىء، وأن يحصل على كل شىء عن طريق تأييد أو مشاركة بعض الضباط غير الراضين أو الطموحين أو الجنود الفقراء والجهال »، ويضيف أن «فتنة عرابى.. لم تكن تسعى كما ينبغى للحركة الوطنية الراشدة فى ذلك الوقت للخلاص من الاحتلال البريطانى، قدر ما كنت تعبر عن معاداة للأسرة الحاكمة التى كان لها دور كبير، فى انتشال المصريين من ظل العبودية وجلب التنوير لمصر».

وبينما يخصص عباس حلمى الثانى الفصلين الاول والثانى من مذكراته لإعفاء جده الخديو إسماعيل، الموصوف تاريخيا بأنه صاحب قصة طويلة من الافراط غير الحذر فى الاقتراض، وابيه الخديو توفيق الموصوف حكمه فى العديد من الروايات التاريخية بالضعف والهشاشة، من تهمة وضع البلاد تحت سيطرة الاجنبى، يصر الخديو الاخير لمصر على ان من سلم مصر لعهدة الاجانب «كان عرابى، جراء طموحه المجنون، ودفعه الجيش إلى التمرد واستثارته للغرائز المتطرفة للجماهير الجاهلة والمتعصبة»، ويصر على أن اسماعيل «ساهم فى تحقيق نهضة كبيرة لمصر، كما انه سعى لمد حدود السودان المصرى إلى اقرب ما يمكن من منابع النيل الازرق».

وتعد مذكرات عباس حلمى الثانى الواقعة، حسب اصدار الشروق فيما يزيد قليلا على ٢٠٠ صفحة من القطع الكبير، سردا لما يقول الحاكم انها «جهود مضنية لإعفاء مصر من السيطرة المزدوجة لسلطة اسطنبول والاحتلال البريطانى من خلال جولات كر وفر سياسى مع تركيا وبريطانيا، خاصة من يمثل تلك الاخيرة من مندوبين دائمين لها فى مصر».

ويقول الخديو الاخير ان سعيه لمنح مصر قدرا من الاستقلال عن كل من تركيا وبريطانيا «جاء عن طريق السعى لإصلاح الجيش، والسيطرة عليه، ومواجهة الدسائس التى يكيدها الاحتلال».

ولكن عباس حلمى الثانى يرى تعرقل جهوده وتبعات «حركة عرابى» فإن «نارا مقدسة كانت موجودة فى قلوب المصريين.. هى الشعور الوطنى»، ويرجعها بالأساس إلى «المثقفين، وخصوصا الطلبة، على عكس الطبقة العليا التى كانت تعتبر الاحتلال مرادف للحكم ــ وهو فى هذا السياق يلوم على بطرس باشا وزملائه الاحكام غير المنصفة التى أصدروها بحق الفلاحين المصريين «البؤساء» الذين قامت قوات الاحتلال بتوقيفهم فى اطار حادثة دنشواى ــ وعلى عكس الشعب والفلاحين كما هو الحال فى كل مكان، لا يأبهون الا بما يمس خبزهم وهدوئهم».

كما ان عباس حلمى ــ بحسب ما جاء فى مذكراته ــ لم يكن يعول على الاحزاب السياسية التى تأسست فى السنوات الاولى للقرن العشرين، بل يذهب فى وصف بعض قيادات هذه الاحزاب انهم «كانوا اكثر انحيازا للاحتلال البريطانى عن انحيازهم لحكم مصر».

ويبدو من حديث عباس حلمى انه لم يكن لديه الكثير من التقدير إلا لمصطفى كامل الذى يصفه بأنه «باذر البذور المنتظر، الذى بدأ فى نشر الفكرة الوطينة فى شباب الدارسين المصريين فى اوروبا.. قبل ان يقوم بإيقاظ المشاعر المصرية الاصيلة، فكان هو المنشط للاتجاه الوطنى المصرى.. وكسب لعقيدته ولحزبه اغلبية الموظفين والأعيان والمثقفين ومجموع الطلاب والعمال».

غير ان عباس حلمى الذى لم يكن معجبا ايضا بمحمد فريد الذى «سعى لخلافة مصطفى كامل، دون نجاح كبير»، وكان يرى أن «الاصل رغم كل شىء فى الحركة السياسية لمصر، هى القيادات الوطنية والشخصيات صاحبة الجاذبية الشخصية، وليس المنظمات أو التجمعات السياسية».

ولكن الفصلين الأهم على الاطلاق فى تلك الاطلالة على تاريخ مصر فى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الذى يقدمه الرجل الذى جلس على العرش ٢٣ عاما والذى كثيرا ما يسقط اسمه سهوا بين اسم جده ووالده (اسماعيل وتوفيق) واسمى آخر حكام مصر من أسرة محمد على (فؤاد وفاروق) هما الفصلان السادس والسابع، والذان يخصصهما للحديث عن التعليم وافتتاح الجامعة المصرية، حيث يصر بشدة على أهمية التعليم والمعرفة وسعيه، استكمالا لمبدأ أرساه مؤسس حكم اسرته محمد على لإرسال البعثات لأوروبا، وهى السياسة التى كان لجده إسماعيل نصيب كبير من التوسع فيها، وكذلك لإنشائه المعاهد والمدارس العليا فى القاهرة بمساعدة علماء اوروبين ومصريين وهى الجهود الذى يقول انها «كانت دوما مصدر احتفاء وتقدير من الشعب المصرى، كون أن مصر كانت دوما بلادا للمعرفة، وكون حب العلم والتذوق، ظل سمة من سمات الارستقراطية الدينية المتشعبة بالتقاليد وبالمثل، وكذا كانت البورجوازية رغم حبها الأنانى للمال».

ويشرح عباس فى مذكراته ان الحرص ــ الذى يقول إن عهده شهده ــ بتقديم دفعة كبيرة لنشر سبل التعليم وتوسيع المستفيدين من البعثات العلمية للخارج والتى كانت للثقافة الاوروبية فيها فضلا كبيرا، لم تكن ابدا اختصاما من النهضة باللغة العربية، لافتا فيما يذكر للدورالذى كان لكل من أحمد شوقى وحافظ ابراهيم فى هذا الصدد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل